لايتحقق المرجو من الثورات بمجرد نجاحها في إزالة النظام القديم، لكنه يستغرق زمناً يتفاوت بين ثورة وأخرى . وفي بعض الحالات تنتكس الثورة وتنجم عنها نظم أسوأ من تلك التي أزالتها .. ولا تتم الثورات بنسق واحد في كل الأحوال.. فكل ثورة ملامحها وشخصيتها وطبيعتها .. والثورة دواماً في علم الغيب.. ومن العسير بل من المستحيل أن يتنبأ أحد بتوقيتها وأحياناً تكون كل الظروف مواتية لقيام الثورة أو اندلاعها لكنها لا تتم.. وفي أحايين أخرى يبدو أن الاستقرار في ذروته وأن الجميع راضون بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثم فجأة ينفجر البركان ويصبح عاليها سافلها. والثورة فالقاعدة هي أن تتدرج الأمور في سلاسة ورتابة ويسر، ولأنها استثناء فقد كان قوياً. والاحتفاء بها كبيراً وكثير من الحوادث الضخمة في حياة الشعوب تحمل اسم الثورة فهناك مثلاً الثورة الصناعية والثورة الفرنسية والثورة البلشفية وفي مصر هناك ثورة 91 وثورة 32 يوليو25 وثورة 52 يناير 1102 وكان لنا هنا في السودان نصيبنا المقدر من الثورات .. الثورة المهدية في القرن التاسع عشر وثورة 4291م وثورة أكتوبر 4691م.. ولأسباب ما لم نطلق على التغيير السياسي الذي حدث في أبريل 58 اسم الثورة وسميناه الانتفاضة وللانقلابيين العرب ولع مسرف باسم الثورة فقد أطلقوا على كل الانقلابات العسكرية التي قاموا بها .. ولهم في نفس الوقت حساسية مفرطة من اسم الانقلاب وكأنه عيب أو عار!؟ وكان أشهر هذه الانقلابات في العالم هو انقلاب 32 يوليو 25 الذي دبّره ونفذه في مصر الضباط الأحرار بقيادة المقدم جمال عبدالناصر وكان لهذا الانقلاب الذي غير قادته اسمه إلى ثورة يوليو تأثيرات كبيرة على الشعوب الجيوش العربية ومن هذه التأثيرات قيام انقلابات عسكرية عربية في بعض الأقطار العربية وقد أصبحت هذه الانقلابات ثورات وكانت تترسم خطى ثورة 32 يوليو 25 وقد ظلت ثورة 32 يوليو 25 رغم اخفاقاتها التي تأتي في مقدمتها هزيمة يونيو 7691م التي كان من أكبر خاسريها الجيش المصري في حرب لم تدم أكثر من ستة أيام وحملت اسم حرب الأيام الستة ظلت هذه الثورة هي مرجعية الحكم وأساس شرعيته.. إلى أن اندلعت ثورة 52يناير1102م.. لتنزل ثورة يوليو25 من بعض عليائها.. بل أن البعض أصبحوا يقولون إن ثورة يوليو25 لم تعد سوى حادث تاريخي عابر في تاريخ الشعب المصري . وحينما يتكلم المصريون الآن عن الثورة فإن المقصود هو ثورة 52يناير وهي الآن أساس شرعية الحكم وهي المرجعية التي يُحتكم إليها وقد كانت ثورة عظيمة مبهرة نبيلة أنيقة حازت علي إعجاب واحترام العالم بأجمعه. وإذا كانت تتعثر الآن فذلك أمر طبيعي حدث ويحدث في أشهر الثورات وسوف يعمل مؤيدو النظام القديم والمنتفعون منه بمختلف السبل على إضعاف الثورة وتشويهها ويخلق إحساس عام بأن النظام السابق أفضل.. لكن الثورة تستطيع في النهاية أن تضع مصر في المكان الذي تستحقه.