{ لا يبدو كسؤال إذا جاء ضمن جلسة لشباب يتبادلون سيجارة خضراء (بالعربي بنقو)؛ إنما حينها سيكون مجرد استفتاح لعملية تبادل (أنفاس مساكين) سقطوا بكامل بطاقاتهم الشخصية وأزيائهم وأفئدتهم وهواها في وحل المخدرات التي وربما هي حسنة تتلخص في معظم بلاغات الترويج والاتجار والتعاطي في مخدر (البنقو) و(الحشيش) كنوع داخلي يزرع ويعد داخل السودان بجانب (القنب) و(القات) التي تجلب من الدول المتاخمة عن طريق التهريب بالحدود. { دون غيرهما من المخدرات الكيميائية والمعدّة في شكل بودرة وحبوب ومزيج كريستالي قاتل والغالية من ناحية الاستيراد والتهريب عبر المطارات للبُعد الجغرافي لبلدان تصنيعها وصعوبة تمريرها عبر وحدات التفتيش الجمركي وإن دخلت فإن سعر بيعها مرتفع جداً لا يستطيعه إلا الموسرون وهم قلّة لتلك الأسباب ذاتها. { لهذا يتسيَّد (البنقو) جلسات التسطيل وعوالم الكيف غير المباح ويسيطر على عقول الشباب الذين بجهل بريء يتناقلون علانيةً وجهراً أنه غير ضار بالنسبة للمخدرات الأخرى وأن دخانه يريح الأعصاب التالفة وينتج فيها خلايا الإبداع ليصبح (الساطل) فناناً في مجاله، أياًّ كان، وأنك تستطيع في لحظة تأخير توريد أو فلس أن تتغاضى عنه دون أي ضرر يصيب أعصابك كما تبيِّنها الدراما ويمكنك في صحوة ضمير أن تقلع عنه تماماً دون أن يشك أهلك بأنك تتعاطاه في الأصل. { وأصل هذه الفتوى الغبية بين الشباب هي أن سيجارة (البنقو) تحلو بالتبادل والتمرير بين الأفواه كحالة أشبه بالتذوق منها إلى التدخين، لذلك فإنه كلما كثُر الحضور والاستقطاب كلما زاد التوريد لتلك الجلسة و(حِلَت القعدة). { وهذه القاعدة التي تستند عليها الفتوى يمكن أن تُنسف تماماً في حالة حدوث سوء تفاهم بسيط وما أكثره هذي الأيام في تمريرة أو تعليق ساخر (ساطل) أو مشادة على جمع مال التوريد، فتتحوَّل بعده القعدة إلى مسرح جريمة قتل أو أذى جسيم ويذهب الجميع لتخميس الحراسة حتى اكتمال التحقيق. { وحينها تبدو الحقيقة في مذاق ألسنة العقل غير قابلة للّف والتدوير بأن الحالة العصبية التي سيدخل فيها المتهم بالتعاطي إن لم تكن بالإتجار لا علاقة لها بالمعاملة القاسية من أفراد الشرطة له وعدم التقيُّد بحقوقه القانونية والإنسانية، إنما هي في أصل معاملته المتلّفة لأنسجة مخه باستمرار تعاطيه للمخدر، مما عطّله عن تمييز الخطأ والصواب لنفسه أولاً ولمن حوله فيما بعد. { وأن مزاجه المتنقل من سيء إلى أسوأ في وجوده داخل الحراسة له علاقة لا ريب بانقطاع التوريد عنه وله صلة باكتشافه مؤخراً أنه قد تمَّ خداعه من الشباب بتمرير معلومة خاطئة وفتوى فرضية عن عدم تسبُّب (البنقو) بالأذى لأحد. { إن واحدة من أهم مناطق الأذى للمخدرات باختلافها مصنوعة ومزروعة هي المجتمع لا شك؛ فالتحوُّل النفسي المخيف لمتعاطي المخدرات كمثال أحال مجتمعنا إلى حالة فوضى من العنف غير المبرر أبداً في كل مذاهب علوم النفس والمجتمع وأدخل ذلك الخوف وعدم الثقة في داخل الأسر وبين الأشقاء فصرنا سبحان الله نقرأ يومياً على خطوط عرض صحف الحوادث عن شقيق يقتل شقيقه وأخت تطعن أخيها وابن يذبح أباه و... إلى آخر كل الفظاعة التي ينتهي التحقيق فيها بتحديد حالة المتهم وقت ارتكابه الجريمة بتعاطيه لجرعة مخدرات أو خمر ثمَّ تنتهي حياة أسرة بكاملها. { وكامل الأذى يتمثَّل اقتصادياً وأمنياً ودينياً لا شك في انهيار كل معاييرهم لدى الفرد المتورِّط في المخدرات، إن كان بالتعاطي أو الإتجار أو الترويج أو حتى التسهيل والترغيب وقد أصبحت مؤخراً مهنة لفتيات وشباب مما يشكِّل في آخر الأمر مجتمعاً متخلخلاً لا يقوى على فعل تغيير، وهشَّاً يقبل كل تشكيل، وهو ما يجعل من المخدرات خطراً سياسياً في المقام الأول للدول المتقدمة في محاربتها. { وتقديم الشكل الساخر والمضحك الذي يروِّج له (المساطيل) في مفارقات الحدث أو الحديث بينهم إنما هو البكائية المكتومة وغير المعلنة لحالة اللاوعي والانحدار الحاد لكل تلك المعايير فيه؛ حيث يشاهده المسطول وحده على شاشة عرض السيجارة الملفوفة بابتذالها المغري له أن يخمِّسها.