بعض المدارس الثانوية اكتسبت شهرة واسعة.. وسمعة مدوية.. وكان البعض يعتبرها في ذلك الزمن الجميل وكأنها نبع من وجدان هذا الشعب الأبي.. مدرسة حنتوب الجميلة والتي تغنى لها الفنان صاحب الصوت الأسيل التاج مصطفى.. ومدرسة خورطقت، ومدرسة وادي سيدنا، هذا الثلاثي فقد البريق واللمعان.. ومع تطور الحياة اشرأبت إلى الوجود العديد من المدارس الثانوية الخاصة والحكومية خطفت الأضواء وسحبت البساط.. كان الطالب فيما مضى يجد هالة من النور وفيض من الثناء والتقدير، عندما يتم قبوله بإحدى هذه المدارس الثلاث.. ولا زلنا نتذكرها باحترام ومحبة، لأنها أضاءت حياتنا بما قدمته من انجاز رائع.. ونجاح صادق.. عبر أجيال مضت.. وقوافل من الخريجين ساهمت في إرساء دعائم التقدم والانطلاق نحو غدٍ أفضل.. وكانت خلاياها معجونة بهموم الوطن وقضاياه. المدارس الثانوية كانت في السودان تُعد على أصابع اليد الواحدة. أما الآن ففي كل حارة أو مربع تجد مدرسة ثانوية! لقد انداح التعليم بصورة أوسع وأشمل. ومع ازدياد عدد السكان ارتفعت نسبة التعليم وهذا بالطبع شيء ايجابي ومفيد ولكن هناك من يرى أن العملية التعليمية تحتاج إلى مراجعة ووقفة خاصة هناك من ينادي بضرورة إلغاء السُّلم التعليمي الحالي والعودة إلى النظام القديم، وآخرون يرون التمسك به مع إضافة بعض التعديلات، وهناك بعض الأصوات ترى أن المقررات المدرسية فوق طاقة ذهن واستيعاب التلاميذ، بل هناك مواد لا توجد ضرورة أو أهمية لتدريسها لأنها عديمة الجدوى وأن كثرة المواد الدراسية لها جوانب سلبية أخرى مما يضطر معها التلميذ أن يحمل «دُقشة» من الكتب ذهاباً وإياباً مما يسبب له مع مرور الأيام آلاماً في الظهر وأوجاع مفاصل. في إحدى دول الخليج تمت دراسة ظاهرة هذه الآلام والأوجاع التي تصيب التلاميذ حيث اتضح أن كثرة الكتب المدرسية في الحقيبة التي يحملها التلميذ في غدوه ورواحه هي السبب فيما يعانيه من آلام، حيث تم الوصول إلى اتفاق يقضي بعمل أقفال للأدراج في الفصل وترك الكتب فيها، إلا إن هذه التجربة لم تنجح كثيراً لأن التلميذ ومن ناحية نفسية يفضِّل أن يحمل معه كتبه وكراساته إلى المنزل. كان التعليم الحكومي في زمن سابق لاسيما في المدارس «الوسطى» كما كانوا يسمونها والثانوي الآن، هذا النوع من التعليم بشقيه قوياً وفعّالاً.. وكانت أمنية الطلاب هي القبول في المدارس الحكومية حيث كل شيء متوفر وموجود بدءاً من مرحلة الأولية. ولا زالت تداعب الذاكرة «الدرج» الأخضر وبه المحبرة البيضاء والريشة وأقلام الألوان. أما الكتب والكراسات فإننا نشتم منها رائحة المطابع والأحبار وذلك لشدة جدتها ورونقها.. في السنوات الأخيرة بدأ التعليم الخاص يأخذ طابعاً مغايراً وذلك لما أحرزه من نجاحات وتفوُّق.. وتقلّص دور التعليم الحكومي وتراجع.. بل أصبح هذا النوع من التعليم مجالاً للاستثمار سريع العائد ، كثير الربح.. وأخذت المدارس لا سيما الثانوية تجتذب المعلمين الأكْفاء في كافة التخصصات الأمر الذي جعل بعض المدارس الخاصة في أن تسجّل في امتحانات الشهادة أرقاماً قياسية رفيعة. بالرغم مما يدور همساً بأن المدارس الحكومية ما عادت كسابقها من حيث التفوق والنجاح، إلا أننا لا بد أن نقول بالصدق كله أن هناك عدداً من المدارس الحكومية الثانوية مشهود لها بالصدارة والتفوُّق لأن إدارات تلك المدارس تقبض على زمام القيادة بكل حرص وجدية، بل هناك من المدارس الحكومية ما يتفوق على المدارس الخاصة. بالمناسبة لا بد من وقفة تأمل ولحظة تدبر وذلك بإقامة سمناراً كبيراً أو ورشة عريضة لمناقشة أسباب انتشار التعليم