خبير دولي وناشط في مجال حقوق الإنسان.. بالإضافة إلى كونه مسؤول ملف دارفور وعضو اللجنة الشعبية لصياغة الدستور بالحزب الشيوعي السوداني. الأستاذ صالح محمود التقته (الأهرام اليوم) واستنطقته حول العديد من القضايا التي تشغل الساحة وفي طليعتها مسألة الدستور ورؤاهم حوله.. علاقتهم بالحركة الشعبية في دولة جنوب السودان عقب الانفصال وعلاقتهم في الشيوعي مع بقية أطياف العمل المعارض، والحركات المسلحة. المسألة الدارفورية وما بعد الدوحة أخذت حيزاً ضمن هذا الحوار. الأوضاع داخل الشيوعي ومسائل حقوق الإنسان في البلاد كانت حاضرة ضمن محاورنا.. صالح محمود استمع لكل تساؤلاتنا وأجاب عليها بكل شفافية فكانت حصيلة ردوده هذا الحوار: { بوصفك عضواً في اللجنة الشعبية لصياغة الدستور.. ما هي رؤية الحزب الشيوعي لحل مشاكل السودان؟ - في اللجنة الشعبية نحن كنا على إدراك تام بأنه بعد نهاية الفترة الانتقالية وانفصال الجنوب ستجابه البلاد بأوضاع سياسية جديدة.. وسنحتاج معها للوحدة للحفاظ على البلد وعدم إتاحة الفرصة لمزيد من الانشقاقات أو الانفصالات وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا انتبهنا للأسباب التي تجعل أناساً آخرين يفكرون في مسألة الانفصال أو غير قادرين على العيش في سودان موحّد. نحن ندرك أن السودان متعدّد الجنسيات والأديان والثقافات في المناطق الجغرافية المختلفة، بالتالي لابد من الاستجابة لهذا الوضع عن طريق الاعتراف بهذه الحقائق وأن نجعل موضوع المواطنة هو المعيار الوحيد للاستمتاع والتمتع بالحقوق الأساسية وعلى رأسها الحريّات العامة وفي نفس الوقت تدعيم القيم الجديدة والحديثة والقديمة وقيم العدالة والحكم الرشيد وسيادة حكم القانون والديمقراطية، بالتالي ما نحاول أن نصل إليه هو صياغة دستور يحتوي في ملامحه العامة هذه القيم جميعها. { حسناً.. وما هو تصوّركم للمرحلة القادمة؟ - نحن رأينا في الحزب الشيوعي ومع الأحزاب المتحالفة معنا في اللجنة الشعبية أن ما يحتاج إليه السودان في المستقبل هو فترة انتقالية (ابتداءً من 5 سنوات إلى سنتين)، لكن في غالب الحال استقرار الوضع يتم في (3) سنوات تحكم خلالها البلاد بإعلان دستوري وليس بدستور انتقالي أو بإطار ميثاق يتضمن الملامح والسمات الأساسية للدستور وغير محتاجين في هذه الفترة لعمل دستور دائم أو انتقالي وإذا أردنا عمل دستور دائم يجب أن يتضمن أغلب آراء الشعب السوداني وليس الأحزاب وحدها، المحامون والاختصاصيون يمكنهم عمل صياغات فنية في الدستور ولكن الدستور الذي يأتي من الشعب هو الذي يعبّر حقيقة عن ما هو مطلوب في دستور البلاد القادم. { هل فترة الثلاث سنوات التي تقترحها هي فترة كافية لإنجاز المطلوب؟ - 3 سنوات فترة كافية للحكومة المؤقتة لتخاطب قضايا بعينها، بمعنى أن تكون لها مهام محددة؛ أولى هذه المهام إنهاء الحرب المشتعلة حالياً في أجزاء الوطن مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتوجد بوادر مواجهات في شمال السودان بسبب السدود، وفي شرق السودان أيضاً هناك احتمالات لتطوّر الأوضاع لذلك يجب وضع حد لهذه الحروب بمخاطبة جذور المشكلات والاعتراف بالمظالم التاريخية لهذه المناطق وطمأنة الناس وفق المعايير الموضوعة في الدستور بأنّ المناطق الأقل نمواً بسبب التهميش التاريخي ستكون هناك نظرة خصوصية تجاهها بغية اللحاق بباقي البلد. { إذن ما هي المهمة الثانية؟ - المهمة الثانية، العمل على إنجاز عملية التحول الديمقراطي، بمعنى أن تعمل الحكومة على تهيئة الظروف السياسية لتسهيل مهمة الانتقال إلى جو ديمقراطي أرحب وهذا لن يتم إلا باتخاذ جملة من التدابير مثل إلغاء القوانين المقيّدة للحريات وإلغاء مواد القوانين السائدة التي تتعارض مع نصوص الدستور حتى تتواءم مع الدستور والمعايير الدولية وهذا يحتاج إلى عملٍ مضنٍ يشمل إقرار مبدأ سيادة القانون. أما المهمة الثالثة فتتركز حول محاربة الفساد خلال (20) عاماً من حكم الإنقاذ وإعادة الاعتبار للمؤسسات القومية التي كانت العمود الفقري للاقتصاد السوداني وإعادة إعمار هذه المؤسسات. { مثل ماذا؟ - مثل مشروع الجزيرة والسكة الحديد والنقل النهري والبحوث الزراعية لمناطق الزراعة الآلية وسودانير بجانب مجال التعليم ومرافق الخدمات، هذا إضافة إلى خصخصة الشركات بما فيها الرعاية الطبية والاجتماعية واسترداد الأموال المنهوبة لأن ما تم نهبه ليس بالقليل. كذلك تكون من مهام الحكومة المؤقتة الإعداد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وهذا يتم بإعادة النظر في التعداد السكاني والإحصاء. { علاقة وطيدة ربطت بين الحزب الشيوعي والحركة الشعبية بالأخص في المنحى الفكري، ما شكل علاقتكم الآن بالجنوب بعد الانفصال؟ - علاقتنا بالجنوب ظلت علاقة متميزة من ناحية أننا أحد الأحزاب التي اعترفت بالحقوق المشروعة لشعب الجنوب ابتداء من تفجر الأزمة في الخمسينيات بعد خروج المستعمر. الشهيد عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة اقترح الحكم الذاتي للجنوب اعترافاً بحق الشعب الجنوبي في حكم نفسه بنفسه ويكون له شيء من الاستقلال في موارده الطبيعية في إطار الدولة السودانية الموحدة. بعد اتفاق نيفاشا وعلى الرغم من تحفظاتنا الكثيرة حولها باعتبار أنها كانت ثنائية بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني - والحزبان لا يعبران عن مجموع الشعب في الشمال والجنوب - لكن الظروف التاريخية والسياسية وضعتهما في ذلك الموضع، نشهد بأن هذا الاتفاق أوقف الحرب في الجنوب بالتالي هذا إنجاز لابد من دعمه ومساندته أيضاً. على ضوء الحقائق في العالم اليوم أصبح تقرير المصير من الحقوق الأساسية، بالتالي نحن كحزب متقدم فكرياً وسياسياً شعرنا بالحزن لانفصال جزء عزيز من بلدنا وستظل علاقتنا مع زملائنا من الحزب الشيوعي في دولة الجنوب تحت ترتيبات في الحزب لانتقالهم إلى دولة الجنوب، فهو قد أصبح حزباً مستقلاً وبيننا وبينهم علاقات تاريخية وعلاقات المستقبل والصداقة والجوار والتداخلات الأخرى باعتبار أن السودان بلد لن يكون خاضعاً للضغوط السياسية الجغرافية