في الأنباء أن الحوار الذي يدور بين حزب الأمة والمؤتمر الوطني اكتمل بنسبة (75%)، تبقت منه نسبة (25%) من القضايا العالقة والمتعثرة، وهي القضايا التي تتمثل في موضوع الجنائية والعدالة، وموضوع الحكومة الانتقالية، بحسب آخر وثيقة مسربة. وفي اليومين الماضيين، خرجت الصحف بحديث متفائل للأمين العام لحزب الأمة، اللواء (معاش) صديق إسماعيل، الذي كشف عن التوصل إلى نهايات سعيدة في حوارهم مع المؤتمر الوطني، دون أن يقطع بزمن محدد لانتهاء ذلك الحوار. وقطع إسماعيل بمواصلة الحوار لبحث الأجندة الوطنية، ومشاركة الأحزاب في الحكومة العريضة، التي دعا إليها رئيس الجمهورية، مؤكداً أن هناك تقدماً ملحوظاً في بعض القضايا مثار النقاش، ليُفاجأ المراقبون في اليوم الثاني بنفي أمانة الحزب لإدلاء أمينها العام بأي تصريح مطابق لمآلات الحوار. فيما قطع رئيس حزب الأمة القومي، الإمام الصادق المهدي، بعدم تحقيق أي اختراقات بينهم و(الوطني) بشأن الأجندة الوطنية، وراهن على اتخاذ القرار النهائي حول الحوار من لجنة حزبه، ثم بقرار ملتقى رؤساء أحزاب الإجماع الوطني. ولكن على مقربة من العبارة نفسها مثار الجدل؛ (نهايات سعيدة)، بدت خيوط الرؤية تتضح رغم الضباب المنتشر بكثافة، وهنا ينبع أكثر من سؤال: هل حزب الأمة مقتنع تماماً بأن الحوار الذي يدور منذ سنوات ليست بالقليلة، سيفضي إلى تحقيق المطلوبات الوطنية؟ وهل سيكون رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي سعيداً بالمشاركة في السلطة بحزمة من المناصب؟ وإن كانت المشاركة باشتراطتها تلك قد جرفت ابن عمه مبارك الفاضل من قبل، وحصل بموجبها على أكثر من عشرين وزارة، ومنصب مساعد رئيس الجمهورية؛ فما هو ثمن إمام الأنصار؟ وهل يبدو السير في ليالي الحوار المطيرة مجدياً ومرضياً للقوى المعارضة، بعد أن دخلت حلبة المواجهة بقوة، بإعلانها تنظيم ندوات سياسية واعتصامات ومسيرات سلمية لثلاثة أيام تبدأ من يوم الاثنين وتنتهي الأربعاء، مقرونة بتصاعد حدة الخلاف حول التفويض الممنوح لحزب الأمة للتحاور باسم القوى المعارضة، في الوقت الذي صوبت فيه انتقادات حادة ل(الأمة) وأشارت إلى عدم وجود تفويض للحوار مع المؤتمر الوطني نيابة عن التحالف؟ الراجح أن الصادق المهدي لا يفضل الاستوزار على طريقة المؤتمر الوطني الذي يريد أن يشتري صمته في زمن الصراخ الذي بدأ ينفجر من قلب الشارع، خصوصاً وأن الوطني كما بدا للمراقبين يشعر بالخناق ويبحث عن شرعية جديدة ودعم سياسي من قبل القوى السياسية. عضو المكتب السياسي بحزب الأمة القومي محمد حسن التعايشي قال إن المجموعة التى ترك لها أمر البحث عن حلول مع النظام عاجزة عن اجتراح أي فعل يصب في اتجاه التغيير لأن شروط التغيير متكاملة وليست متجزئة. وأضاف التعايشي ل(الأهرام اليوم)، أن حزب الأمة إذا مضى في طريق الحوار سيجد نفسه خارج دائرة التأثير وسينفتح الطريق أمام القوى الشبابية، وأوضح أن التغيير غير مستهدف للنظام بقدر ما أنه يستهدف البنية السياسية القديمة والقوى التى تعمل في الفضاء القديم، وقال إن هذه القوى التى تتمثل في حزب الأمة والاتحادي وتبحث عن شراكات مع النظام ليس بمقدورها أن تحدث فعلاً يؤدي إلى تغيرات سياسية، وأشار إلى أن مسألة الوصول لنهايات سعيدة ليست من باب الاستعداد للتغيير وإنما من باب تحقيق مكاسب في إطار