تغيير مفاجئ اتخذه المؤتمر الشعبي في موقفه من تأجيل الانتخابات مستبقاً دفع تحالف قوى الإجماع الوطني بمذكرة لرئاسة الجمهورية الخميس الماضي يطالب فيها بالتأجيل والشعبي من ضمن قوى التحالف التي ناهضت قيام الانتخابات في أبريل المقبل حتى بعد رفض مفوضية الانتخابات للمذكرة التي دفعت بها قوى التحالف متضمنة المطالبة بالتأجيل. ولم تكن قوى المعارضة في قراراتها بشأن الموقف من التأجيل أو التعجيل بعيدة عن موقف مفاوضات الدوحة بين الحكومة والحركات المسلحة، فقد أعلنت أنها ترتقب ما يسفر عن تلك المفاوضات لحسم موقفها بالنظر إلى حرصها المعلن على مشاركة الحركات الدارفورية في الانتخابات قبل أن يشهد كذلك موقف حركة العدل المساواة تغيراً في مطالبتها بالتأجيل وإعلانها أمس الجمعة تأييدها انعقاد العملية في موعدها. وفي المقابل فإن التحالف إلى جانب تضامن مرشحي رئاسة الجمهورية مازال سعيهم باتجاه التأجيل ماضياً على خلاف المؤتمر الوطني الذي أعلن على لسان الرئيس المشير عمر البشير مراراً وعدد من قيادات الحزب كذلك أن لا تأجيل للانتخابات وليس هناك ما يستدعي التأجيل، بالنظر إلى أن سلام مفاوضات الدوحة غير ممكن في هذه المدة المحددة، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية معالجة إشراك الحركات المسلحة بوضعية قيد الدراسة. أمين أمانة التعبئة بالمؤتمر الوطني حاج ماجد سوار يقول ل«الأهرام اليوم» إن الاستثناء من الانتخابات بدارفور لحركة سياسية مسلحة وليس لأهل دارفور الذين سجلوا بنسبة 70% وليس هناك من ضمان لتحقيق السلام في المدى المنظور. ويدعم وجهة نظره بالاستشهاد بأن انتخابات العام 1986م كانت جزئية، ويشير إلى أن تمسك حزبه بالموعد المضروب يأتي وفاءً لمطلوبات اتفاقية نيفاشا فضلاً عن رغبة الشعب في ممارسة حقه في التحول الديمقراطي بتسجيل 16 مليون ناخب بما يوفر شروط استقرار سياسي واستكمال التحول الديمقراطي المستدام. مطالبات المعارضة بالتأجيل صنفها سوار في جانب عدم الموضوعية بالنظر إلى تأخر المطالبة ونشاط الأحزاب في كل المراحل الانتخابية السابقة والأموال التي صرفتها الأممالمتحدة والمانحون والحكومة على الإجراءات، إضافة إلى أن الانتخابات مقدمة ضرورية للوفاء باستحقاق تقرير المصير الذي لا يمكن إنفاذه إلا بوجود حكومة منتخبة، كما يُذكّر بذلك سوار ويشير إلى موقف المؤتمر الشعبي والحركة اللذين أيدا قيام العملية في أبريل المقبل. في ذات السياق ذهب القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر في حديثه ل«الأهرام اليوم» إلى أن موقف حزبه مبني على تقديرات تنظيمية مرتبطة بالموقف السياسي في الساحة والبعد الدستوري لاتفاقية نيفاشا، وذكر أن التفاوض حول سلام دارفور ليس فيه من رجاء يُنظر في المدى القريب. التأجيل له أهداف مرتبطة بتكملة النواقص وترتيبات الحل السياسي بدارفور، إلا أن عمر يرى أن ما جرى بالدوحة لا يصب في هذا الاتجاه، وزاد «كنا نأمل أن يبقى عامل الحل السياسي في دارفور أمراً وطنياً». واستند الشعبي بحسب