شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    لأهلي في الجزيرة    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجيديا صناعة الدعاية السوداء من أميرة الحكيم إلى لبنى حسين
نشر في الأهرام اليوم يوم 14 - 12 - 2011

(يا أم ضفائر قودي الرسن)، ربما لم يتسق ذلك الهتاف الغنائي ساعتئذٍ مع المخيال الشعبي الذي يحتضن (الأنثى) بنعومة ورفق، مفرودة في خدرها فقط، مخيال لا يبالي (ببطولات) تنتسب للنساء، ولنساء السودان عموماً مزيج مدهش من المواقف المتمردة على (الأنظمة)، فمنذ (عجوبة) (والمهيرة) و(الكنانية) وغيرهن، وافر عطاء المرأة في ميدان السياسة لم ينقطع، ولكن مقاصد هذا الرصد تتقصى حالات نادرة الحدوث، ربما لغرابتها وإيغالها في التراجيديا خيط مثير للتساؤل، نساء سودانيات هددن بتقويض الأنظمة!! وأخريات أُختطفت قضيتهن واستغلت في العمل السياسي ونشر الدعاية السوداء، منذ أميرة الحكيم (الحسناء القتيلة) التي أجهزت على سمعة النظام الديمقراطي في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم وأجبرت سدنة الديمقراطية على التواري خجلاً، وحتى قضية الصحفية لبنى أحمد حسين بكل ملابساتها وما صاحبها من ضجيج قض مضجع النظام وأربك أجهزته الإعلامية، في الأولى كان الإسلاميون في جبهة المعارضة واتهمت صحفهم، وعلى وجه الخصوص (ألوان)، بصناعة حملة شرسة واستثارة الرأي العام ضد الحكومة، بينما طالت التهم الإعلام المعارض بالتحامل على الإنقاذ بسبب (ملابس) خادشة للحياء في الحالة الثانية، كما أشيع ساعتها، فيض من ذلك الجدل وحكايات غريبة.. غريبة جداً لدرجة الغموض، وملاحم لسودانيات شاركن بفعالية في معارضة الأنظمة ورفع البنادق على أكتافهن دون مبالاة.
{ أميرة.. الحسناء القتيلة!!
(بروباغندا) مكثفة تختمر في تضاعيف بعض من تلك الحكايات، ولكن حكاية أميرة الحكيم تبدو مثيرة في معظم تفاصيلها، ومدهشة.. فجأة ينصرف الرأي العام السوداني بعيداً عن نشوى انتصارات ثورة (أبريل)، وقصائد محجوب شريف، ومراقص الخرطوم، ومشاكسات النواب.. تصادر الأنفاس لزمن ليس بالقصير حادثة أميرة الحكيم.. كانت الطالبة الحسناء من بنات حي الصحافة وكانت تدرس في امتداد الدرجة الثالثة في الصف الثالث المتوسط بأسمال (زرقاء)، بدأت تفاصيل الحادثة في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم ببلاغ في قسم شرطة الخرطوم جنوب باختفاء شابة أثناء عودتها من المدرسة، وتناسلت الفجائع والاستفهامات القلقة إلى حين العثور عليها مقتولة ومدفونة في (خور) بعد أن تعرضت للاغتصاب. كانت أميرة في الحقيقة قد تعرضت لعملية اختطاف بدراجة نارية من قبل شخص أشهر لها (كارنيه) الشرطة، واتهمت الشرطة بالتهاون، بعد أن هرب الجاني من بوابة المطار، وانتحر ضابط آخر في قسم (البوليس) بسبب الجريمة.. ساعتها كانت صحيفة (ألون) هي منبر تصويب الرصاص في كل الاتجاهات التي انتاشت النظام، ابتداء بجهاز الشرطة وانتهاء برئيس الوزراء، مما تسبب في تشويه التجربة الديمقراطية ساعتئذٍ فعجزت عن درء الشبهات عن نفسها.
{ (تراجيديا) أزمة (البنطلون)!!
في مقهى وصالة أم كلثوم الشهيرة بالخرطوم جرت تفاصيل حادثة الصحفية لبنى أحمد حسين، كانت أرملة الراحل عبدالرحمن مختار بمعية عدد من الفتيات في حفل ساهر، فجأة داهمت الشرطة الموقع بحثاً عن فتيات يرتدين (البناطلين)، واعتقلت (لبنى) ضمن أخريات ووجهت لهن تهمة ارتداء ملابس فاضحة، بعضهن خضعن لعقوبة الجلد، ولكن لبنى قررت المضي بالقضية ورفضت دفع الغرامة، ومن ثم وجهت الدعوة للأجهزة الإعلامية لمتابعة وقائع الجلد المرتقبة في (تراجيديا) مثيرة، ولكن لم تُجلد «لبنى» وتحولت إلى السجن ثم غادرته سريعاً بعد دفع الغرامة. في ذلك الوقت ولغت كثير من الأقلام في سيرة الحكومة، مما أجبر بعض قادة الدولة على بناء منصة دفاع لتجميل وجه النظام، بين مد وجزر وسريان الشعور الغامض بفداحة الأمر خرجت بطلة الرواية متخفية من صالة المطار، وشغلت قضيتها الرأي العام العالمي لدرجة أنها توقفت لبرهة من الزمن جنباً إلى جنب مع الرئيس الفرنسي «ساركوزي» وكسبت تعاطف الملايين، فتمخض عن كل ذلك مؤلف خطير وهو (مائة جلدة بسبب بنطال)، وانفج رماد الأزمة عن ألسنة من اللهب الحارق بين بعض الصحفيين المحسوبين على المعارضة وأقلام أخر استماتت في الدفاع عن النظام، ولكنّ كائناً من كان لم ينكر قسوة الأزمة وطعنها في الرصيد الإنساني والحرية الشخصية بعيد أن استحالت إلى قضية عالمية لم تخل من الظلال السياسية.
{ (مريم الأخرى).. قصة غرام مع (البندقية)
رغد العيش ونعومة الأحلام لم تشغل أخريات عن الجهاد، سودانيات بالطبع كن في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية أو الشمولية، سمها ما شئت، ولكنهن برزن في ثياب المقاتلين، لم تكن الصدفة هي التي رتبت موعداً مع (البندقية) للدكتورة مريم الصادق، ابنة زعيم الأنصار، بالرغم من رفاهيتها، إلا أنها تركت زوجها وأطفالها وتسللت خلسة للالتحاق ب (جيش الأمة) في متاهات الشرق، والذي كان يقاتل الإنقاذ ضمن جيش التجمع الوطني الديمقراطي، مريم كانت برتبة (رائد) في صفوف الضباط أو شيء من ذلك القبيل، تسعف الجرحى وتستخدم السلاح لإجبار الإسلاميين على التخلي عن السلطة التي أقصى منها والدها عبر الانقلاب المعروف مجازاً بثورة الإنقاذ.. ظلت مريم على ذلك الحال معارضة شرسة للنظام تحتمي بشعلتها المقدسة حتى بعد العودة، لم تكل تلك السيدة الأنصارية وقادت المظاهرات من قلب (أم درمان) للدرجة التي تعرضت فيها (لكسر يدها)، ولكن عزيمتها لم تنكسر ولا ونت في (جبص) الملاحقات الأخرى.
{ (فاطمة السمحة).. في مواجهة السلطان!!
