الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    عثمان ميرغني يكتب: معركة خطرة وشيكة في السودان    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفث: قتل عمال الإغاثة أمرا غير معقول    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة "محمد عبدالفتاح البرهان"    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة "محمد" عبدالفتاح البرهان في تركيا    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطلوب رأس شعب السودان القديم .. وجيشه
نشر في الأهرام اليوم يوم 17 - 02 - 2010

السودان الجديد بمعنى أفرقة السودان (بالكلية) تحت قيادة الحركة الشعبية .. هو رؤية الولايات المتحدة الأمريكية التي (هُندست) عليها اتفاقية نيفاشا. وبما أشرنا إليه في المقال السابق عن وجود للحركة الشعبية في الشمال وفي الحكومة الإتحادية للعمل في أوساط الفور والنوبيين والبجا.
وبناءً عليه فإن غياب قرنق لم يُغيِّب رؤية السودان الجديد كمُخطط أمريكي كشف عنه النقاب مقال أندرو ناتسيوس مبعوث الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن للسودان بعنوان (ما وراء دارفور .. إنزلاق السودان نحو الحرب الأهلية).
والسودان الجديد هو مُخطط بوش الابن ثم أوباما والذي باحت به إستراتيجيته تجاه السودان كما سنرى عند تحليلنا لها غير أن متغير (الوقت) قد داهم إدارة أوباما ومن ثمّ فإن ترشيح ياسر عرمان هو (الكرت الأخير) باعتبار أن عرمان سيجد القبول في الشمال. فترشيح عرمان هو طرح (أمريكا) وهو أيضاً طرح الحركة الشعبية ليس في عمومها ولكن طرح (دُهاتها) المتآمرين مع أمريكا وكما أوضحنا في المقال السابق (8) فإن قرنق والحركة الشعبية قد استغلا (الجلابة) في التجمع الوطني الديمقراطي لتجد الحركة القبول في الشمال وها هي الحركة الشعبية وأمريكا تستغلان (الجلابي) ياسر عرمان لتجد الحركة القبول في انتخابات الشمال (ننسج غزلهم بأيدينا ، وننقض غزلنا أيضاً بأيدينا في شتاتنا وفرقتنا ومأساة غيبة الوعي).
{ قرنق وإدمان التلاعب بالكلمات:
ونتابع ما جاء في مقالنا السابق .. قلنا بأن قرنق أراد للحركة الشعبية (المحتفظة بشخصيتها الوطنية) وجوداً فاعلاً في المركز ومنتشراً في كل السودان، لتحقيق نموذج السودان الجديد .. فما هي حقيقة نموذج السودان الجديد؟ وما هو خطره على الأمن القومي السوداني.
يستعرض قرنق نماذج الحكم كما يراها للسودان، ويحددها بأربعة. وفي نموذجه الرابع يستعين بتعداد سنة 1955م، بأن العرب يشكلون 31% من تعداد سكان السودان، والأفارقة 69%. (لو قبلنا بهذه النسب مبدئياً).
يقول قرنق عن هذا النموذج تحت عنوان (السودان العلماني الأسود الإفريقي) : (هذا النموذج افتراضي ولكنه ليس ببعيد الطلب، ونذكر بأن الذين سجلوا كأفارقة في تعداد 1955م كانوا، 61% بينما تعداد الذين سجلوا كعرب 31%، فقط. بينما 8% سجلوا أو صنفوا تحت (غير)، وهؤلاء هم الغرب أفريقيون أو ما يُعرفون بالفلاتة، وبالتالي فإن الأفارقة يمثلون 69% من سكان السودان، ووفقاً لهذا الإحصاء فطالما أن عرب السودان 31% من سكانه باستطاعتهم وفي إمكانهم الدعوة لسودان عربي إسلامي موحّد كما فعلوا عام 1956م ومازالوا، فلا أرى سبباً يمنع ال 69% الأفارقة السودانيين في الشمال والجنوب أن يدعوا لسودان علماني أسود إفريقي، إلا أنه أيضاً مثل النموذج الثالث، يمثل نموذج حرب وانفصال لأن غير الأفارقة لن يقبلوا بالسودان الأسود الإفريقي وسيقاومونه وسيحاربون للانفصال عن بقية السودان.
