لا أملك إلا أن أقف طويلاً عند ذلك المثل الصيني الذي يقول «إذا كنت تمتلك عشرات الآلاف من الأفدنة فيكفيك صحن أرز واحد»، وذلك لكون المسلمين أحق بهذه الثقافة الصينية اليقينية، وعلى سبيل المثال، لما يذهب الأثرياء الذين يمتلكون المليارات من الثروات والفقراء الذين لا يمتلكون شيئاً، لما يذهبون إلى مائدة إفطار رمضان عند المساء فيكفيهم جميعاً كوب عصير وثمرات وصحن بليلة واحد. ثم أليست هنالك ثمة علاقة بين «صحن الأرز الصيني» هذا، وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ذاك الذي يقول «من أصبح آمناً في سربه، عنده قوت يومه، معافى في بدنه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، وأتصور، والحال هذه، أننا نحتاج كأمة مسلمة أن نتأمل في بعض الحكمة الصينية، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها وكان أحق بها. ومن جهة أخرى، يذهب شاعرنا محمد مفتاح الفيتوري في ذات الاتجاه الفلسفي وهو ينشد أبياته المشهودة تلك.. دنيا يملكها من لا يملكها أغنى أهليها سادتها الفقراء الخاسر فيها من لم يأخذ ما تعطيه على استحياء والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء وتتسق هذه القيم مع حكمة مشروعية صيام شهر رمضان، قيمة الإحساس بالآخرين عندما تجوع وتعطش كل ساعات النهار، وأيضاً عندما تشبع بصحن بليلة واحد. إنه ابتلاء الأثرياء العظيم إن لم يتخرجوا من هذه «المدرسة الرمضانية الثلاثينية» بشهادة لعلكم تتقون، ولعلكم تستشعرون طوال أيام العام معاناة الفقراء. ولهذا لما جاءني بعض الإخوة الدعاة في صدر هذا الشهر الكريم يحملون لافتة «بشرى للفقراء»، وقد أجمعوا أمرهم على أن ينفروا للمؤسسات والهيئات لأجل توفير «طرود الصائم» لفقراء الحي، هديت إلى أن أقلب شعارهم هذا رأساً على عقب، ليصبح الشعار «بشرى للأثرياء»، فلحاجة الذين يمتلكون إلى تخليص رقابهم من مسؤوليات حقوق الفقراء، أعظم من حاجة الفقراء لبعض الدقيق والسكر. لا أعرف إن كنّا بحاجة إلى أن نتعلم من ذلك المثل الصيني الآخر والذي يقول «إن كان لك قرشان فاشتري بالأول خبزاً والثاني زهرة»، فعلى الأقل أن هذا الجدب والفقر والقبح لم تكن له أصول في ديننا الحنيف، دين الخضرة والجمال الذي يدعونا لممارسة ثقافة الخضرة وترسيخها حتى والساعة قائمة، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ولو أن بيد أحدكم فسيلة نخل والساعة قائمة فليغرسها». ونحمد الله سبحانه وتعالى أن «جمهوريتنا الثانية» تستوعب جيداً هذه المعاني، ألم يقل شيخ علي منذ أيام من مدينة الهلالية، مدينة الشعر والتاريخ والعبدلاب، ألم يقل إن زراعتنا لم تكن زراعة إن لم تكن رمية في سبيل الله. فالصين التي أخرجت لنا «زيت الأرض»، هي ذاتها التي تخرج لنا من كنانة تراثها هذه الدرر المكنونة، فهل نكافئها بأن نخرجها من الظلمات إلى النور.. مخرج.. عكير الدامر ود بيت المحل ما تكوس معاه مودة لا تنغش برزقه عمرو الحجر ما إنكده كل يوم العرق لأصله ياخد مده مو قضاي غرض مد الأيدو خاتية المده