مريم ليست وحدها بالطبع ولكن سواها نجحن في مواجهة الأنظمة الحاكمة، وفي الذاكرة القيادية بالحزب الشيوعي فاطمة أحمد إبراهيم، زوجة القائد العمالي؛ الشفيع أحمد الشيخ، بخلاف كونها أول من وطئت حرم البرلمان نائبة عن الشعب، فقد رصدتها التواريخ في نوازل شاهقة، كانت لها صولات في مناهضة نظام مايو، ويتذكر لها الكثيرون غضباتها في وجه الرئيس الراحل جعفر نميري في زمن صمت فيه كثير من الرجال، تلك السيدة الشيوعية انتصبت في ميادين القتال والمطر يغسل شعرها الأبيض النبيل. تقول فاطمة عن نفسها وهى تمسح دموعها بجسارة: «أنا متمردة ومهما حدث سوف أستمر في النضال إلى أن أموت».. الكثيرون شاهدوها في برنامج (ساحات الفداء) قبل سنوات وهي تحمس جيوش المعارضة على القتال وتتوعد من تسميهم بالانقلابيين، فيض من سيرتها لا يوارى بالرغم من بقائها في لندن، وإن كان الكثيرون يلبسونها لبوس (فاطمة السمحة) إلا أنها لا تكره إشهار أظافرها في وجه خصومها، كلها، في كل ما تفعل.
{ بدرية (الاتحادية)
من ثقب مفتاح هذه التفاصيل يتجلى مشهد آخر لامرأة أخرى ربما أخطر ما فيها أنها حُكم عليها بالإعدام لأسباب أمنية ونجت بأعجوبة من رقبة (المقصلة).. لم يعرف الناس لها شراسة بعد ذلك، ما زالت صرختها عالقة في (بيت المال) الذي ولدت فيه، انخرطت في النشاط السياسي وسط الاتحاديين وكانت تقوم بتوزيع المنشورات السياسية، مما أدى إلى اعتقالها في ليلة وفاة الأزهري وواجهت عقوبة الإعدام استناداً على الأمر الجمهوري الرابع إبان مايو، ولكنها خرجت من المأزق وحفظت الإجراءات بفهم أن الثورة ليس من مصلحتها أن تحاكم النساء بالإعدام، كانت تلك السيدة هي بدرية سليمان القيادية الحالية في المؤتمر الوطني.
{ الدكتورة المجاهدة
وفي ذاكرة التاريخ، تبرز صورة وصوت الدكتورة «سعاد الفاتح البدوي» أول (عميدة) لكلية جامعية في تاريخ السودان، كلية البنات بالجامعة الإسلامية، وأشهر عضوة برلمانية في مقاعد معارضة (الجبهة الإسلامية القومية). «سعاد الفاتح» كانت (مفتاح) الإسلاميين إلى بيوت نساء السودان، قادت المظاهرات من الستينيات إلى الثمانينيات، وهددت عرش (الديمقراطية الثالثة) بقيادة السيد الصادق المهدي، ونساء الجبهة يحتشدن في مواكب (أمان السودان) بالآلاف، يكبرن ويهللن، في زمن سبق (ثراء) نساء (الإنقاذ) وتقلبهن في المطايب والقصور والفارهات!!
{ حسين خوجلي.. مرافعة ضد الطائفية!!
