أصدر وزير العدل؛ مولانا محمد بشارة دوسة، قراراً بتشكيل لجنة لتنسيق الجهود للحفاظ على المال العام ومُكافحة التعدِّي عليه ومحاسبة المُعتدين.. وأصبح الدستوريون وكبار المسؤولين أمام خيار ملء استمارة إبراء الذمة بأمر المادة (75/1) من الدستور الانتقالي لسنة 2005م والمادة (9) من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لعام 1989م.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل سيحقق الإجراء مبتغاه؟ أم أنها معالجات شكلية؟ في أعقاب الثورات التي انطلقت في البلدان العربية ك(تونس ومصر واليمن وليبيا) وغيرها. وسخر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي من قرار الوزير واعتبره إجراء (قديم) صدر منذ وقت مضى في ذات المعنى، وقال ل(الأهرام اليوم) إن وزير العدل سيظل يلاحق المسؤولين دون الوصول إلى مُبتغاه.. وكان قرار وزير العدل حدّد شهراً لتقديم الإقرارات تفادياً لتعريض الشخص الممتنع نفسه للمُساءلة القانونية وفقاً للمادة (11) من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989م. وكان رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أشار في وقت سابق إلى ضرورة تشكيل مفوضية لمكافحة الفساد.. لكن قيادات نافذة في حزب المؤتمر الوطني قالت إن الفساد لا يستدعي تشكيل مفوضية لمحاربته، سيمّا وأن الحديث عن الفساد المُستشرى في البلاد ينقصه الدقة وفيه (تهويل).. ويقول عضو مجلس قيادة الثورة السابق العميد (م) صلاح الدين محمد أحمد كرار في حوار مع (الأهرام اليوم) إن ثورة الإنقاذ في بداياتها ألزمت المسؤولين جميعهم بإبراء ذمتهم بما فيهم زوجاتهم وأبناؤهم، ونوّه إلى كتابة ممتلكاتهم بالكامل، وتجديد البيانات من فترة إلى أخرى حال طرأ جديد، لكنه عاد وأكد بأن (العقد انفرط).. وكان قرار وزير العدل منح اللجنة الصلاحية في استدعاء أي شخص للإدلاء بأي إفادة لازمة وضرورية، وطلب أي وثائق ومستندات تراها ضرورية لأداء مهامها والاستعانة بمن ترى من الأشخاص والجهات.. ويقول صلاح كرار إن مُحاربة الفساد لا تحتاج إلى مفوضية، وأضاف: «أنا ضحكت عندما سمعت بإنشاء مفوضية لمحاربة الفساد»، وزاد: «من أين لك هذا» كفيل بمحاربة الفساد، والحساب يجب ألا يتوقف، وأشار إلى أن الفساد ظاهر وبيِّن وواضح إذا أرادت الدولة أن تحاربه بواسطة (من أين لك هذا) فقط، دون اللجوء لابتداع وسائل أخرى.. ووجه قرار وزارة العدل رئاسة إدارة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه بالخرطوم ورئاسات الإدارات القانونية بالولايات والجهات المعنية الأخرى بوضع هذا القرار موضع التنفيذ الفوري، وحفظ إقرارات الذمة المالية في مكان آمن وسري وعدم الاطلاع عليها إلا للجنة الفحص مُجتمعة على أن ترفع لمكتب الوزير تقارير أسبوعية عن سير تقديم إقرارات الذمة المالية وأي معوقات إن وجدت.. ودعا صلاح كرار لأن تضم لجنة (من أين لك هذا) أشخاصاً ذوي مصداقية، رشحّ لها المُحاميان الصادق الشامي ومصطفى عبدالقادر باعتبارهما من أشرس أعداء الإنقاذ، واثنين آخرين تختارهما الحكومة كما شاءت من السلطة، سواء من القضاء أو ديوان النائب العام، والأشخاص الأربعة يختارون رابعاً يرأسهم، وقال: «أنا أول من أُقدّم نفسي إليهم نُسأل عن كل صغيرة وكبيرة، أثبتنا ممتلكاتنا الحمد لله، فشلنا في إثباتها يعود إلى الدولة، هذا هو الفساد إذا أرادت الدولة أن تحاربه».. بيد أن كمال عمر أكد ل«الأهرام اليوم» بأن الحصانة السياسية والدستورية والقانونية الممنوحة للدستوري تجعله فوق القانون.. وقضي القرار بأن يرأس اللجنة وزير العدل وعضوية كل من المراجع العام مستشاراً، وزير الدولة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني، مدير عام قوات الشرطة ومدير إدارة دائرة الأمن الاقتصادي.. وحدَّد القرار اختصاصات اللجنة في تنسيق الجهود للحفاظ على المال العام، مكافحة التعدي عليه، مُحاسبة المعتدين واتخاذ الإجراءات اللازمة في ما يتعلق بالمخالفات التي ترد في تقارير المراجع العام، إضافة لتسهيل مهام الآليات القانونية المختصة بمحاسبة المعتدين على المال العام إلى جانب التوصية برفع تقارير دورية لرئيس الجمهورية بما يلزم اتخاذه لصون المال العام والحفاظ عليه.. وأشار كمال عمر في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى أن نجاح الإجراء يحتاج إلى نظام حُكم راشد، وأجهزة تنفيذية وتشريعية حقيقية تبدأ من البرلمان وتنتهي بالقضاء، وإلا فإن مثل هكذا قرارات ستكون مُجرد (دغدغة) لمشاعر وأشواق الجماهير في القضاء على الفساد وأذرعه في أجهزة الدولة.. وكان وزير العدل وجه إدارة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه بتسلم إقرارات بالذمة المالية وحفظها في مكان آمن مع تأمين السرية لها وتقديمها للجنة الفحص. كما وجه دوسة بالتواجد المستمر لجميع العاملين بالإدارة من مُستشارين وموظفين في مكاتب الإدارة حتى الساعة الثامنة مساءً يومياً ولمدة شهر، اعتباراً من الأول من مايو 2011م وذلك بغرض تسلم إقرارات الذمة المالية من مُقدميها.. لكن الخبير القانوني نبيل أديب أشار في حديثه ل(الجزيرة نت) إلى وجود عيب في القانون نفسه ولا معنى لتفعيله، وأعلن رفضه مبدأ (سرية) الإقرار.. وتساءل عن الأسباب التي دفعت بتحرك الحكومة نحو تفعيل القانون، كما تساءل عن الأسباب وراء المهلة الممنوحة للدستوريين لإقرار ذممهم، مشيراً إلى عدم وجود معايير واضحة لتنفيذ ذلك.. ورغم التطمينات القوية التي أرسلها وزير العدل محمد بشارة دوسة بأن (الحصانات) لن تمنع أي مسؤول من تقديم إقرارات للذمة، إلا أن المخاوف التي تُسيطر على الكثيرين هي أن الدستوريين في بلادنا فوق القانون والدستور. من جهته قال نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد ل»الأهرام اليوم» أن الخطوة ليست للاستهلاك الإعلامي كما يزعم البعض، وسيكون لها أثر إيجابي على مُحاربة الفساد في المال العام، مؤكداً أن جدية الخطوة يوضحه أنها بدأت بأعلى الهرم القيادي في الدولة – الرئيس البشير- وشدّد قسم السيد على ضرورة متابعة خطوات إقرارات الذمة من قبل النائب العام مولانا محمد بشارة دوسة والبرلمان وجعلها أكثر فاعلية، لكنه علق قائلاً: (إبراء الذمة أمام الله أقوى من إبراء الذمة أمام النائب العام). ودعا هجو إلى ملء تعميم استمارات إقرار الذمة على كافة قيادات الخدمة المدنية والعسكرية، وعدم حصرها على الدستوريين.