يقول قرنق عن نموذجه الأول: نموذج السودان الجديد ..السودان المتحول الديمقراطي: (يمثل هذا النموذج نتاج السودان الجديد العلماني الديمقراطي، كما هو متصور من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان، هذا النتاج يتطلب بالضرورة تحلل وتحطيم السودان القديم) وتحطيم السودان القديم يعني سيادة النموذج الرابع: السودان العلماني الأسود الأفريقي (أنظر تحليلنا لمضمون مقالات ناتسيوس) لنرى كيف التقت رؤيته مع الحركة الشعبية، وتأثير ذلك على الأمن القومي.
أما ما يسوقه قرنق ضمن نموذج السودان الجديد (النموذج أعلاه) .. من دعاوى السودان العادل الديمقراطي .. متعدد الأعراق متعدد الأديان والثقافات، لإقناع من أسماهم بالعرب، بالسودان الجديد، فهو مجرد خدعة (كان قرنق متلاعباً بالكلمات، ومناوراً كبيراً) .. وكل ما يدعيه هو مجرد تسويق للسودان الأسود الإفريقي مغلّف في ورق (سوليفان).
وقرنق ذاته من ألدّ أعداء الديمقراطية بشهادة لام أكول، في كتابه (الحركة الشعبية لتحرير السودان، الجيش الشعبي لتحرير السودان، ثورة إفريقية) والمدعومة بشهادة حلفاء قرنق الغربيين. فما هو موقفه لو حارب العرب (الأقلية) للإنفصال من سودانه العلماني الأسود الإفريقي، (المموّه بسوليفان السودان الجديد) وهي نقطة أشار لها قرنق في أقواله هنا؟ سيفعل بهم قرنق ما فعله بالإنفصاليين من الجنوبيين .. إذ أن قناعته أن السودان بأكمله هو حدود الجنوب .. يتضح ذلك في خطابه للإنفصاليين الجنوبيين أن يقفوا عندما يعتقدون أنه حدود الجنوب، ويواصل هو بجيشه حتى يأخذ الخرطوم.
{ قرنق واستراتيجية الحركة لتحطيم الجيش السوداني:
ولكننا قلنا أن قبولنا بخارطة قرنق السكانية كان قبولاً مبدئياً، حتى نكشف عن حقيقة السودان الجديد.
صحيح ذهب قرنق ولكن بقيت خارطته السكانية أداة في يد أمريكا لإشاعة الفوضى الخلاقة في دارفور وإثارة النعرات العنصرية عند النوبيين.
ومن أسماهم قرنق بالعرب، أصبحوا أكثر وعياً بالشق الإفريقي في تكوينهم، وأنهم عرب بعامل الثقافة لا العرق فتلك أسطورة، وبالمقابل فإن من وصفهم بالأفارقة (النوبيين والبجة والفور) عندهم ذات الإحساس (أنهم عرب بعامل الثقافة العربية الإسلامية) والفور هم أصحاب الخلاوى (وكسوة الكعبة الشريفة كل عام، أيام السلطنة)
..وهؤلاء هم شعب السودان القديم. ومخطط قرنق وبعده الحركة الشعبية هو تحطيم السودان القديم أي تحطيمهم هم .. وتحطيمهم لن يكون إلا بتحطيم جيشهم .. أي أن يصبحوا بظهرهم إلى الحائط (بلا حماية) .. (وهم أكبر وأعظم من أن يحميهم أحد ولكن عليهم باليقظة).
يقول قرنق عن (مخطط التحطيم) تحطيم شعب السودان القديم وتحطيم جيشه: (استولت الجبهة الإسلامية على السلطة في عام 1989 ومن وقتها شرعت في تحطيم الجيش السوداني بشكل مُخطّط ودؤوب لأنهم يعلمون أنه ليس جيشهم وهكذا استخدموا الجيش في الاستيلاء على السلطة ومن عجب أنه بمجرد أن أتم مأموريته أصبح من الواجب تحطيم هذا الجيش واستبداله بجيش الجبهة الإسلامية ولأن الدولة صارت إسلامية فلابد إذن من أن يكون جيشها إسلامياً).
