قبل ستة أعوام من الآن عقد أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي اجتماعاً مشتركاً كان يعد مفصلياً في ذلك الوقت لمسيرة الحزب نظراً لأنه أول اجتماع يعقد بعد رحيل زعيمه ومؤسسه الشريف زين العابدين الهندي، وتحمل أجندته حزمة من القضايا والملفات المعقدة في مقدمتها امتصاص الصدمة التي خلفها رحيل زعيم الحزب ورئيسه وبملء الفراغ الذي حدث في منصب الرئيس الذي أهمل دستور الحزب أمر معالجة خلوِّه لأي سبب بالاستقالة أو الوفاة، واكتفى الدستور بالإشارة إلى أن عملية اختيّار الرئيس من اختصاص المؤتمر العام الذي كانت عملية تحديد موعد انعقاده أحد القضايا المنوط بهذا الاجتماع حسمها حتى يتم إجراء تعديل على الدستور وإكمال القصور الذي ظهر فيه، بجانب إنهاء الجدل الدائر حول شرعية الأجهزة والهياكل التي تدير الحزب لتبرز هذه القضايا والمشكلات للعلن دفعة واحدة بعد رحيل الشريف وتصبح مثار جدل مما استوجب عقد هذا الاجتماع المشترك للبحث عن مخرج من الأزمة التي تواجه الحزب وتهدد مسيرته، رغم أن أمر معالجة هذه القضايا وطي ملفاتها ليس من اختصاص هذه الأجهزة المشتركة في هذا الاجتماع وهذا يبدو واضحاً من لجوئها إلى وضع معالجة مؤقتة بعد أن استعصى الأمر عليها؛ إذ تم تكليف الأمين العام بتصريف مهام رئيس الحزب عبر عمل جماعي وله حق اختيّار مساعدين له ممن يراهم مؤهلين للقيام بهذا الدور من قيادات الحزب بالتعاون مع أجهزته التي جدد تكليفها بتمديد فترة صلاحيتها لحين انعقاد المؤتمر العام الذي أوصى هذا الاجتماع بالإسراع في الإعداد لانعقاده في أقرب وقت. وعلى الرغم من أن الحزب بهذه الحلول المؤقتة يبدو للعيان في ظاهره أنه قد تخطى الأزمة التي واجهها بعد رحيل زعيمه وهدأت نبرة الأصوات التي ارتفعت منادية بإجراء إصلاحات واسعة في هياكله وتبادل الأدوار بين إدارة الحزب وتولي المناصب التنفيذية في جهاز الدولة التي آلت إلى الحزب بحكم شراكته في السلطة. غير أن الحقيقة الماثلة للعالمين ببواطن الأمور داخل الحزب أن هناك حالة من الانقسام غير المعلن لتيّارين أو معسكرين يدور بينهما الصراع على أشده تحت قيادة الأمين العام؛ د. جلال، وهو التيّار المسيطر على قيادة الحزب والمناصب التنفيذية وتيّار آخر يقوده صديق الهندي والمجموعة التي ظلت بعيدة عن تولي أي منصب داخل وخارج الحزب منذ حياة الشريف. ورغم إنكار وجود هذا الانقسام إلا أن الكتابات والمقابلات الصحفية التي تجرى تفضح هذا الانقسام وتخرجه إلى العلن حتى في بعض الأحيان في مظهر الخلافات الشخصية عندما تحمل هذه الكتابات والمقابلات لهجة السب والتجني على الأشخاص تحت غطاء المطالبة بإجراء إصلاحات داخل الحزب وهذا ما يتفق على رفضه محمد الدقير ومعتز مصطفى، رغم أنهما يمثلان وجهتي نظر مختلفتين داخل الحزب، لكنهما يتفقان على عدم وجود مبرر أخلاقي أو تنظيمي لتحويل الصراعات الحزبية إلى شتائم شخصية وسباب لأن هذا يتنافى وأخلاق الاتحاديين الذين اشتهروا بين الأحزاب السودانية «بعفة اليد واللسان». ويرى معتز، وهو أحد القيادات الشبابية الموالية لصديق الهندي، ضرورة وضع حد لهذه الشتائم على صفحات الصحف بالمحاسبة والتقويم بدلاً من تركها لإضافة مزيد من الاحتقانات والمرارات الشخصية. وفي المقابل يؤكد محمد الدقير أن هذا التفلت ناجم عن خلل في الخطاب الإعلامي للحزب ونتيجة الصعوبات التي تواجه ضبطه رغم أن اللجنة المركزية للحزب أوصت في آخر اجتماع لها بقيام لجنة للانضباط الحزبي، ويضيف: رغم هذا الخلل في الخطاب الحزبي إلا أنه دليل عافية للممارسة الديمقراطية داخل الحزب ولا حجر على رأي فيه شرط أن يكون في إطار النقد وإصلاح الحزب. وعلى العكس من ذلك يذهب صديق الهندي إلى أن سبب لجوء البعض للتنفس على صفحات الصحف جراء انعدام المساحة الكافية داخل أجهزة الحزب لإظهار الرأي الآخر. ويري صديق أن من وسائل