يعاني المحررون المسؤولون عن نشر مقالات الرأى في الصحف معاناة مركبة، عندما يتعاملون مع كُتَّاب واختصاصيين وخبراء وهواة كتابة تفترض الضرورة أو يفترضون هم ضرورة نشر كتاباتهم؛ إذ يتطلب الأمر التعامل بحذر مع المواد التي سيتم نشرها قدر مراعاة نظرة الكُتَّاب لكتاباتهم، وبعد ذلك تأتي موازنة النشر من عدمه وفقاً لسياسة الصحيفة وخطها، فضلاً عن «السنسرة» ومعالجة الأخطاء والمعلومات، وما يترتب على ذلك من ثورات غضب الكاتبين، والجدل الأبدي حول حق الناشر في التدخل أو عدم التدخل في مواد الرأى وما إلى ذلك. وفي هذا الحقل تزدحم ذكريات الزملاء بطرائف لا تُحصى ولا تعد، ولو قيض للبعض نشرها لاستمتع القراء بأدب متفرد وطريف من أضابير الصحافة. وفي هذا السياق يبقى موضوع حجب الكتابات عن النشر أمراً مثيراً لجدل لا يهدأ ولن يهدأ ما بقيت البشرية، إلا أن الحجب لم يكن أبداً حكراً على صحافة العالم ا لثالث، فقد أورد الكاتب «أياد عطية» في هذا الشأن أنه: منذ سنوات عكف «روبن اندرسن» الأستاذ المشارك في قسم الاتصالات والدراسات الإعلامية بجامعة «فوردام» الأمريكية بمساعدة مجموعة من طلبة القسم وبدعم من معهد الدراسات السياسية بواشنطن على تنفيذ مشروع يجمع فيه سنوياً المقالات التي لا تنشرها كبريات الصحف ووكلات الأنباء الأمريكية. ورأى «تشاد شارلس» طالب الماجستير في الجامعة الذي تولى عملية جمع المقالات غير المنشورة في أهم الصحف الأميركية وبينها «واشنطن بوست» أنه جمع آلاف المقالات التي يصعب فرزها، كما يصعب تبويب أسباب عدم نشرها. وقال «شارلس» إنه كان يعتقد أن المقالات التي لم تُنشر، إنما يعود السبب في عدم نشرها الى أن مسؤولي الصحيفة يضعون قيوداً على حرية تدفق الآراء، وأنه لم يتخيل قط أن هنالك أسباباً أخرى لعدم النشر. لكن وبحسب «شارلس» فإن القضية مختلفة بنظر محترفي الكتابة؛ إذ أنهم يمارسون رقابة من نوع آخر، إنها «الرقابة الذاتية»، يمارسون هذه الرقابة احتراماً لرأي القارئ وللحفاظ على مكانة الصحيفة من أن تتحول الى منبر للخطابة وتبادل الاتهامات. ووجد «شارلس» أيضاً أن المحررين في صحيفة «واشنطن بوست» يهملون العديد من المقالات الجيدة، لسبب لم يكن في حساباته كأن تكون المساحة المخصصة للمقالات لا تكفي لنشرها جميعا فيجري اختيار الأهم والأفضل، وقد توضع المقالات الأخرى وهي جيدة على الرف وربما ترمى في سلة المهملات. ويقول «شارلس» إنه ذهب ليلتقي بعدد من أصحاب المقالات التي لم تنشرها «واشنطن بوست»، فوجد أنهم جميعا يعتقدون أن مقالاتهم مهمة وأن أهميتها هي التي دفعت الصحيفة الى عدم نشرها. عرض «شارلس» مقالات هؤلاء الكُتَّاب على أساتذة وكُتَّاب معروفين فأجمعوا على أنها غير مؤثرة ودون مستوى ما تنشره «واشنطن بوست» من مقالات جريئة. ووجد «شارلس» أن عملية النشر تتعلق في كثير من الحالات باختلاف وجهات النظر في تحديد صلاحية النشر من عدمها، وقد تخضع العملية الى المزاج الشخصي للمسؤول عن النشر. لم يتعاطف «شارلس» مع الكُتَّاب الذين لم تُنشر مقالاتهم، مع أن المشروع كان دافعه الأول هو التعاطف مع الصحفيين الذين لم تنشر الصحف الأمريكية مقالاتهم لاعتقاده أن هؤلاء الكُتَّاب لا يستحقون التعاطف باستثناء الذين لم تُنشر مقالاتهم لأسباب شخصية، لأنهم لم يتعلموا قاعدة أساسية في الصحافة والإعلام، ليست لها أية علاقة بما يزعمون وهي قاعدة اسمها سياسة الصحيفة. خلاصة القول «غير صالح للنشر» تتعدد أسبابها والحجب واحد.