الفقرة التالية من حديث قرنق توضح أن (رأس شعب السودان القديم وجيشه) مطلوب من الجميع. يقول قرنق (وبذات الفهم والمنطق إذا رغبت في إقامة دولة شيوعية فيجب أن يكون هناك جيش شيوعي وعليه فإذا كنا بصدد بناء سودان جديد فلابد أن يكون لنا جيش يناسب هذا السودان الجديد فطبيعة الجيش يجب أن تتسق وتتفق مع طبيعة الدولة).
{ قرنق يستعجب:
واتساق طبيعة الجيش مع دولة السودان الجديد تقتضي تحطيم جيش السودان القديم .. يقول قرنق مستعجباً: (كانت المفارقة عندما حضر إلىّ وفد القيادة للجيش السوداني في عام 1991 في مقر رئاسة الجيش الشعبي في جنوب السودان وكانوا خمسة: الفريق فتحي أحمد علي والفريق عبد الرحمن سعيد .. الهادي بشرى والذي عاد إلى الخرطوم .. وضابطين آخرين .. كانت الصورة واضحة أمامهم حول ما تفعله الجبهة الإسلامية بالجيش وذلك بعد عام واحد فقط من الانقلاب .. كانوا يريدون التحالف مع الجيش الشعبي .. قلت لهم آنذاك: ما هو هدفكم؟ قالوا: نحن نريد أن ننقذ الجيش السوداني من معول تحطيم الجبهة الإسلامية) .. مما أثار دهشة قرنق وعبّر عنها (نندهش أن القيادة الشرعية تأتي إلينا لنساعدها على إنقاذ الجيش السوداني الذي نحاول تحطيمه).
ذات أقوال قرنق عن وضع الجيش السوداني (جيش السودان القديم) قال بها ناتسيوس (فمخطط السودان الجديد - كما قلنا، هو أيضاً مخطط أمريكي وارتأت أمريكا تحقيقه بمخطط الإنتخابات في إدارة بوش الابن ، بما سنورده عنه عند تحليلنا لمقال ناتسيوس ، وهو كما قلنا ذات مخطط أوباما بأداته (الإنتخابات) أيضاً وفق ما أشرنا إليه عن ترشيح عرمان (الكرت الأخير) ..
{ إنتخابات محروسة بالترتيبات الأمنية لصالح الجنوب:
هي انتخابات مسنودة بالترتيبات الأمنية الواردة في اتفاقية نيفاشا .. ترتيبات تحرس دولة الجنوب من غزو الشمال وتحرس الوجود الفاعل سياسياً للحركة الشعبية في الشمال وذلك بهيكلة الترتيبات الأمنية بما يبرر تزويد الجنوب بالسلاح .. مع احتفاظ الجنوب بجيشه كالآتي:
الترتيبات الأمنية:
1/ وضع القوتين المسلحتين.
2/ كجزء من اتفاقية السلام وبهدف إنهاء الحرب:
يتفق الطرفان على أن تظل القوتان منفصلتين خلال الفترة الانتقالية ويتفقان أيضاً على أن كل القوتين يعتبران ويعاملان بالتساوي بحسبانهما قوات السودان المسلحة الوطنية خلال الفترة الانتقالية مع الأخذ في الاعتبار (ج) أدناه:
ج) يتفق الطرفان على مبادئ التخفيض النسبي لقوات كلا الجانبين في وقت مناسب بعد إتمام ترتيبات وقف أطلاق النار الشامل.
بناءً عليه فقد قررت الترتيبات الأمنية بقاء جيش الحركة الشعبية وتحدثت عن تخفيض للقوات وأهملت جانب السلاح كثغرة استغلتها الحركة الشعبية فيما بعد وكان المقصود استقلال دولة الجنوب بجيشها مع تزويدها بالسلاح مع سحب القوات المسلحة السودانية من الجنوب وفق ترتيب إعادة الانتشار.
جاء في الفقرة (3) من اتفاق الترتيبات الأمنية:
أ) يتم فك الارتباط بين القوتين وفصلهما ووضعهما في مخيمات وتتم إعادة نشرهما حسبما يتم تفصيل ذلك في الاتفاق الشامل لوقف إطلاق النار.