الشراكة، وقال إن تلك القوى المتحاورة مع الوطني ليست هى من الآليات التى تراهن عليها الجماهير. وحول السقف الزمني لهذا الحوار قال التعايشي إنه ليس من شروطه أن ينتهي في فترة زمنية محددة لأن المؤتمر الوطني يتعامل مع الأمة والاتحادي باعتبارهما (خراجات) تعينه في الخروج من المطبات والمزالق، وبالتالي فهو يريد أن يستمر في هذا الحوار حتى يتم تسكين الشارع، ونفس النظام قد فتح قنوات الحوار مع الحركات المسلحة ومع المجتمع الدولي ومع القوى السياسية تجنباً للثورات، وأضاف أن الثورة السودانية قادمة وهى ليست بشروط الثورات التى حدثت وإنما بتهيؤ القوى صاحبة المصلحة الحقيقية من التغيير. ومضى التعايشي إلى أن المؤتمر الوطني يتحاور مع المؤتمر الوطني داخل حزبي الأمة والاتحادي، وأشار إلى أن ما يتم لا يعبر عن إرادة حقيقية لجماهير الأحزاب السياسية، مؤكداً أن الصادق بقبوله مبدأ هذا الحوار فهو يتعامل مع واحد من الخيارات المتاحة أمامه. أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري الدكتور صلاح الدومة اختزل النهايات السعيدة التي ستنجم من الحوار بين الأمة والوطني بأنها ستكون سعيدة لقيادة حزب الأمة لوحدها من مناصب ووزارات وأموال، وقال إن الموضوع كله يدخل في سياق الابتزاز المستمر من قبل حزب الأمة الذي هو جزء من القوى المعارضة الرافضة للحوار من جانب، ومن جانب آخر هو ضالع في مسألة الحوار مع النظام والثمن الذي سيدفعه الأمة هو إجهاض عملية تحرك الشارع وتسكينه بمقابل، وأشار إلى أن القضايا التى تم إنجازها في مسألة الحوار هى قضايا ذاتية تخص آل المهدي، مستطرداً بأن المشاركة أضعفت موقف مبارك الفاضل من قبل ولن يقبل الصاق المهدي أن يكون فريسة للمؤتمر الوطني يفقد بموجبها سنده الجماهيري. عضو الأمانة السياسية بالمؤتمر الشعبي الدكتور أبوبكر عبد الرازق يجزم في حديثه مع (الأهرام اليوم) بأن الحوار مع المؤتمر الوطني قد انتهى تماماً دون فائدة، وقال إن الوطني عبر عن رأيه صراحة بأنه يرفض الحكومة القومية وقد عبر عن ذلك الرفض الرئيس وقال إن من أراد أن يخرج سنقابله في الشارع وبالتالي فإن الوطني قد أغلق الباب نهائياً أمام القوى السياسية، أغلقه بسلوكه الذي لا يفي بعهد ولا يؤدي أمانة، وأشار إلى أن الحكومة جعلت حزب الأمة والاتحادي ساحة صراع بيننا وبينهم. ومضى عبد الرازق إلى أن خيار القوى المعارضة، بما فيها حزب الأمة والاتحادي، يتمثل في قرار التحالف بالعمل على إسقاط الحكومة عبر ثورة شعبية وهو قرار لا رجعة فيه، مشيرا إلى أنهم يقفون خلف حزب الأمة والاتحادي ولن يتخلوا عنهما في المعارضة، وزاد بأن الحوارات الثنائية مع الحكومة فشلت بعد أن فقدت الأخيرة مشروعيتها الأخلاقية والسياسية بفصلها للجنوب وفشلها في حل قضية دارفور وإجهاضها لكل محاولات الوصول لاتفاق يفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد. ومن المفارقات التى يطرحها المراقبون بهذا الخصوص هو ردة فعل الصادق المهدي عندما قرر مبارك الفاضل العائد لأحضان الحزب بعد ردة عندما قرر المشاركة في الحكومة فكان تعليق الإمام ساعتها بأن مبارك استبق الذبيحة بالأكل من الميتة، والذبيحة التى يقصدها الصادق، بحسب المحللين، هى الثورة، فهل سوف يستبق الإمام ذبيحة الشارع بمائدة الوطني التى وضعت أمامه بكل ما فيها من طيبات؟!