جاء تعيين نجلي السيدين كمساعدين لرئيس الجمهورية مفاجئاً ومحبطاً ومخيباً للآمال، حيث إنه أعاد الحياة للطائفية التي شبعت موتاً وهذا التعيين جدد لها شبابها وكتب لها عمراً جديداً. الإنقاذ في بيانها الأول قالت عن الطائفية ما لم يقله مالك في الخمر، وبالرغم من كل ذلك فإنها تعود اليوم لمشاركة الطائفية في السلطة، متجاوزة بذلك كل الأعراف والمبادئ!! أي نفاق سياسي أكثر من ذلك؟! المعروف أن أي ثورة في العالم هي عبارة عن دعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي وما قامت به الإنقاذ بهذا التعيين يعتبر ردة سياسية تجردها من الثورية لأن الثورة تعني التغيير ولا يعقل للثورة أن تعود بنا إلى المربع الأول الذي كان سائداً في ليلة 30 يوليو 1989م وانقلبت عليه الإنقاذ. الخطاب السياسي للإنقاذ صبّ جام غضبه على الطائفية، ووصفها بأنها هي التي قادت البلاد إلى التخلف وعدم الاستقرار السياسي. الإنقاذ بمشاركتها اليوم للطائفية تكشف عن تناقض في خطابها السياسي. السؤال هنا لماذا انقلبت الإنقاذ على الطائفية وما هي دوافع عودتها إلى الحياة السياسية مرة أخرى بهذه الصورة المشوهة والقبيحة؟! هذا الفعل يقدح كثيراً في مصداقية الإنقاذ وفي شرعيتها ويعكس مفارقاتها العجيبة والغريبة!! الأحزاب الطائفية بها خبرات وكفاءات وطنية كان يمكن إشراكها في الحكم لتقديم صورة مشرقة للمشاركة ولكن الإنقاذ فضلت مشاركة أهل الولاء والثقة من الأحزاب الطائفية على أهل الكفاءات بتلك الأحزاب الطائفية حتى تبعد عن نفسها هذه الشبهة التي وصمتها بها هذه الأحزب التي وصفت دولتها بدولة الحزب الواحد. هذا يؤكد أن للإنقاذ أجندتها الخاصة من المشاركة، كما أن للمعارضة أجندتها الخاصة أيضاً، حيث إنها تسعى لتفكيك النظام من الداخل لأنها اتمهت الإنقاذ بأدلجة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والخدمة المدنية. كم كان جميلاً لو تمسكت الإنقاذ بمشاركة أهل الكفاءات من الأحزاب الطائفية لتقديم صورة مشرقة للمشاركة أو إشراك رموز وزعامات الطائفية حتى تكون مشاركتهم تكريماً ووداعاً لهم ولكنها آثرت مشاركة الشباب تماشياً مع توجهات ثورة الربيع العربي ولكن فات عليها أن ما قامت به يمثل «توريثاً» للسلطة وهذا ما ترفضه ثورة الربيع العربي، حيث إن التوريث يمثل تحدياً لها!! الإنقاذ بفعلها هذا تستعدي الربيع العربي عليها وهكذا تكون قد جنت براقش على نفسها!! بغض النظر عن الدوافع والأسباب الحقيقية لقبول هذه الشراكة إلا أن ذلك يمثل اعترافاً من الإنقاذ بالطائفية التي سبق لها أن انقلبت عليها يوماً ما ولكنها تعود اليوم لتجدد لها شبابها بهذه المشاركة ضماناً لاستمراريتها في الحياة السياسية. التوريث الذي قامت به الإنقاذ رفع الحرج تماماً عن السيدين وهو أكبر عربون لمشاركتهما. هذا التوريث لا يتجرأ السيدان على القيام به لو كانا في السلطة تحسباً لردة الفعل من ثورة الربيع العربي ولكن الإنقاذ التي سيطرت على كل مفاصل السلطة بالبلاد يمكنها القيام بكل ما هو غريب وعجيب!! سؤال برئ أوجهه للإنقاذ: ماذا يعرف نجلا السيدين عن معاناة الشعب السوداني وقد ولد كل واحد منهما وفي فمه ملعقة من ذهب؟ مسكين الشعب السوداني المغلوب على أمره، حيث أصبحت أحزابه السياسية الطائفية والعقائدية تتلاعب بمصيره ومستقبله بعد أن أصبح همها الأول الاحتفاظ بكراسي السلطة بأية وسيلة وبأي ثمن حتى لو كان هذا الثمن هو إذلال هذا الشعب العظيم. حقيقة إن الغرض مرض!! من مفارقات الإنقاذ أيضاً أنها قد رفعت شعار إعادة هيكلة الدولة لتقليل حجم الإنفاق الحكومي عن طريق تقليص أجهزة الحكم ولكن دعوتها للحكومة ذات القاعدة العريضة التي تغلب عليها الموازنات السياسية تقدح كثيراً في مصداقيتها وصدق نواياها في هذا الإطار. كان من المتوقع عدم تجديد الثقة لبعض الوجوه التي أدمنت سياسات الفشل التي تسببت في الكوارث التي لحقت بالبلاد، حيث كان المأمول أن تنزوي هذه الشخصيات من المسرح السياسي حتى يطويها النسيان ولكن عودتها للحياة السياسية مرة أخرى تمثل استفزازاً وصدمة نفسية وإحباطاً للشعب السوداني الذي صبر طويلاً على مفارقات الإنقاذ. تأسيساً على كل ما تقدم يمكن القول بأن البوصلة السياسية للإنقاذ قد اختلت تماماً وأصبحت تحتاج للضبط والمعايرة لاستعادة توازنها، أخشى أن يقود هذا الاختلال السياسي الإنقاذ إلى التضحية بفلذات كبدها ورمانتها «عبدالرحيم وبكري» فهما من أهل بدر ولهما السبق وهما ترسان قويان من تروس الإنقاذ ومن رموزها التي حملت أرواحها في أكفها في ليلة 30 يونيو 1989م ومنذ ذلك التاريخ ظلا يمسكان بجمر القضية ويكفي أنهما أهل رسالة وقضية. تحملا المسؤولية الوطنية بكل تجرد ونكران ذات في أصعب الظروف وقبلا التكليف بطيب خاطر بالرغم من زهدهما في السلطة واكتسبا خبرة واسعة في إدارة شؤون البلاد وأصبحا رجال دولة لا غنى عنهما في أي تشكيل وزاري جديد. تلك هي كلمة حق أقولها بكل صدق وأمانة في حقهما بالرغم من اختلاف وجهات النظر وتباين الآراء بيننا في قضايا العمل الوطني عندما كنت بالخدمة. لكل ذلك أقول إن التضحية بهذين الرمزين تعني أن الإنقاذ قد بدأت تأكل بنيها فعلاً وأنها قد انتحرت سياسياً وحررت شهادة وفاتها بيدها!! أما مذكرات التوقيف السياسية التي تصدرها المحكمة الجنائية من وقت لآخر فإن القصد منها هو إضعاف الإنقاذ وتجريدها من كل عناصر قوتها. إن الإيجابية الوحيدة لهذه المشاركة هي أن السيدين سوف لا يتجرآن بعد اليوم على اتهام المؤتمر الوطني بتعيين أهل الثقة والولاء بدلاً عن أهل الكفاءات كما أنهما سيكفان أيضاً عن مطالبتهما بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن. ختاماً إن الإجماع الوطني من متطلبات المرحلة ولكن لا يمكن تحقيقه بهذا الأسلوب الذي لا يعبر عن رؤية سياسية ذكية وفكر استراتيجي رصين. الإجماع الوطني المنشود يمكن تحقيقه عن طريق الدعوة لانتخابات مبكرة بعد أن تنازل المؤتمر الوطني عن تفويضه الشعبي بدعوته للحكومة ذات القاعدة العريضة وبعد أن فقدت الحكومة الحالية شرعيتها بفقدان مرجعيتها المستمدة من اتفاقية السلام الشامل التي طواها التاريخ. وبالله التوفيق،، فريق أول ركن/ زمالة كلية الدفاع الوطني - أكاديمية نميري العسكرية