نستطيع أن نقول إن السودان نجح في توفير كل شيء وانتهى وفقاً لذلك عهد الصفوف واللهث وراء توفير الاحتياجات الأساسية .. ايضا نجح في محاربة السوق الأسود الذي كان في وقت من الأوقات متوفرا حتى في أبسط الأشياء واقلها وزنا.. ورغم النجاح في محاربة السوق الأسود إلا أنه وبكل أسف لم يستطع محاربة السوق الأسود في الدولار حيث انتعشت هذه التجارة وهذا السوق خلال العام الجاري 2010م .. انتعشت بصورة ملفتة للنظر، في كل الطرقات تجدهم منتشرين يلوحون وآخرون يلوحون بالعملة السودانية، بمعنى نشطت حركة البيع والشراء وباتت هذه التجارة التي كانت محرمة في وقت من الأوقات من الحلال المباح وأصبح لتجار هذه المهنة محال واماكن تجارية كبرى يمارسون من خلالها هذه المهنة. الآن بنك السودان هو وحده المسؤول عن إنتعاش هذا السوق لانه ضيق الخناق على الدولار عبر الصرافات ويصرف عليها (بالسيسي) كما يقولون وهؤلاء لا يستطيعون تلبية كافة إحتياجات المواطنين من الدولار أو ما يعادله من العملات الأخرى لأن هذه العملة أصبحت ذات إرتباط وثيق بحركة المسافرين خارج البلاد أو اولئك التجار والمصدرين وغيرهم .. فهؤلاء يستطيعون توفير هذه العملة بأي شكل من الأشكال ولكن (المريض) الذي ينوي السفر من أجل العلاج والصحة والعافية هو الذي سيلهث ويجري من أجل الحصول على حفنات من الدولار لا تغني ولا تسمن من جوع وعندما يتحصل على هذه الحفنات يكون قد ازداد مرضاً على مرضه وساءت حالته الصحية وقد تسبب في هذه الحالة الصحية المتدهورة بنك السودان بطريقة أو بأخرى فعلى بنك السودان أن يوقف هذا العبث وأن ينهي الصفوف التي امتلأت بها الصرافات خارجياً وداخلياً لتعكس صورة سيئة وقاتمة تعيدك للوراء لتتذكر معاناة السودان فأجيال الإنقاذ لا تعرف هذه الصفوف ولكنها حتماً ستعرفها لأنها تكاثرت وعشعشت أمام الصرافات .. ولعمري أن الوجوه التي رأيتها أمام الصرافات ليست أغليها بالمريضة أو المسافرة من أجل شيء ما ولكنهم في الغالب تجار دولار .. وقد علمت أن تجار الدولار هؤلاء لايأتون للصرافات بأنفسهم ولكنهم استغلوا البعض ليذهب للصرافة وبحوزته كمية من الجوازات المؤشرة ليقوم هو بالحضور المبكر (منذ صلاة الفجر) وذلك مقابل مبلغ زهيد يعطيه له تاجر العملة الكبير الذي يكون نصيبه نصيب الأسد وهكذا تتكرر نفس الوجوه لتضيع الحالات التي هي في الأصل بحاجة للدولار لتضطر بعد ذلك للذهاب للسوق الأسود الذي هو بفارق كبير عن أسعار الصرافات .. يدفع دم قلبه من أجل الصحة والعافية لينعم بدولار بنك السودان اقصد دولار الصرافات أشخاص ينعمون بالصحة والعافية ولكنهم تجار يأتون من أجل الربح وهم سعيدون سعادة كبرى لأن الدولة قد قننتها لهم ولم يكن هنالك من يسألهم من أين جاء هذا الدولار .. فعندما تشاهد الآلاف أمام الصرافات يتبادر لذهنك أن البلاد خالية تماماً من دولار واحد ولكنك عندما تذهب لتجار السوق الأسود والذين تجد عندهم الكثير من الدولار والأسترليني واليورو والريال تتيقن يقيناً تاماً بالمفارقات وحينها ستصمت وتقول «اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه» .