عمر إلى أن موعد الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهو أمر كذلك لابد من إجرائه بوجود حكومة منتخبة. وثبّت الشعبي كامل النواقص التي طالب بإصلاحها في إجراءات الانتخابات، إلا أن عمر قال إنه لا أمل في تعديل القوانين مع استمرار المفوضية في عدم حياديتها، وتبقى الانتفاضة الانتخابية خياراً محسوماً للمؤتمر الشعبي. ولحقت الحركة الشعبية من جانبها بجانب القوى المطالبة بإجراء العملية في أبريل. وأعلن الناطق الرسمي باسم الحركة يان ماثيو في اتصال مع «الأهرام اليوم» التزام الحركة بالجداول الزمنية المضمنة اتفاقية نيفاشا فيما يلي الانتخبات والاستفتاء. وعلى الرغم من أن تحالف المعارضة أكد مراراً توافق موقف الحركة مع موقفه المطالب بالتأجيل، بالنظر إلى غيابها عن اجتماعات التحالف وانشغالها بالحملة الانتخابية، إلا أن مرشح الحركة لمنصب رئيس الجمهورية خفت لهجته حيال المطالبة بالتأجيل خلال المخاطبات واللقاءات التي نشط فيها خلال الأيام الماضية.والتأجيل الذي تفتي فيه مفوضية الانتخابات التي تجاهلت مطالب أدنى سقفاً من ذلك من قبل قوى المعارضة كأمر التمويل المنصوص عليه قانوناً، يجب أن يعضد بدفع من الشريكين بما يتوافرا عليه من صلاحية الاتفاق على إجراء تعديل بجداول نيفاشا، وهو أمر يبدو مفارقاً لسياقه في ظل المواقف المدروسة والمعلنة لكليهما. وتظل وضعية دارفور في الانتخابات عاملاً مشتركاً بين الطالبين للتأجيل والمتمسكين بالتعجيل وفق آراء متباينة، ففي الوقت الذي أعلنت فيه قوى المعارضة مراراً بأن قيام الانتخابات يعقّد الوضع بالإقليم وينمي حالة الغبن لدى أهله ويفاقم من الأزمة دافعة بغياب الأمن وضعف التسجيل، يرى الوطني أن الإقليم آمن بنسبة 90% وأن الناخبين تسجلوا بنسبة كبيرة. في دوائر مرشحي رئاسة الجمهورية يرى منير شيخ الدين، رئيس الحزب القومي الديمقراطي الجديد، أن تأجيل الانتخابات فيه مصلحة للبلاد حتي يمكن استيعاب أكبر قدر من المشاركين خاصة حركات دارفور. وتظل هناك استحقاقات لم توفَّ حتى الآن لأن المسألة ليست من يفوز ومن يخسر بقدر ما هي مراعاة المصلحة الوطنية. وأيَّد شيخ الدين استمرار البشير في الحكم لحين استيفاء المطلوبات، محذراً من مآلات الانفصال بدون ترتيبات لأمر أقاليم الجنوب والنيل الأزرق وجبال النوبة والشرق. وقطع منير بعدم رغبته المشاركة في انتخابات تؤزم الوضع بالبلاد، وقال ليس صعباً أن يتفق الشريكان على تعديل الاتفاقية في بندين لتشكيل أساس للمصالح العليا للشعب السودني، واستحضر النموذج الانتخابي بزيمبابوي، وأشار إلى الثأرات السياسية من الجيل السابق من قيادات العمل السياسي وطغيانها على الحملات الانتخابية، وذهب إلى أن ذلك مؤشراً سالباً في ظل الرفض المتوقع بنتائج الانتخابات حال فوز الوطني أو القوى السياسية من مناصري كل طرف، والتأجيل يعد سانحة لحوار داخلي موسع. وينبّه شيخ الدين إلى ضرورة قراءة المؤتمر الوطني للمخاطر المحدقة بالبلاد ويحذر من كارثة وشيكة حال إعلان نتائج الانتخابات.