أحد المشايخ قد اتخذ له بيتاً لا يبعد أكثر من عدة خطوات عن بيت الله، فأصبح لنا بيتان يؤمهما الناس في حيّنا، بيت الله وبيت الشيخ، غير أن الجلبة والحضور والسيارات التي يحظى بها بيت الشيخ لا يحظى بنصفها بيت الله سبحانه وتعالى، والناس يقصدون الشيخ في بيته لمتطلبات شتى، منها المال والبنين والبيوت وربما الأرزاق، حتى يخيّل إليك أن الأرزاق والمصائر والحظوظ توزع في بيت الشيخ، والملاحظ أيضاً أن معظم رواد الشيخ من النساء، خاصة الفتيات، فطوال ساعات اليوم يدخلن ويخرجن من بيت الشيخ وهن يحتقبن آمالهن، لاحظت أيضاً أن الشيخ والمقربين منه لا يأتون إلى المسجد، سألت يوماً أحد الدراويش، لماذا لا يأتي الشيخ إلى المسجد؟ فقال لي إن الشيخ في معظم الأوقات يكون في «حالة حضرة»! والحضرة، يا رعاكم الله، هي حضور الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى «مجلس الشيخ»، فقلت لصاحبي ذاك لو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحضر إلى هنا لكان مكان حضوره الشريف هو بيت الله سبحانه وتعالى وليس بيت الشيخ، المهم في الأمر أنه وبمرور الأيام قد تضاعفت أعداد الجموع التي تفد إلى بيت الشيخ لدرجة الاحتشاد، وقد لاحظت أيضاً أن الفتيات اللائي يأتين إلى بيت الشيخ لا يلتزمن بالزي المحتشم، وقد لا يكون الشيخ مسؤولاً عن هذا المظهر لكني تمنيت عليهن أن يحتشمن أمام الشيخ، على الأقل أن يقدمن بين يدي الشيخ بعض طهارة حتى تستجيب السماء أو حتى يستجيب الشيخ لطلباتهن، وهنالك أناس يأتون على ظهور عربات قد يصل سعرها إلى مئتي مليون جنيه من أمثال سيارات البرادو الفاخرة، وربما تكون هذه الشريحة بالذات وراء دعم الشيخ مادياً حتى يستمر في واجبه المقدس «يهب لمن يشاء الذكور ويهب لمن يشاء الإناث» أو قل يسأل الله أن يهب لكل واحد من زواره ما يطلب، لكن على الأقل أن المريدين «يعتقدون في الشيخ فقط»، على أن هذه الأشياء هي بيد الشيخ ولا أحد غير الشيخ يمكن أن يفعل ذلك، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى أقرب إليهم من حبل الوريد ولكنهم لا يثقون في استجابة دعواتهم، إذن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى عندهم يمر عبر بيت الشيخ، أن تشد الرحال أولاً إلى بيت الشيخ وتسري إليه، ثم يتحمل الشيخ مشقة المعراج بقضاياك إلى السماء ليأتيك بالخبر اليقين، صحيح ومشروع أن تدعو لأخيك بظهر الغيب ولك مثل ذلك، لكن أن تعتقد أن كل الأشياء تمر عبر الشيخ، الشيخ الذي لا يأتي ليصلي بين الناس في المسجد!! فهذه تحتاج إلى تخريج فقهي ومعتقدي! وللذين يقرأون بتطرف، أن البيوت الصوفية الحقة هي التي أوقفت لخدمة ثلاثة مكارم؛ «تعليم القرآن وإطعام الطعام والصلح بين الأنام»، ورأينا أن الشيوخ الأصلاء يخرجون مع الناس إلى المساجد بل ويؤمون الناس في الصلاة، شاهدناهم في كدباس وود الفكي علي وأم ضبان وغيرها. رأيت أن أصيب هدفين اثنين من هذا المقال؛ الأول وهو دعوة قديمة جديدة بأن «جهة صوفية راشدة» يفترض أنها تنهض بواجب «تنقية هذه المدرسة من بعد الانحرافات التي تضعفها بين الآخرين»، فالمشيخة ليست شركة تتخذ لها منافذ في الأحياء للتكسب ولأشياء أخرى الله عليم بها. والهدف الآخر وهو الأهم أن هذا التطرف هو الذي سيجعل الآخرين يثورون في وجهه باليد والقوة، خاصة وأن «حكومة المشروع الحضاري» في هذه الحالة هي أضعف مخلوقات الله، ضعيفة أمام السادة الصوفية. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل