إعفاء الأستاذ علي عثمان من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وتعيين الدكتور الحاج آدم بدلاً عنه، أول قل ترفيع الأستاذ طه لمنصب النائب الأول، وإسناد منصب النائب للدكتور الحاج آدم، فهنالك عدة صيغ تصلح لضخ الدهشة في شرايين هذا النبأ الشاهق، وعنصر الدهشة ورفع حواجب المينشيت تكمن في الشق الذي يتعلق بترسيم قرار الدكتور آدم يوسف الذي هزم كل التكهنات والقراءات، أما شيخ علي فقد عاد إلى مكانه الطبيعي الطليعي وهذه تذكرني بواقعة طريفة، كنا ذات تأريخ نجاور رجلاً يمتلك كل أدوات الورع والشياخة والريادة والوقار، ثم دُعينا ذات يوم إلى احتفال جامع بمنزله، فسألت أحد الحضور عن عنوان هذه المناسبة، فقال لي: «الطريقة تشيخه وتلبسه في هذه المناسبة (تاج الخلافة) الصوفية»، فقلت لمحدثي، أشهد أنهم لم يضيفوا إليه شيئاً، فالرجل الذي أعرفه أصلاً كان شيخا،ً هكذا فلن تضيف هذه الدرجة لشيخ علي شيئاً، وربما هو سيمنحها بعض الأشياء والدلالات التي فقدتها إبان حقبة السيد سلفاكير، ذلك الغائب الحاضر، فقد كانت هذه الوظيفة شبه فارغة قبل أن تعود لرشدها. غير أن الخبر في هذه الحالة المراسمية الجمهورية، هو إسناد وترفيع دارفور لمنصب النائب الأول ثم ملء المنصب بالكادر الدارفوري الكبير الدكتور الحاج آدم يوسف خريج الهندسة الزراعية المولود في عام 1955، الكادر الإسلامي الإنقاذي التاريخي، أسندت إليه منسقية اللجان الشعبية العليا في صدر الإنقاذ وهي وظيفة لها دلالاتها الحركية والمعرفية يومئذ، ثم تولى الدكتور آدم يوسف منصب وزير الزراعة قبل أن يرتقي إلى وظيفة الوالي في الولاية الشمالية، ثم أصبح في ما بعد والياً لولاية جنوب دارفور، ذات المنصب الذي استعصى عليه لما طرق أبوابه وهو يحمل شارة المؤتمر الشعبي، لكن الأكثر غرابة في تراجيديا هذا المشهد هو أن الدكتور الحاج آدم قد بلغ ذروة سنام معاداة المؤتمر الوطني الذي يزفه الآن إلى أرفع وظيفة دستورية، وهي حالة قدرية ترقى إلى مقام «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل المؤتمر الشعبي..» وحتى إذا تداركته أقدار الكتاب وتقديرات تصاريفه رجع فعمل بعمل المؤتمر الوطني فكان من أصحاب المناصب الدستورية العليا، وللذين يقرأون بتطرف أنا هنا لا أقرر بأنه حزب الله بقدر ما أستعين على تفسيرات هذه التحولات بأقدار الله ومشيئته وأسأل الله أن يحسن عافيتنا في الأمور كلها. لكن ثمة دلالات ومساقات ومسوغات تفرز ألوانها على جدار المسرح السياسي، وهو أن عبور الضفة التي تفصل بين المؤتمرين ليست شاقة لدرجة الاستحالة، فمنذ ما عرف بحادثة المفاصلة فإن كثيرين قد عبروا هذا النهر، لكننا أيضاً يجب أن نتواضع إلى تيار هذا النهر ورياحه التي دائماً تهب باتجاه المؤتمر الوطني، إذ إن الهجرة الغالبة تكون من الشعبي إلى الوطني، بل أكاد لا أعرف كادراً ذا بال قد عاكس التيار وذهب إلى ضفة الشعبي، والشعبيون يفسرون هذه الهجرة بأنها إلى «دنيا يصيبها ووظيفة يتقلدها»، والمهاجرون «والأنصار في الوطني» يقولون إنها لله ورسوله.. «هي لله لا للسلطة ولا للجاه». ومهما يكن من أمر فإن هذه الخطوة، خطوة ترسيم في الوظيفة السيادية على مقاس دارفور، فإنها لا محالة ستسهم في تجسير الهوة بين ادعاءات مناضلي الفضائيات وما هو صائر على الأرض. غير أن هذه الخطوة قد افتضحت نوايا وفد «مقدمة الدوحة» فلطالما هتفوا بأنهم لا يبتغون من وراء الدوحة مناصب، فلقد قال السيد عبدالشافع، أحد الأسماء التي تتسلل إلى تراجيديا المسرح السياسي عبر مسامات شيراتون الدوحة، قال «إن هذه الخطوة تخرج على مخرجات الدوحة»!.