حجر الرأي الآخر تحاشي القائمين على أمر الحزب، الذين كان واحداً منهم قبل أن يتقدم باستقالته من منصب الأمين العام، تحاشي انعقاد أجهزته وهياكله بما فيها عملية تأخير انعقاد المؤتمر العام خوفاً من المحاسبة وموجة التغيير التي ستضرب الكثير من الوجوه التي ظلت مسيطرة على الحزب وتديره وفق مصالحها - حسب إفاداته في المقابلة التي أجريناها معه في وقت سابق - التي نفى خلالها أيضاً أن يكون خلافه مع د. جلال ذا طابع شخصي وإنما هي سهام نقد قاسية وأجراس إنذار للتقويم والإصلاح يرسلها باتجاه د. جلال ومجموعته ولا تمس الجانب الاجتماعي والعلاقات الشخصية وإنما يصوبها باتجاه الأداء التنظيمي لهم من خلال اتهامه لهم بالفشل في إدارة الحزب، كما يحمّلهم مسؤولية الخسارة والسقوط الشنيع الذي طال حزب الحركة الوطنية في الانتخابات الأخيرة التي يلقي بثقلها على كاهل الأمين العام؛ د. جلال، نتيجة عملية السحب غير المبرر الذي أجراه لمرشحي الحزب لصالح المؤتمر الوطني. وفي هذا يقول محمد الدقير نافياً ما ذهب إليه صديق من أن تحاشي انعقاد المؤتمر العام وانعقاد أجهزته ليس بسبب الخوف من المحاسبة التي يقول إنه لا أحد يخشى المحاسبة بعد أن يعترف بأن هناك قصوراً في الحزب لكن لا تتحمله هذه القيادات الموجودة وحدها بعد أن قدمت ما لديها، لكن - والحديث لمحمد الدقير - الدافع لتحاشي انعقاد المؤتمر العام وأجهزة الحزب هذا الشحن الزائد، ويؤكد أن الدخول للمؤتمر العام بهذه الوضعية التي عليها الحزب من شحن وصراعات حتماً سيقود الحزب إلى حالة انقسام وهذا ما جعل الجميع يتفقون على تأخير انعقاد المؤتمر العام رغم أهميته لحسم كثير من القضايا، على رأسها تعديل الدستور وحسم قضية رئاسة الحزب. وينفي محمد الدقير جملةً وتفصيلاً ان يكون الحزب قد سحب أي مرشح وأن نتيجة الانتخابات كانت مفاجأة لهم وشكلت لهم صدمة مما أدى إلى حالة من الركود داخل الحزب لأجل دراسة أسباب الهزيمة وترتيب الصفوف لبدء مرحلة جديدة، غير أن هذا قوبل من بعض كوادر الحزب بهجمة شرسة غير متوقعة على صفحات الصحف طالت كل القيادات تحت غطاء المطالبة بالتنحي والإصلاح والإسراع بعقد المؤتمر العام الذي يواجه عثرات في تمويله بسبب عملية الإنفاق الكبيرة التي قام بها الحزب لتمويل الانتخابات الأخيرة. ويرفض صديق تبرير تأخر انعقاد المؤتمر العام بسبب التمويل عندما يقول إن المال لم يقف في يوم من الأيام حجر عثرة أمام الحزب ولو كانت المشكلة الإمكانيات لن تقف أمامنا «غداً ننصب خيامنا في جنينة الشريف وبصواني منازلنا نطعم وفودنا بإمكانياتنا المحدودة هذه» - على حد تعبيره.. ويبدو أن المال اللازم توفيره حول مسألة انعقاد المؤتمر العام للحزب والمغالطات الدائرة بشأنه شيء أشبه بتلك الأنشودة التي يرددها الأطفال وتقول إحدى فقراتها: «المفتاح عند السلطان.. والسلطان عاوز فلوس»؛ لأن المؤتمر العام للحزب الاتحادي في وضعه الحالي يشكل مفتاح الحل لكل مشاكله التي ظلت تعصف به منذ رحيل زعيمه حتى انتهى حاله إلى انقسام غير معلن على الرغم من محاولات قياداته الظهور أمام الجماهير بأنها موحّدة إلا أن الانقسام قد وقع ويظهر ذلك من خلال مقرين لإدارة الحزب، وبطريقة أخرى يمكن القول لإدارة الصراع؛ أحدهما المركز العام للحزب بنادي الخريجين أم درمان الذي فضّل صديق الهندي البقاء فيه ويرى أنه أحق به من الآخرين باعتباره أحد أوقاف الشريف يوسف الهندي التي كان قد وهبها للخريجين لتؤول للحزب وصديق الآن يتخذه مقراً له لإدارة معركته مع التيّار الآخر الذي يتخذ من مباني الأمانة العامة بضاحية الرياض شرق الخرطوم مقراً آخر. وإلى حين انعقاد المؤتمر العام يتخندق كل تيّار داخل مقره ويقود حملته لاستقطاب واستمالة الجماهير تجاهه لكسب معركته داخل المؤتمر العام وبين كل لحظة وأخرى يتم تبادل سهام الاتهامات وسط حيرة ودهشة الجماهير.