{ داخل هذه الضجة الضخمة بالمحاسبات والفساد ومراجعة الأموال وشد الحبل بعد تركه على الغارب حيناً من الدهر، تتقوقع بؤرة فساد متعفنة لا علاقة لها بالمال إنما بأفعال الرجال - والرجال تحديداً - وهي جرائم الاغتصاب المتواترة بدقة غريبة كأنما مزروعة رقاقة مغنطيسية في عقل كل مجرم تتوجه بحساب الزمن بعد كل فترة كي لا نتمكن من نسيان الجريمة التي قبلها بمحاولة تذكيرنا بأن نحاربها بشكل أوقع من مجرد قانون بعدي ينتظر أن يقع فأس الجريمة على رأسنا ليكسر كل شيء حتى إيماننا بالأخلاق..! { فقد خلقت فينا هذه الجرائم نوعاً من التشققات الروحية وغيّرت ما استطاعت بقدرتها على الفساد أن تنقل تعفنها إلى عقولنا فصرنا لا نحسن التعقل فيها ولا ندري كيف يمكن أن تكون الضحية جانية على نفسها وأهلها بخروجها وحدها منتصف النهار والعيون في منتصف الرأس تسمع وتتذوق المشاهد اليومية بلا حراك أو فعل يستبق الجريمة بتوجيه أو تحذير بمراقبة حقيقية تصطاد عيون المنحرفين قبل أن تقع على جسد طفلة ذات أربع سنوات أو طفل ذي خمس! وبخطب صلاة تنهى عن الفحشاء هذه التي صارت واحدة من مطايا الشباب لإزاحة الأذى عن أجسادهم بإلقائه ثقيلاً على من لا حول لهم ولا قوة. { والقوة القانونية التي فاتت الحد الأدنى لعقوبة الاغتصاب بتوصيلها إلى الحد الأقصى بالإعدام شنقاً حتى الموت، بحسب الحيثيات وما تفضي إليه الواقعة من ضرر، لم تسندها من القوانين الاجتماعية بحد أدنى ما يمكن أن يسد أية ثغرة محتملة لأن يخرج منها فاسد منحرف يسحق روح وجسد طفل لمجرد أن يقضي وطره. فمن يأتي إلى مباني النيابة متهماً تثبت إدانته في واقعة اغتصاب يستحق بلا رحمة وشفقة العقوبة الموقعة عليه. بغض النظر والعاطفة عما كان عليه ماضيه وما تسلسلت عليه حلقات حياته ليخرج بنفس مشوَّهة وروح عاجزة عن التفريق بين الجنس السليم المتوافق والشاذ غير المتوافق، وبين جريمة على فرد وجريمة على مجتمع. { والمجتمع الذي يسكت مضطراً على مثل هذه الجرائم يصبح باغياً يستحق توقيع عقوبة عليه أيضاً. فالإعلام الضخم الذي يسبق الاحتفالات والمهرجانات الفارغة من الفحوى والجدوى وما يُصرف على دعايات عالية لبضاعة كاسدة من الأغنيات والملبوسات وصابون لا يغسل أوساخنا، كان يمكن بشجاعة الإحساس بالمسؤولية العامة والسيطرة على الإحداثيات أن يُوجَّه بعضه فقط لخدمة الطفل، ولحمايته بجد لوضع حد فاصل بين العنف والتربية وبين الجريمة والعقاب وبين المجتمع والبيت. { وقد بات مجتمعنا متخبطاً في بحر لُجي من جرائم العنف ضد الأطفال ويحاول التعلق على قشة القانون والدموع التي لا تمسح خده من صفعة الجريمة المتواترة بنسق وترتيب. وصرنا نحن نمعن في الغرق فيه بمتابعة مباريات كرة القدم وأماسي المدن المالحة ومفاوضات واحة الراحة، ...إلخ.. المنصرفات اليومية للمواضيع المشتتة للانتباه المباعدة لمراعاة فروق الأخلاق السودانية المتنافية مع كل ما يحدث الآن من قتل واغتصاب وحرق وانتقام وفساد وتجارة رقيق وأطفال وأعضاء - وليس تبرعاً - إلخ.. { إن المجتمع المتكامل الذي يحفز على التنمية والتطوير يتخذ من الأطفال الدرع البشري الذي يقيه من الانهيار ويشجعه على الاستمرار في خططه التنموية لدولة متقدمة أخلاقياً قبل اقتصادياً أو سياسياً. حتى المجتمعات الفاحشة والفاسدة تسعى لذلك عبر بناء حائط منيع من التوعية والتوجيه القوانين والمنظمات الطوعية الوطنية وغيرها للحد من انتشار القيم غير السليمة والأفكار التي يمكن أن تهدم طفلاً بأخلاق جيدة تحترم الإنسان في الزمان والمكان. { والمكان الذي تقع فيه الجريمة يستحي تمام الحياء من أن يقف عليه إنسان. والإنسان الذي تقع عليه الحادثة يستحي أن يرويها - رغم ضحيته المسجاة على تراب الأخلاق - مرتين، والمرات المتكررة للواقعة - فقط بأطفال متغيرة أسماؤهم - تستحي أن تسألنا نحن مجتمع الأخلاق ذا أغنيات الحماسة الراقصة: (ده حدُّو وين ولمتين)؟؟