رحل الفنان زيدان إبراهيم لكنه لم يمت، معنى أكده الملايين من محبيه ومريديه وعشاق فنه الذين ظلوا يتوافدون إلى ساحات مطار الخرطوم أفراداً وجماعات من جميع الأعمار ومختلف الاتجاهات، كلهم جاءوا لإلقاء النظرة الأخيرة على دنيا المحبة ووطن عشقهم، وعيونهم غارقة في الدمع وعلى وجوههم سحابة حزن عميق وفي قلوبهم إحساس بالخسارة واليتم لفقدان نجم عظيم. {رحل زيدان كما رحل الكاشف وعثمان حسين وإبراهيم عوض والجابري ومصطفى سيد أحمد وخليل إسماعيل والخالدي وعظماء آخرون، رحلت أجسادهم ولكن إبداعاتهم بقيت تغذي أرواح كل السودانيين. { نعم رحل العندليب الأسمر عن عالمنا بجسده النحيل ولكن يظل غناؤه الجميل وفنه الأصيل باق شاهداً لرمز من رموز الإبداع وشاهداً لمطرب من النادر أن يجود الزمان بمثله. وقيمة زيدان ليست فقط في نبوغه الفني ولكن قيمته الحقيقية تتجاوز ذلك تماماً والحديث هنا عن زيدان الإنسان، وذلك لأن حياة هذا الفنان الإنسان تكاد تكون من أروع أعماله الإبداعية، فقد كان زيدان ابن بلد أصيل في الشهامة والكرم والنبل، كان في كل تعاملاته شريفاً وعفيفاً لا يجامل ولا ينافق وكان دائما ًما يرسم الابتسامة على كل الوجوه. { ومن منا لا يعرف مواقفه الإنسانية ومن منا لا يحفظ حكاياته ونوادره ومن منا لم تسعده وتبهجه قفشاته وطرائفه وسخريته اللاذعة ومن منا لم ينعم بالعيش في دنيا محبته. { جاءت كل لحظات وداع فقيد الأمة في مشهد مهيب منذ لحظة وصول جثمانه إلى مطار الخرطوم وحتى مواراته الثرى بمقابر «البنداري» شمال الحاج يوسف.. أصيب الجميع بالوجوم والذهول والصدمة، وفي تلك اللحظات كنت برفقة الصديق والزميل الأستاذ الهندي عز الدين رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم)، وفي تلك الأثناء لاحظناً سوياً في كل الأماكن التي مر بها جثمان زيدان؛ لاحظنا كيف كانت المشاهد تدعو إلى الدهشة والتأمل.. حشود هائلة من كل أصناف البشر: فقراء وأغنياء، رجال ونساء، شباب وأطفال.. أقاربه، جيرانه، زملاؤه، رفقاؤه، أصدقاؤه، أحبابه وعاشقوه؛ اختلطوا جميعاً وتزاحموا وتسابقوا للفوز بالمشاركة في إكرام إنسان طالما أكرمهم ب (كنوز محبة) وروائع الأغنيات.. { كل الشواهد كانت تؤكد بقوة أن الله أكرم هذا الفنان الإنسان بحسن الخاتمة، رحمه الله رحمة واسعة. حاجة أخيرة: تاريخ الغناء السوداني عرف العديد من المطربين الذين احتلوا مكانة شعبية هائلة.. ولكن كان لزيدان مكانة خاصة جداً ومميزة، وسيظل علامة بارزة في تاريخ الغناء وواحد من أروع الأصوات على الإطلاق. عامر باشاب