المصطنعة وهناك قضايا تهمنا مع بعض، مثل القضايا العالقة وقضايا الجوار والمشورة الشعبية. بالنسبة لحزب الحركة الشعبية في دولة الجنوب والحزب الشيوعي في دولة الشمال سنبذل مجهوداً للتوصل إلى اتفاقات حتى لا تزداد الأوضاع سوءاً في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي عن طريق التفاوض السلمي وليس عن طريق الحرب. { يأخذ البعض على التحالف المعارض أنّه ضعيف ولا يستطيع اتخاذ قرار بسبب تشكيلته التي تجمع الأضداد كلها، شعبي وشيوعي و.. و..؟ - من الصعب تحديد مصطلح الضعف والقوة في العمل السياسي عموماً إذا كان المقصود أن الأحزاب «ما حرّكت» الشارع العام أو «ما عملت» انتفاضة، فالأحزاب لا تحتكر ولا تملك السيطرة على هذا النوع من العمل الجماهيري. هناك أعداد هائلة من الناس غير منتمين للأحزاب وبالتالي لا يمكن أن تتصور أن هذه الأحزاب يمكن أن تحرك كل الناس في لحظة ما، فهناك كثير من العوامل التي تحرك الشارع مثل أحوال المعيشة وظهور المجاعة في بعض مناطق السودان وانفلات السوق وعدم قدرة الحكومة على السيطرة والفساد المنتشر وعدم قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين، فالناس سوف يعبّرون يوماً من الأيام عن سخطهم ورفضهم لهذا الواقع، بغض النظر إن كانت الأحزاب السياسية موجودة أم لا. { لكن معلوم أن الأحزاب يمكن أن تحرك هذه الجماهير وتوجهها أليس كذلك؟ - الأحزاب السياسية يمكن أن تلعب دوراً من خلال جماهيرها، لكن تكوين التحالف في تقديري جاء متأخراً بدليل أنه لا تزال بعض المسائل في الهيكلة قيد النظر، وكذلك توزيع المهام يظل في المراحل الأولى. { إذن الأحزاب لم تتحالف بعد؟ - ليس من السهولة أن نقول إن الأحزاب غير متحالفة، الأحزاب متحالفة والدليل أنها خاضت جزءاً من المعارك السياسية مع بعضها البعض مثل مقاطعة الانتخابات والآن تعمل على رسم مستقبل سياسي بأفق موحد وهذا يحتاج إلى زمن، ما عدا ذلك قضايا الحراك في الشارع العام ليست رهينة في أيدي الأحزاب السياسية. {... مقاطعة: الوطني يصف الأحزاب بأنّها صارت (كرتونية) وليس لها دور يذكر، إلى أي مدى هذا الحديث صحيح؟ - وصف (كرتونية) كأنما هو إلغاء للأحزاب..!! أعتقد أنه وصف غير دقيق. الأحزاب موجودة في واقع الحياة اليومية وهي أقدم من (الوطني) الذي استولى على السلطة عن طريق الانقلاب في 89 بمعنى أنّه حزب حديث بعكس الأحزاب الأخرى..!! فحزب المؤتمر الوطني ما كان ليكون حزباً لولا أنه استولى على موارد البلد واستخدم مؤسسات الدولة الوطنية كلها لصالح الحزب لدرجة أنه لا يوجد تفريق بين الحزب ومؤسسات الدولة كأنهما وجهان لعملة واحدة، وإذا افتكر هذه قوة، أنا أظن أنها قوة مصطنعة وإذا فقدوا مصادر موارد الشعب السوداني سيكونون مثل أي حزب آخر، وهم بمجرد حرمانهم من بترول الجنوب ظلوا يتحدثون عن انهيار الاقتصاد في البلد، فهذا حزب ضعيف بدل أن يصف الآخرين بالكرتون من الأفضل له مراجعة حساباته. { أستاذ نقد تحدث عن اعتزاله للقيادة ما هي البدائل المطروحة للسكرتير العام للحزب الشيوعي الآن؟ - طبعاً هذه الأسئلة تجيب عليها المؤسسات القيادية في الحزب بصورة واضحة جداً والحزب الشيوعي السوداني عضويته من بين البشر ويمكن أن يعتزل أي شخص السياسة لأسباب مختلفة بالتالي إذا حدث وتنحى أو اعتزل، فهناك مؤسسات الحزب ولوائحه الداخلية وبرنامجه عندها الإجابات ولكن إلى الآن لم يحدث ذلك. { مقاطعة: ما شكل البدائل المطروحة حتى الآن؟ - لا يوجد بديل مطروح لأن هذا سابق لأوانه لكن يمكن لأي شخص في العضوية أو اللجنة المركزية أو المكتب السياسي وفي الهيئات العامة جميعها، في حالات الغياب والخروج عن الحزب والاعتزال لديها معالجات. { خطوة الدوحة التي ابتدأت بمشاركتكم، هل ينوي الحزب مواصلتها؟ - الحزب ينوي مواصلتها في إطار التقييم، نحن قلنا إن اتفاق الدوحة يظل اتفاقاً ثنائياً ولكن هذا الاتفاق فيه مكاسب لأهل دارفور وحقائق لابد أن تدعم، منها أنه يعتبر خطوة حقيقية في اتجاه السلام وإطار يصلح لانضمام الآخرين لدعم مسيرة السلام وذكرنا أيضاً أننا سوف نقدم كل ما يمكن تقديمه من مساندة لوثيقة الدوحة، وما لم تتراجع حركة التحرير والعدالة عن المطالب المضمنة في وثيقة الدوحة نحن سنظل نساندهم ونشجعهم للمضي قدماً لتنفيذ الاتفاقات مع الحكومة السودانية. { تقييمك لاتفاقية الدوحة هل ستحقق السلام العادل لأهل دارفور؟ - الاتفاق ما لم يكن اتفاقاً شاملاً ونهائياً وعادلاً لن يحقق السلام. وثيقة الدوحة تحتاج إلى دعم وإكمال النواقص الموجودة في اتفاقية الدوحة ودعوة الآخرين وانضمامهم إلى العملية السلمية، اتفاق الدوحة سوف يحقق السلام، وأهم من ذلك التزام الحكومة السودانية في الوفاء بالبنود الموجودة في اتفاق الدوحة لأنها الآن الحلقة الضعيفة في هذه الاتفاقية والمؤتمر الوطني ظل يسجل تاريخاً محبطاً وتراجعاً عن الالتزامات في كثير من الأحيان. { ماذا يعني تحويل مهام خبير حقوق الإنسان عثمان شاندي من البند الرابع إلى البند العاشر؟ - يعني أن ملف حقوق الإنسان يحتاج إلى مراقبة من مجلس حقوق الإنسان في جنيف ولكن التحول من البند الرابع إلى العاشر يعني أن الدولة السودانية مقرة بأن هناك انتهاكات وبسبب عدم القدرة على معالجة الوضع من جانب الدولة الوطنية الواحدة يتاح لهذه الدولة الاستفادة من الإمكانات الفنية من المجتمع الدولي سواء أكان عن طريق تدريب منفذي القانون وتثقيفهم بمضامين قوانين حقوق الإنسان ومنظومة حقوق الإنسان وهذا يشمل رجال الشرطة والنيابات حتى القضاة والأمن والقوات المسلحة، أم بتوفير المواد والإمكانات للمنظمات الحقوقية الوطنية حتى تضطلع بدور في نشر ثقافة حقوق الإنسان ومحاربة ثقافة الإفلات من العقوبة. الآن دور الحكومة السودانية يتركز في التعاون مع المجلس و«عثمان شاندي» يجب أن يرفع تقريرا كل فترة يوضح مدى تعاون الحكومة السودانية وإلى أي مدى هذا الدعم ساعد في انحسار حدوث الانتهاكات والمعيار سيكون إذا قلت الانتهاكات فهذا يعني أن الدعم الفني الدولي في السودان كاف وإذا كانت الحكومة غير متعاونة ف «شاندي» سوف يرفع تقريره في هذا الشأن.