{ تداولنا منذ مدة عبر واحدة من تداولات هيئة المستشارين بوزارة رئاسة مجلس الوزراء الوضع الراهن لأوضاع المعاشيين ضمن ما درجت عليه الهيئة من تسليط الضوء على العديد من القضايا المهمة والحساسة وتمحيصها مع أهل الشأن للخروج برؤية واضحة تتفضل هي مشكورة برفعها لصناع القرار للبت والإفادة. وتمخض ذلك التداول عن ضرورة توسيع نطاق البحث والتدارس بالقدر الذي يحيط بكل جوانب المعاشيين كواحدة من أهم وأضعف شرائح المجتمع التي تحتاج فعلياً لكثير من التحسين والرعاية لا سيما معاشيي القطاع المدني الذين تبرز مشاكلهم بوضوح مقارنةً مع نظرائهم في القوات النظامية والمسلحة والقضائية وغيرها، وتعتبر بذلك قضية رأي عام بأبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية واسعة النطاق، يجترها المكتوون بنارها ويدفعون بها للعرض في جميع الاتجاهات وهم يكابدون الضنك والمهانة والحيرة. فهم يعدون جزءا أصيلا من منظومة أصحاب الدخول المتدنية التي يلهو بها التضخم المضطرد والمستمر كيفما شاء. { وعلى ضوء ما تقدم، كلفت هيئة المستشارين لجنة من الخبراء برئاسة الدكتور الكندي يوسف محمد عثمان وآخرين للعكوف على إجراء دراسة ضافية لأوضاع معاشيي الخدمة الدنية ووضع الحلول والمقترحات مع استصحاب بعض تجارب دول الجوار. وقد كان... ودعينا منذ أيام لاستعراض تلك الدراسة التي أحسبها دقيقة وشاملة وموضوعية اهتمت بكل التفاصيل وخرجت علينا بتوصيات مناسبة ومنصفة تبحث فقط عمن ينزلها إلى حيز التنفيذ لينقذ أولئك القابضين على جمر التهميش و(التلتلة) من ضحايا سياسات الدولة في مجال الأجور التي ألقت بظلالها السلبية على المعاشات بما تمثّل في المفارقات الكبيرة في مقدار المعاشات المستحقة، والفجوة المؤثرة بين الدخل أثناء الخدمة وبعدها. ولا يخفى على أحد معاناتهم غالباً من التأخير المصاحب لتسوية وصرف فوائد ما بعد الخدمة نتيجة للمشكلات المرتبطة بالإجراءات والنظم المتبعة، إضافة إلى عدم ملاءمة بيئة تقديم الخدمة في الكثير من المواقع الشيء الذي أسهم في سخط المنتسبين لأنظمة المعاشات والتأمينات الاجتماعية. والأهم من ذلك حرمان بعض المتقاعدين من استحقاقهم من فوائد ما بعد الخدمة لفترات تطول أو تقصر، بسبب عدم وفاء مخدميهم أو وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الصندوق. كل هذا وغيره جعل أهلنا بالمعاش على ماهم عليه من حال يغني عن السؤال، لا يكاد معاش بعضهم الشهري يفي بحاجاته اليومية البسيطة، كما إن هناك العديد من المفارقات في مقدار المعاش بين قدامى المعاشيين في القطاع المدني وبين المتقاعدين حديثاً، إلى جانب المفارقات بين متقاعدي نظام المعاشات ونظرائهم من متقاعدي نظام التأمينات الاجتماعية. { كل هذا وغيره استصحبته الدراسة وخرجت علينا بالعديد من التوصيات المحكمة كعلاج ناجع لأزمة المعاشيين كل بند بها أهم وأعدل من الآخر بالقدر الذي يجعل إيجازها عصياً على الاندياح، ولكنها في العموم تطالب بإعادة النظر الموضوعية للسياسات الخاصة بالأجور بالكيفية التي تعيد التوازن وتحقق العدالة بين مختلف فئات العاملين بالدولة لما لها من انعكاس مباشر على معاشيي الخدمة المدنية، مع ضرورة إعادة النظر كذلك في تعدد وتباين قوانين المعاشات السارية الآن والعمل على الخفض التدريجي للفوارق الكبيرة بينها في المزايا والاستحقاقات، توطئة لإصدار قانون موحد للمعاشات لكل العاملين بالدولة مستقبلاً. مع إيراد توصية واضحة بضرورة إلحاق زيادة سنوية بمقدار 5% للمعاش، وتحديد سياسات واضحة لاستثمارات الضمان الاجتماعي، ومعالجة تراخي الوحدات الحكومية والولايات والشركات والهيئات عن الوفاء بالتزامات صناديق المعاشات. { الدراسة الآن بكل تفاصيلها وميزاتها ومعالجاتها مرفوعة عبر وزارة رئاسة مجلس الوزراء للمعنيين من أصحاب القرار لا سيما أن الأخ وزير الدولة (أحمد فضل الله عبدالله) كان قد شهد افتتاح الجلسة وأكد حرص الهيئة والوزارة على السعي في سبيل تحسين أوضاع المعاشيين الذين يستحقون حتماً في ظل هذه الأوضاع المتعسرة النظر إلى مشاكلهم المزمنة وأوضاعهم المزرية بكثير من التقدير والإنصاف على أمل أن نصل جميعاً إلى الرضا الوظيفي. { تلويح: تحية متجددة لشباب (هيئة المستشارين) على تبنيهم الدائم للملفات والقضايا التي تلي المجتمع.. وتحية خاصة للدكتور (الكندي يوسف) الذي ترأس الجلسة واستعرض الورقة التي تولى رئاسة لجنتها بكثير من الحنكة والتميز ضارباً مثلاً طيباً كمعاشي قادر على العطاء والإبداع.. وليتنا نعي.