الرئيس اليوغندي يوري موسيفني رجل لا يمكن أن تحدد له عمراً بقياس السنوات، لا تجاعيد ترتسم على شكله، والمراقب لا يستطيع التقاط علامات الكهولة وتقدم السنوات في ملامحه. إنه شخصية غامضة وديماجوجي!! لكنه يتحرك بخفة ونشاط وحيوية كأنه ثعلب خط الاستواء، وقد ينظر إليه البعض على أنه رجل الصراعات الملتهبة والأدوار المحيرة في منطقة البحيرات، وصاحب الحبل الممدود مع العالم الغربي والقطبية الواحدة. دراما العلاقة بين كمبالا والخرطوم تمثل لوحة متشابكة من التناقضات والعجائب والزوايا المدهشة. وقد تشعر بأن كل طرف ينسج خيوط العنكبوت اللزجة حتى يقع الآخر في شِراكه!! وترى بالعين المجردة الهواجس والظنون متأصّلة في عمق الوشائج بين البلدين. عطفاً على ذلك يلعب الرئيس موسيفني على الوتر الحساس المتمثل في قضية جنوب السودان وعلاقته الإستراتيجية مع الحركة الشعبية، فهو يحاول تقديم نفسه أمام العالم كأنه الجار الحميم المعني بانتشال الجنوبيين من وهدة التخلُّف والاستبداد والظلم الواقع عليهم من الشمال حتى في ظل تطبيق اتفاقية نيفاشا. والرئيس موسيفني يستخدم براعة متناهية في ترجمة صورة التعاطف معجونة بإحساس واجبات الدم والقرابة مع أهالي جنوب السودان في سياق تحقيق تطلعاتهم وبالمقابل تصنّف الخرطوم منهجية الرئيس موسيفني في خانة الخصومة الغليظة التي تحاول الاصطياد في الماء العكر وتتجاوز حدود الخطوط الحمراء في عدائها الصارخ لنظام البشير وربما يكون هذا الإحساس الواضح قد دفعهم إلى مساندة قوات جيش الرب التي تحارب نظام موسيفني بضراوة في أحراش الحدود اليوغندية وجنوب السودان. لقد ارتسمت لوحة بليغة تعكس مآلات العلاقة المضطربة المحفوفة بسوء الكيل والصدامات بين القطرين عندما ذكر بيان عن مكتب موسيفني بأن الدعوة وُجِّهت لجميع الرؤساء الأفارقة لحضور قمة الاتحاد الإفريقي الذي سيُعقد في كمبالا خلال يوليو القادم باستثناء الرئيس السوداني عمر البشير على خلفية مطالبة المحكمة الجنائية. وهنا ارتفعت وتيرة الغضب من جانب الخرطوم، وكان رد الفعل الرسمي السوداني قاسياً، فقد طالبت الخرطوم بأن تقوم الحكومة اليوغندية بالاعتذار أو نقل القمة الإفريقية إلى مكان آخر!! عنصر المفاجأة كان سريعاً حيث اعتذرت كمبالا عن بيان مكتب موسيفني وتراجعت عن القرار ووجهت الدعوة للرئيس البشير لحضور قمة الاتحاد الإفريقي في يوغندا!! الشواهد من ثنايا الواقعة تدل على أن موسيفني يمارس تكتيكاً محكماً للضغط على بيت القصيد وإثارة القلاقل والمشاعر المليودرامية في تركيبة حكومة البشير مصحوبة بالضجيج والفوران الذي ينتج عنه المنهج التحذيري والتحوطات. ومثل هذا الأسلوب قد يجعل سفر البشير إلى كمبالا خلال يوليو القادم في حكم الدراسة والتقييم التي تخضع لجميع الاحتمالات. لقد ظل موسيفني يعادي الخرطوم في سياق رؤية بعيدة تندلق صوب الملف الجنوبي وأبعاده وتطوراته. وغالباً يحاول توظيف أساليب التمويه والدهاء عند تطبيق هذا المنهج وفي أحايين أخرى يرسم الخطوات الجريئة لذلك. وفي الذهن كيف شارك الرئيس موسيفني في احتفالات فوز الفريق سلفاكير برئاسة حكومة الجنوب بينما تغيّب بشكل صارخ في كرنفالات تنصيب البشير في الموقع الرئاسي. بقدر ما تلوح في الأفق ركائز الصداقة الممتدة والعلاقة الحميمية بين موسيفني وقيادات الحركة الشعبية فإن رغبات الأطماع والنظرة الانتهازية موجودة في دواخل موسيفني، فهو يطمع في أن يكون قيِّماً على ثروات الجنوب المقدرة التي تشمل البترول والمعادن والمساحات الزراعية الواسعة وأموال المانحين الموعودة، وذلك انطلاقاً من سوء الأحوال الاقتصادية في يوغندا. وفي السياق يرى الكثيرون بأن موسيفني وفقاً لخياره وطموحاته وارتباطه الوثيق بالغرب يحاول القيام بدور كاوبوي خط الاستواء الذي يتدفق حيوية وعنفواناً لتقديم الخدمات المطلوبة لمنظومة العالم الأول من وحي الإستراتيجية بعيدة المدى في منطقة البحيرات وخط الاستواء. ولا يختلف إثنان في وجود رؤية أمريكية وأوروبية مشتركة تفضّل انقسام الجسم السوداني إلى شطرين على الأقل حتى يتسنى قيام دولة الجنوب وقد يكون موسيفني من الأدوات النافذة لتمرير هذا المشروع الغربي خصوصاً في ظل المزايا التي تؤهله للإقدام على هذه الخطوة من واقع ارتباطه الوجداني والجغرافي بالجنوبيين!! إلى جانب ذلك فهو يتبرع بمهام ابتزاز حكومة البشير ويعتقد من منظوره بأن الجنائية الدولية وما يشاع عن نتائج الانتخابات المزورة تمثل العوامل التي تساعده في تحقيق ما يصبو إليه. وموسيفني يجيد خلط الأوراق بمهارة في سياق رسم الحيلة والفهلوة وعيناه تحدّق على جوباوالخرطوم.