يبدو أن السوق سواء أكان حراً أو غير حر، لا يحترم التوجيهات والقرارات السيادية.. يضربون بها عرض الحائط بل وفي سلة (المهملات) لتأتي على شاكلة (كلام جرائد).. لا يهتمون كثيراً بها ولا يعيرونها أدنى اهتمام.. هذا هو السوق السوداني الذي عرفناه، والذي له أساليبه المعروفة التي يستخدمها وقت ما يشاء.. وزارة المالية تحدد سعر السكر والسوق يتحدى المالية ويتجاوز سعر (175) جنيهاً للجوال، والخبز يخفف وزنه من قبل المخابز وتؤكد المالية أنها ستعيد الخبز إلى وضعه الطبيعي، ولا شيء من ذلك يحدث.. يتم تقليص عبوة الخبز بواقع جنيه من (5) رغيفات إلى (4) رغيفات مع الإبقاء على الوزن الخفيف.. يتم إيقاف استيراد العربات المستعملة ومصانعنا إنتاجها صفر، ويتم إيقاف الأثاثات وترتفع أسعارها في السماء، بعد أن أصبحت ضرورية وليست كمالية.. فمعظم السلع التي تم إيقاف استيرادها كانت ضرورية ولا غنى لمعظم المواطنين عنها. فالسودان لم يصل مرحلة إيقاف الاستيراد لأننا لم نصل مرحلة الاكتفاء والوفرة بعد، فإيقاف الاستيراد الذي جاء بهدف إحلال فاتورة الواردات انعكس سلباً على الحياة المعيشية للمواطن (الغلبان) الذي نفد صبره وقلت حيلته ولسان حاله يقول (سأصبر حتى يصبر الصبر عن صبري)، (واصبر وما صبرك إلا بالله)، و(أيوب يا حبيبي زيي انا ما صبر).. نعم هذا هو حال المواطن السوداني الآن.. وكما قلت في بداية هذه المساحة فإن السوق لديه أساليب.. نعم لديه أساليب ومازال يضرب بالقرارات عرض الحائط.. فدونكم (أزمة الغاز) التي تم عقد مؤتمر صحافي بشأنها لتعلن وزارة النفظ عن سحب التوكيل والترخيص للتوكيل الذي يبيع الأسطوانة سعة (12.5) كيلو بأكثر من (13) جنيهاً فقط، للأسف الشديد اختفى الغاز بعد الإعلان الرسمي للسعر وبات يوزع سراً بواقع (30) جنيهاً أي بزيادة بلغت (17) جنيهاً من السعر المعلن رسمياً، فالمواطن سيضطر للشراء ولا أظنه سيبلغ الجهات الرسمية بأن الوكيل (الفلاني) باع له بأكثر من السعر الرسمي المعلن، لن يبلغ لأن الحوجة الماسة والضرورية للغاز جعلته يتجاهل حديث وزارة النفط بالإبلاغ.. فالغاز سلعة ضرورية لا غنى (للبيوت) عنها ويدخل في دائرة السلع الكمالية ولا منافس له، حتى (الفحم) لا ينافسه.. فالفحم يمتاز بالبطء وزيادة التكلفة.. فهل يعقل مثلاً أن نتحرك للوراء ونعود للمربع الأول ونحطم الغابات والحزام الشجري بسبب الصيانة الدورية والمعروفة للمصفاة، وكما قلنا نحن دائماً نرتب للأشياء بعد وقوعها على الرأس الذي تهشم كما قلنا في مساحة أخرى.. فوزارة النفط تعرف جيداً أن المصفاة تتم صيانتها دورياً، فلماذا لا يتم التخزين مبكراً لهذه السلعة الهامة جداً.. فلماذا نفكر بعد حدوث الأزمة في بناء مستودعات للغاز بربك وعطبرة ونيالا للتخزين الاستراتيجي.. وبصراحة نحن فاشلون في التخزين الإستراتيجي حيث أنشأنا هيئة للمخزون الاستراتيجي وتأمين الغذاء ولكن هذه الهيئة خالية تماماً حتى من (الجرذان). فلا نكرر التجربة لأن المستودعات ستكون خالية تماماً من (غاز) أو (بترول). فخروج مصفاة الجيلي بسبب الصيانة تركت أزمة كبرى فما بالكم بعد خروج البترول بعد (التاسع) من يوليو. فالسودان سيعاني أزمة الغاز والبترول التي ستنعكس بصورة كبيرة على حياة المواطن وستنهي حياة العيش الرغد والبذخ والصرف الإداري الكبير على السيارات والهواتف الجوالة. فنحن سادتي بحاجة إلى إدارة الأزمات بصورة كبيرة، فعلينا منذ الآن ان نتحسب لما بعد التاسع من يوليو وإلا سنعود إلى (المربعات) الأولى والصفوف وفهلوة التجار والاحتكار والتخزين.. علينا أن نغرق أسواقنا بما لذ وطاب من مواد غدائية وسيارات وملبوسات وجازولين وبنزين وغاز وسكر ودقيق وغيرها من السلع التي باتت ضرورية.. ولوزارة النفط نقول: قراراتك كانت كما يقول التجار والسوق (كلام جرائد).. فالغاز تجاوز سعره بالخرطوم (30) وبالولايات حدث ولا حرج.