(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) سورة يوسف إن الدين الإسلامي ملتصق بحياتنا والقرآن الكريم فيه عظات وعبر للعالمين وأصل الفن والجمال والصفاء ينطلق من آيات الله تعالى، والقصص القرآنية تجعل الناس يتفكرون ويعيشون في جو إنساني يعادل الافكار الثابتة والبحث والغوص في اسرار اللغة والالمام الدقيق بالفاظها ومعانيها إلماماً واسعاً عميقاً بالتفسيرات المتعددة من المذاهب المختلفة التي تتوصل إلى معنى واحد فيجعلنا نتأمل عالم النفس البشرية بالتعمق التام. وفي القصص التي وردت في القرآن الكريم استلهم عديد من الادباء كتاباتهم فاخرجت العديد من الاعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية والاذاعية في العالم الاسلامي فوجدوا مادة درامية حية يستلهمون منها أعمالهم، وقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي وردت في القرآن الكريم وصفها الله تعالى باحسن القصص وهي قصص مركبة تخضع لتفاعلات بشرية تؤدي إلى بلورة الصراعات بين الافراد وهي قصة معرفة في التأمل وضرب المثل والمعنى تتفرع منها عدة قصص تبدأ بحلم سيدنا يوسف وهو مؤشر للنبوة كما فسره سيدنا يعقوب والد سيدنا يوسف بأن اخوة يوسف هم الكواكب والشمس والقمر هما والداه. وإحساس الاخوة بحب ابيهم ليوسف هو الذي حرك فيهم روح الشر فتآمروا عليه بنية قتله حتى يخلو لهم وجه ابيهم يتحركون بغريزة كامنة عميقة في شخصياتهم وكراهية مكتسبة فمثلوا ادوار المحبين لاخيهم يوسف بحرصهم عليه فقالوا: (مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) فرد عليهم يعقوب: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)، فحركت فيهم هذه المشاعر روح الشر أيضاً فأخذوه معهم رغم قلق ابيهم ثم نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وادلوه نصف البئر واسقطوه في الماء فأوى إلى صخرة لكنهم أرادوا اسقاط صخرة أخرى عليه حتى يتأكدوا من موته إلا أن يهوذا منعهم (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) 16 18 مكث يوسف في البئر إلى أن جاء مسافرون من مدين إلى مصر فارسلوا واردهم فأدلى دلوه فتعلق به سيدنا يوسف فعلم به اخوته فمثلوا ادوار من لم يكن لديهم صلة قرابة واسروه بضاعة وباعوه بثمن بخس. المجتمع الذي دخل فيه من اعمق جذوره هو مجتمع الاسرة الملكية فراودته امرأة العزيز عن نفسه وهاجمت فيه ادق خصوصياته ولكن قيمة كانت قادرة على الثبات في وجه سلوكياتها. قال ابن عباس مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من انامله فصرف عنه الله تعالى السوء والخيانة فقابلا سيدها لدى الباب قالت (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهي تمثل دور البريئة. وبعد حديث الناس عنها جمعت النسوة واعدت لهن متكأ فقالت له اخرج عليهن فلما خرج أكبرنه وقطعن ايديهن بالسكاكين لما حواه من الحسن فقالت هذا هو الذي لمتنني فيه فاعترفت بذنبها وصرف الله تعالى عنه كيدهن تلبية لدعائه ففضل السجن على دعوتهن فسجن وأصبح يفسر الاحلام داخل السجن ارسل اليه ملك مصر الريان بن الوليد ليفسر له حلم فجاءه الرسول بالتفسير فأمر أن ياتوا سيدنا يوسف فقال (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) قال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إني اليوم مكين اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم. (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين). فاصاب القحط ارض كنعان والشام وجاء اخوة يوسف له كما يصور القرآن في قوله تعالى: (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ. وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ. قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). اخوة يوسف: جئنا من بلاد كنعان وابونا يعقوب نبي الله. قال سيدنا يوسف: أله اولاد غيركم؟ الاخوة: نعم اثني عشر فذهب اصغرنا هلك في البرية وكان احبنا اليه وبقى شقيقه فاحتبسه ليتسلى به. قال سيدنا يوسف: ألا تروني اوفي الكيل؟ اتوني باخ لكم من ابيكم فإن لم تأتوني فلا كيل لكم عندي. فذهبوا واقنعوا سيدنا يعقوب فوافق رغم قلقه على ابنه فعرفه سيدنا يوسف بنفسه واخبره بانه يريد أن يعطي اخوانه درساً جعل صراع الملك في رحالة بنيامين فنادوا ايتها القافلة انكم لسارقون صوع الملك فتشوا اوعيتهم بقوله (كذلك كدنا ليوسف) أي علمنا الاحتيال (تفسير الجلالين) (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). القوا الملامة على اخيهم بنيامين وقالوا لابيهم: يا ابانا ان ابنك سرق فاسلم سيدنا يعقوب الامر لله وشكا إليه همه وحزنه ولم يقطع الامل .. قال يوسف: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)، فتحقق الامل وارتد لسيدنا يعقوب بصره ورأى ابناءه واجتمعت الاسرة فشكروا الله وهم ساجدين قال يوسف شاكراً الله تعالى (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). ولنا لقاء