ما إن قرأت البيان الذي أصدرته أسرة الراحل الفنان هاشم ميرغني؛ أن لا علاقة لها بالحفل المقام في النادي العائلي تأبيناً للراحل المقيم، إلا وأدركت أن تحت الرماد وميض نار، خاصة والبيان تحدث عن تبرعات ودعومات مالية، وتأكد ظني وشقيق الراحل يلحقنا ببيان آخر يؤكد فيه أنه يرحب بفكرة تأبين هاشم ميرغني، لأنه أيضاً جزء أصيل من الأسرة، باعتباره شقيقاً للمؤبن. وتتصاعد الأحداث، إذ أن الأسرة الممثلة في زوجته وأبنائه وزعت ومن خلال حفل التأبين مساءً بياناً أكدت فيه ما جاء في البيان الأول، لكن الجديد أنها حذرت من ترديد أغنيات هاشم ميرغني، وإلا تعرض مرددوها للمساءلة القانونية، خاصة وأن محامي الأسرة كان موجوداً مما يعني أن البلاغ جاهز، وما حيتأخر كتير، لكن رغم ذلك أقيمت الليلة إذ أن شقيق هاشم ميرغني كان موجوداً ومرحباً بالفكرة وبالقائمين عليها، وبهذا التسلسل من الأحداث يتضح لي أن ثمة خلافاً عائلياً بين شقيق الراحل من جهة، وزوجته وأولاده من جهة أخرى، وهذا لا يعنينا في شيء لأن الذي يعنينا هو هاشم ميرغني وأعماله التي تجعل من كل معجب به قريباً ونسيباً بصلة الروح، وله الحق فيه كما لأسرته تماماً!! بعدين النسألكم سؤال: عرفنا ورثة الفنانين بمنعوا من ترديد أغنيات آبائهم، كمان وصلت للمنع من الاحتفاء والاحتفال بذكراهم، لينطبق عليهم المثل (جو يساعدوا في دفن أبوه دس المحافير)؟ يا جماعة هذا المنتج الفني واحد من أهم ركائزه هو المستمع والمعجب، وهو وحده من يكتب الخلود للفنان وقيمة المنتج المادية لا تساوي شيئاً أمام قيمته الروحية واستمراريته، حتى بعد رحيل أصحابه الأصليين، لذلك أجد نفسي منزعجة ومتخوفة من أن يندثر الفن السوداني من تسلط بعض الورثة الذين يظنون وفي عدم تقدير واضح للرسالة التي تركها آباؤهم؛ يظنون أن هذا المنتج دجاجة تهبهم البيض صباح مساء، ناسين أن هذا المنطق قد ينفع مع أي أشكال من أشكال الإرث منقولات كانت أم ماديات، لكنه لا ينفع إطلاقاً مع قيمة لا تقدر بثمن من لحظات مخاض صعب للكلمات وللحن والأداء، الثمن الوحيد الذي تقدر به هو خلودها وبقاؤها في ذاكرة الأمة السودانية، أما الإخوة في النادي العائلي فيبدو أن عيناً ما قد أصابت هذا المنتدى الجميل، وليلتان على التوالي تشهدان أحداثاً مؤسفة تعكر من صفوه وتتسبب في التوتر لضيوفه والقائمين على أمره!! كلمة عزيزة واحدة من اللغات المهمة في العلاقة بين أي تلفزيون ومشاهديه هي لغة الاحترام، بمعنى أن تفصيلات العمل طالما أنها على الهواء مباشرة بالضرورة معني بها المشاهد، إذ لا يمكن مثلاً أن تحدث هرجلة أو عطل طارئ على الهواء دون أن يعتذر المقدم ويجلي للمشاهد حقيقة الأمر، لكن أن يصل الأمر إلى غياب مذيع فجأة عن الاستديو ويظل مقعده شاغراً وكأن مخلوقات من كوكب المريخ قد اختطفته دون أن نعرف السبب، ومقعده الشاغر يذكرنا كل دقيقة بأن شيئاً ما حدث، والمشاهد يستحق أن يعرفه! بالظبط ما حدث في مساء جديد أمسية الثلاثاء . كلمة أعز قلبي على بحري المدينة المظلومة حتى أماسيها المزمع قيامها أصبحت نسياً منسياً!!