الاكتراث لرجل بسط موهبته الصحفية محتشداً لإدانة النظام الذي جرت فيه مأساة أميرة الحكيم يبدو مهماً، رئيس تحرير صحيفة (ألوان)؛ الأستاذ حسين خوجلي، يغسل يديه من تهمة التآمر على الديمقراطية عوض أن يقتنص الفرص والنساء والرجال والأيديولوجيّات، يقول حسين ل (الأهرام اليوم) بعد أن يسترد أنفاسه: في ذلك العهد كانت هنالك تجاوزات حادة من قبل قيادات الشرطة وفي بيوت معروفة، فالقضية كانت لها رمزيتها لأن أميرة بنت اختطفت وقتلت وتركت مسلوبة الشرف، وشارك في الجريمة ضباط من الشرطة.. حتى من قام بعملية الاستدراج وجد مشنوقاً في غرفته، وبالرغم من ذلك حاولت الحكومة إطفاء الكارثة وتقييد البلاغ ضد مجهول. ويمضي حسين ممايزاً بين لبنى أحمد حسين وأميرة الحكيم بالقول: ثمة فرق شاسع، لأن لبنى بعيداً عن مشروعية المحاكمة، ناشطة سياسية استخدمت القضية في عمل معارض، وتنتمي إلى تيار محدد، ولذلك لم تكن بالبراءة والظلم الذي وقع على الطالبة المسكينة. ويستطرد حسين حاقناً شرايين المقاربة بنصل حاد: بصراحة لم تكن قضية لبنى لوجه الله والوطن، كانت معركة مفتعلة، ولذلك أمسكنا عنها، ثم يستدرك رئيس تحرير (ألوان) مشيراً إلى أن الإنسان في الثمانينيات كانت عنده قيمه، ولذلك الحكم على المسألة بقوانين وجرائم اليوم فيه ظلم للمرحلة، وأضاف أنهم كانوا شباباً وأمثال تلك الفجائع لم تكن متاحة، ولذلك أميرة فوق جمالها كانت رمزية لقيمة الإنسان السوداني وموجبات حمايته. حسين نشر مرافعته وأبرأ قلمه معزياً الأمر إلى أن جهاز الشرطة في ذلك الوقت كان فاسداً وموروثاً من عهد ديكتاتوري، وبالتالي المعركة لم تكن ضد الحكومة وإنما كانت ضد مفاهيم وقيم فاسدة أنتجتها حقب سابقة وأحزاب مريضة، وأردف أنهم كانوا يخوضون معركة ضد الطائفية التي تتسربل بالديمقراطية والحرية وساعة المحاسبة ترفع شعار الدين والقداسة، وكل الذي حدث أننا رفعنا عنهم القداسة وأعلناها (البقعد في فروة أبوه ما بنلحقو، لكن ما بنسيب الفروة تلحقنا).. حسين في ذروة حديثه قطع بعدم تبعية (ألوان) في تلك الفترة للإسلاميين، وقال إنها صحيفة كانت للشباب من شتى الملل وكان للحركة الإسلامية صحيفتها.
حسين خوجلي أيضاً رسم (بروتريه) لعدد من المقاتلات السودانيات اللواتي هددن بتقويض الأنظمة، ولكنه جانب بعضها وهو يتأملهن في علو شاهق، معتبراً أن الدكتورة مريم الصادق فصيل في حزب دؤوب، وعنده إرث في المعارضة بأشكالها المختلفة، أحياناً مريم تتحرك بغبن استثنائي لأن السلطة اقتلعت من بين يديها، في تلك الأجواء تربت مريم وقد كانت متحلقة حول والدها، ولذلك ما كان عندها طريقة إلا أن تلعب ذلك الدور البطولي، أما بالنسبة لفاطمة أحمد إبراهيم، يضيف حسين: فهي مثل ما قال سيدنا علي ابن أبي طالب عندما سب أحدهم الخوارج أمامه فقال علي كرم الله وجهه عبارته الشهيرة (إنما هم إخواننا طلبنا الحق فوجدناه، وطلبوا الحق فلم يجدوه).. فاطمة كانت صادقة جداً في البحث عن رسالة توفي حق المساكين برؤية اشتراكية، وكانت حارة في تمسكها بذلك المبدأ، ولكن للأسف الشديد لم تستبن كل الأشياء أمامها. ويصف حسين الشيوعيين السودانيين بأنهم مجموعات تطهرية، كان مدخلهم للماركسية مدخلاً اقتصادياً وليس فلسفياً، ولذلك تمسكوا بأشواقهم حتى النهاية وقاتلوا في سبيلها، ولكن عطاء الشيوعيين كان ضعيفاً لأنهم كانوا مأسورين بالمقيدات الحزبية والتقاليد أكثر من الثقافة، وفاطمة على ذلك الوجه هي مناضلة طيبة القلب لكنها لم تقتحم تعقيدات الفكر، ربما لأن من كانوا يديرون الشأن الفكري في الحزب يعدون على أصابع اليد، وبالرغم من ذلك كانت فاطمة تقاتل بإخلاص ومبدئية.