ب) فيما عدا قوات الوحدات المشتركة المدمجة فإن بقية القوات التابعة للقوات المسلحة السودانية المنتشرة حالياً في الجنوب يتم إعادة نشرها شمال الحدود الجنوبية الشمالية كما هي في1/ 1/1956 تحت مراقبة ومساعدة دولية.
ج) فيما عدا وحدات القوات المشتركة المدمجة فإن بقية قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان المنتشرة حالياً في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق يتم إعادة نشرها جنوب الحدود الجنوبية الشمالية كما هي في 1/1 / 1956 بمجرد تشكيل ونشر الوحدات المشتركة المدمجة تحت مراقبة ومساعدة دولية.
مجمل تحليلنا هذا عن دولة في الجنوب مستقلة بجيشها وبسعيها للتزود بالسلاح وفاعلة سياسياً في الشمال بموجب اتفاقية نيفاشا .. يقودنا مباشرة إلى النظر في محتوى مقال أندرو ناتسيوس.. مبعوث الرئيس السابق بوش الابن للسودان. إذ ارتكز المقال في الأساس على الجانب العسكري.
{ تحليل مضمون مقال ناتسيوس .. مهددات الأمن القومي السوداني في تفعيل مشاكوس نيفاشا:
في تحليلنا هذا لمضمون مقال ناتسيوس، نجد أن نقطة الارتكاز التي انبنى عليها المقال، هي القوة العسكرية. إذ يعقد ناتسيوس مقاربة بين القوة العسكرية للشمال والجنوب .. فيقول (إن تغيير القوة بين الشمال والجنوب واضح في تطور القوة العسكرية النسبية للجانبين .. فحزب المؤتمر الوطني ليس لديه احتكار مطلق لاستخدام العنف).
ويضيف (يقوم حزب المؤتمر الوطني بشراء أسلحة جديدة ببلايين الدولارات من الصين وإيران ودول تابعة للكتلة السوفيتية السابقة .. وتعتبر هذه استراتيجية يائسة، لأنه ليس من المحتمل أن تُعطي هذه القوة الشمال الأفضلية العسكرية التي يريدها .. خاصة الأفضلية على جيش الحركة الشعبية الذي أصبح بفضل مساعدة الحكومة الأمريكية، قادراً على حماية نفسه).
وفقاً لأقوال ناتسيوس وانطلاقاً من اتفاقية السلام، وكما قلنا من قبل، يصبح الجنوب دولة شبه مستقلة، إذ ينص بروتوكول مشاكوس على حق الجنوبيين في مراقبة وحكم إقليمهم حتى ما بعد الفترة الانتقالية لو اختاروا الوحدة.
ومن ثم يصبح الجنوب دولة شبه مستقلة لا ينقصها حتى (الاعتراف غير المُعلن) من الغرب .. تأكيداً لما سبق ذكره من أقوال قرنق عن دولة برأسين ووعده بإبرام الجنوب لاتفاقيات مع الغرب .. ولم يذكر قرنق اتفاقيات التسليح ولكن أفعال أمريكا والحركة الشعبية والمعززة بأقوال ناتسيوس تؤكد هذه الواقعة. إذ يقول (يجب أن تزيد واشنطن من دعمها للحركة الشعبية وتساعد الجنوب على تطوير قوة عسكرية تقليدية واثقة، وهي مبادرة أمرني الرئيس بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن أرتبها واعتبرها أولوية في العام 2006-2007م).
