مرت أمس الخميس الموافق 14 يوليو الذكرى الثالثة والخمسون لأحد الانقلابات العسكرية المهمة والشهيرة التي حدثت في العالم العربي وكان مسرحه العراق وتصدر قيادته الضابطان عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف. وكان أهم نتائج ذلك الانقلاب الإطاحة بالنظام الملكي الذي ظل يحكم العراق منذ عشرينيات القرن الماضي ولم تكن الأسرة المالكة عراقية لكنها كانت هاشمية حجازية تنتسب إلى الشريف حسين شريف مكة الذي أطاح بحكمه عبدالعزيز آل سعود ثم وحّد الحجاز مع نجد وأسس المملكة العربية السعودية عام 1932م. وكان العراق قبل الانقلاب العسكري الذي حدث يوم 14/ يوليو 1958م أقام اتحاداً مع الأردن الذي كان يحكمه الملك حسين ابن عم حاكم العراق الملك فيصل الثاني ويقولون إن ذلك الاتحاد كان عملاً انفعالياً سببه قيام الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير من ذلك العام، ولقد انهار الاتحاد العراقي الأردني بحدوث ذلك الانقلاب وأسقطت الوحدة المصرية السورية بانقلاب عسكري آخر تم في دمشق في 28 سبتمبر 1961م. وسرعان ما دبّ الخلاف بين قائدي الانقلاب العراقي فأُبعد عبدالسلام عارف من الحكم وبقي عبدالكريم قاسم رئيساً إلى أن أُطيح به بانقلاب عسكري في فبراير 1963م دبره ونفذّه حزب البعث العربي الاشتراكي وآخرون وكان في مقدمة هؤلاء الآخرين عبدالسلام عارف الذي أصبح رئيساً إلى أن لقي مصرعه في حادث طائرة عام 1966م. وعند حدوث انقلاب 14/ يوليو 58 في العراق كانت صفحة السودان لا تزال خالية من الانقلابات العسكرية.. نعم كانت هناك محاولة انقلابية قبل ذلك بعام حملت اسم انقلاب كبيدة لكنها لم تنجح. ولكن بعد أربعة شهور من الانقلاب العراقي دخل السودان عالم الانقلابات العسكرية وكان انقلاباً عجيبا،ً إذ كلف رئيس الوزراء ووزير الدفاع والأمين العام لحزب الأمة قادة الجيش بأن يتولوا الحكم، وقد كان، فأصبح يدير شؤون البلد مجلس عسكري مؤلف من كبار الضباط بقيادة الفريق إبراهيم عبود إلى أن أُطيح به في أكتوبر 1964م بعد تظاهرات ضخمة شملت كل القطر وانحاز لها الجيش. لقد كان عمر السودان المستقل عند حدوث الانقلاب العراقي عام 58 سنتين تقريباً وكان نظام الحكم ديمقراطياً، وكان طائفياً في نفس الوقت، وبينما يرى البعض أن الديمقراطية فشلت فإن آخرين يرون أنها لم تجد الوقت الكافي وأن رئيس الوزراء عبدالله خليل لم يصبر عليها وأنه لم يكن في خطط ومشاريع وطموحات الفريق عبود أن يحكم السودان لولا إجباره أو الإلحاح عليه. وقد توالى مسلسل الانقلابات العسكرية في العراق ونُفذ آخرها في يوليو 1968م، وقد أفضى هذا الانقلاب بالعراق إلى الوقوع في قبضة الاحتلال الأمريكي عام 2003م وما زال يتجرعه. وما من مصير أبأس وأبشع من هذا المصير وما أكثر ما يمكن أن يقال عن الانقلابات العسكرية في العالم العربي تحديداً.