{ (الكنداكات) على رأس السلطة (المروية)
{ «آمال» تعترف..!!
الأستاذة آمال عباس وهي تقاوم شهوة الانضام إلى أولئك المغامرات، تنحاز مباشرة لبطولات المرأة السودانية، وهو أمر غير مستغرب. تاريخياً تتصور آمال ذروة ذلك النضال توج ببلوغ (الكنداكات) رأس السلطة في المملكة (المروية)، وتقول في فذلكة تاريخية إن الدور منذ تلك الحقبة وحتى اليوم ظل مشهوداً، في العهد المسيحي، مروراً بالدور الذي لعبته (بت رجب) في مملكتي تقلي وسنار، وقد أبرز كتاب (طبقات ود ضيف الله)، مقاتلات في الأحراش ومتآمرات على السلاطين، ولا يخفى عن البال بالطبع حكاية (عجوبة التي خربت سوبا).. بجمالها، وهو سلاح فتاك لا مفر من استخدامه. تمضي آمال في اختبار المقاربة بين جريمة أميرة الحكيم وقضية لبنى وتسحب مشرطها بعيد أن تتبين أن ما جرى للاثنتين هو في سياقه الاجتماعي وليس في الإطار السياسي، فأميرة - بحسب آمال - قتلت ظلماً ودفنت معها أسرارها، بينما قضية لبنى في الحقيقة (مشاغبة) مع النظام لا أكثر، لأن قضية المرأة لا تختصر في زي ربما يكون مستفزاً للمجتمع.. تمضي آمال في تجيير بعض من تلك البطولات وتقول ل (الأهرام اليوم): ليس غريباً، فكل معارضة تتربص بالنظام وتبحث عن أيما مطاعن لإجهاض السلطة أو تقويضها بالذات عندما تكون السلطة قابضة، بيد أن دور المرأة في العمل النضالي بهيج ومشرف ولم يكن ذلك الدور حكراً على (رابحة الكنانية) التي قطعت مئات الأميال لتخبر عن العدو وكانت سبباً في إنجاح الثورة المهدية، وفاطمة زاهر التي قادت المظاهرات ضد الحكم الاستعماري، وما فعلته (عزة) زوجة علي عبداللطيف في توزيع المنشورات وحماية الثوار. وتستفيض آمال بأن مريم الصادق ليست وحدها التي قاتلت في الأحراش وترقت حتى وصلت رتبة الرائد، ولكن مثلها (سارة الفاضل) التي ناهضت نظام نميري وعذبت وسجنت، وتخلص إلى أن المرأة في العمل السياسي ليست (أنثى) وإنما إنسانة لديها قاضية وأسلوب لبلوغ قضيتها مهما كلفها ذلك من ثمن.
في الخاطر أيضاً عشرات الأمثلة وربما نماذج لنساء يقاتلن اليوم جنباً بجنب مع الرجال وبذات الشراهة، وبلا استثناء (أم الجيش) التي تقاتل في أحراش دارفور وترتدي (الكدمول) وغيرها في الشرق والغرب، سيما وأن محاولة اغتصاب امرأة دعك من قتلها تمثل (برميل بارود) قابل للاشتعال، فما بالك إذا اختطفها الإعلام أو قوى المعارضة وزايدوا عليها.. ولكن تفاصيل هذه القدر الذي يكتبها ويمحوها من على صفحات التاريخ قبل أن تباغته بأنها لا تزال موجودة وتشعل مزيداً من الأسئلة، لا يزال شاخصاً، فكم يلزمها من العمر للثبات على ذات المبدأ، فالنساء اللواتي هددن بتقويض الأنظمة كثر، والأنظمة التي هددت بقمع ذلك النشاط، لدرجة أن شعراء الحقيبة ربما عنوا شيئاً آخر وهم يترنمون (طرفك الفتاك أذايا)..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.