{ السودان الجديد ومخطط تحقيقه بالإنتخابات:
ناتسيوس قال بأن مساعي المؤتمر الوطني للتسلُّح هي استراتيجية يائسة، بسبب أن أمريكا تعتمد أيضاً تسليح الجنوب، مما يعني أن تسليح الجنوب عملية قابلة للتنام، فالجنوب شبه المستقل، جيد التسليح، والمزود بسلاح جوي وفق اقتراح ناتسيوس ، والمزروع في عمق الشمال يُعد ضرورة لاستراتيجية الفوضى الخلاقة الأمريكية، والتي كانت اتفاقية السلام خطوة أولى على طريق تحقيقها بخلق دولة شبه مستقلة قادرة على حماية نفسها .. تتطلب حتى استخدام سلاح الجو الأمريكي لحمايتها من غزو الشمال لها، بحسب أقوال ناتسيوس، فالمطلوب إذن خلق دولة جنوبية بهذه المواصفات تكون فاعله سياسياً في الشمال كمخلب (قط) لإشاعة (الفوضى الخلاقة) باستغلال الموصوفين بالأفارقة ونستعيد هنا حديث قرنق السابق عن انتشار الحركة الشعبية في كل السودان بناءً على اتفاقية نيفاشا، لتحقيق نموذج السودان الجديد، وكانت الإنتخابات هي الوسيلة المختارة لتحقيق نظام حكم في السودان، تصبح فيه الأقلية العربية (المزعومة)، في وضع البوسنيين في حاجة لحماية لضمان أمنها، وكما قلنا ما عرب السودان بعرب وجوه، ولكنهم عرب بثقافة جامعة لكل السودان الشمالي، وكله مستهدف (بما فيهم الفور والنوبيين والبجة). يقول ناتسيوس (إن أسوأ كوابيس المؤتمر الوطني يُتكشف الآن، فكثير من خصوم الحزب تقليديين وحديثين على أطراف البلاد يلتئمون حول الحركة الشعبية الآن. فالجنوبيون بذلوا جهداً كبيراً لتوحيد 27 مجموعة في دارفور).
{ هل يلاقي شعب السودان الشمالي مصير البوسنيين:
ويربط ناتسيوس بين المؤتمر الوطني والسودان القديم. ولكن ما قصده ناتسيوس بالسودان القديم هنا، ليس المؤتمر الوطني، وإنما السودان العربي الإسلامي .. إذ يتحدث ناتسيوس عن ضرورة (تمثيل مصالح عرب السودان في حكومة ائتلافية وإضفاء الحماية عليهم، بموجب ترتيبات دستورية).
ويقول ناتسيوس (إن نظام السودان القديم لن يذهب بهدوء إذا لم يجد مخرجاً، بحكم التاريخ القريب لدول البلقان والجمهوريات السوفيتية السابقة). وهذا يؤكد أن رؤية ناتسيوس لا تعني المؤتمر الوطني، بل كل عرب السودان، وحتى المعارضة الشمالية، إذ يقول (حتى العرب الذين يعارضون النظام يقولون أنهم غير مطمئنين على مستقبلهم).
ولكن هل ينجو الموصوفون بالأفارقة من شرور المخطط الأمريكي؟ كما قلنا فإن دارفور هي أرض القرآن والخلاوى، وهي ركن أصيل من السودان القديم .. فبعض القيادات الإسلامية أتت من دارفور .. فبحكم (البيئة والتنشئة الإجتماعية والتاريخ) ستولد في دارفور حركات إسلامية (راديكالية) .. وهو الإسلام الذي تخشاه أمريكا.
إذا في حال نجاح المخطط الأمريكي، سيجد أهل دارفور أنفسهم على صعيد واحد مع الأقلية العربية (المُدعاة) وسيضيع مستقبل شعب دارفور على يد نظام الإنقاذ وعلى يد أبنائه من قيادات حركات دارفور، ولتلافي مخاطر المخطط الأمريكي الإسرائيلي ليس أمام حكومة الإنقاذ إلا التراضي الوطني الذي يشمل كل القوى السياسية في السودان، والاقتناع الفعلي بنصيب كل أقاليم السودان في الثروة والسلطة، ومعالجة رتوق النسيج الاجتماعي كنتيجة لسياسات العولمة، مما يستوجب إلغاء القوانين المقيدة للحريات، ذلك لأن الخطر الماثل أكبر من (التكتيكات السياسية).
أما عن ما ذكره ناتسيوس عن البوسنيين ومصيرهم ومصيرنا والحماية الدولية فشعب السودان الشمالي المقصود بهذا المصير قادر على حماية نفسه وعليه باليقظة.
الأربعاء القادم
{ من هو الدكتور جون قرنق؟ .. وكيف هو السودان الجديد
{ انتخابات أبريل في استراتيجية أوباما
{ ياسر سعيد عرمان (الكرت الأخير)
قرنق يستعجب: القيادة الشرعية للجيش طلبت مساعدتنا على إنقاذ الجيش السوداني الذي نحاول تحطيمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.