الخاص.. وتراجع مستوى التعليم الحكومي. إذا ألقينا نظرة فاحصة ومتأنية على نسبة التفوق في الشهادة الثانوية، نجد أن البنات أكثر تفوّقاً ونجاحاً من الأولاد والسنوات الأخيرة من إمتحانات الشهادة تؤكد تفوّق (حواء على آدم) وحلقات الصدارة مربوطة بتعاون المدرسة والأسرة وكذلك المجتمع. والطالبة بحكم تكوينها ونشأتها هادئة ومطيعة، وربما أحياناً يخالجها بعض الخوف والقلق، لهذا تجتهد كثيراً وتُرهق نفسها من أجل الحصول على نتيجة مشرِّفة بالإضافة إلى والدتها التي تساهم وبذكاء أمومي ناضج في تهيئة جو الدراسة والتحصيل. أما الطالب فالبرغم من وجود الكثيرين الذين يتميزون بالاهتمام والحرص على إحراز نتيجة متقدمة، إلا أن هناك من يعشق دنيا اللهو وتقضية الوقت فيما لا يفيد، ليأتي وقد أوشك قطار الإمتحان على الوصول فيسارع وقتها للمذاكرة والمراجعة ولكنه يجد الوقت لا يسعفه ولحظتها يسقط في بئر الندم والأسى والحسرة. انكمشت وبشكل لافت تلك الأمنية الذهبية والتي كانت حُلم كل متفوق في أن يصبح طبيباً وعندما يجد نفسه محاصراً بالسؤال التقليدي (ماهي الكلية التي ترغب أو ترغبين الانتماء إليها)؟ حقاً لا بد أن نشيد ونبارك المفاهيم الجديدة والواعية التي بدأت تصاحب عقول وأفكار هذه الأجيال الجديدة وهي مفاهيم مستنيرة ورؤية وضيئة سوف تساهم في مستقبل الأيام في وضع لبنات تلهب الأكف وتسمو بالوجدان وأن إحراز النسبة الكبيرة ليس بالضرورة أن يكون صاحبها منتمياً لكلية الطب. دعوني أولاً أعتذر عن هذه السطور الخاصة ولكنني أرى وبما تحمله من معانٍ.. قد خرجت من شارع الخصوصية وأصبحت وكأنها شأن عام تستحق التصفيق والتشجيع. ابنتي ملاذ أطلت عليها عصراً وبعد المؤتمر الصحافي لإذاعة الشهادة الثانوية الأستاذة الصحافية ميسون عبد الرحمن بصحبة «تيم» من صحيفة (الانتباهة) الغراء جاءت لتجري معها حواراً صحافياً باعتبارها إحدى الطالبات المتفوقات من مدرسة أسماء عبد الرحيم النموذجية (مدرسة حكومية) حيث كانت نسبتها (95.6) سألتها ما هي الكلية التي ترغبين فيها؟ فأجابتها وبدون تردد أو تأخير أرغب في دراسة الصيدلة. بادرتها الصحافية ميسون لماذا ونسبتك العالية تضمن لك موقعاً مريحاً في كلية الطب؟ أجابتها الابنة ملاذ لقد أحزنني كثيراً تفشي وانتشار مرض سرطان الأطفال.. وأشعر بالحزن والألم عند قراءة أي خبر لطفل أُصيب بهذا الداء اللعين.. ولعل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني ومعي آخرين في اكتشاف دواء يساعد في تقليل أو الشفاء من هذا المرض اللعين وسط هؤلاء الأطفال الأبرياء!!. لقد شعرت بالفخر والإعزاز أن ابنتي ملاذ وهي في طريقها وبإذن الله إلى ردهات الجامعة تحمل معها قضية سوف تحترق من أجلها وتزود عن أهدافها وهي بهذا الطرح النبيل تمثِّل هذا الجيل الجديد الذي يسعى ومن خلال العلم والمعرفة لخدمة البشرية جمعاء. { في كلمات: من فرط تواضعه وزهده في جلسته ومظهره لا يمنحك الإحساس بأنه رجل دولة ومسؤول بدرجة وزير، إنه أسامة عبد الله وزير الكهرباء والسدود فهو رجل يعشق التواضع ويهوى البساطة. { أتساءل بحرقة وأسى.. كيف يعيش أصحاب الدخول المحدودة وهم بين مطرقة ضعف الرواتب وسندان ارتفاع السلع الضرورية كل يوم حتى سلعة السكر «رفاهية» الفقراء والمساكين سعرها في ازدياد مستمر مع العلم بأننا نملك عدداً مقدراً من مصانع السكر؟! لا أحد غير الدولة مسؤول عن ما يحدث وتحرير الأسعار ليس معناه السير فوق جماجم البسطاء والمعدمين. { من جهة الخرطوم ومن الناحية الغربية لجسر المك نمر يشاهد الجميع بعض الآلات والمعدات الفخمة تمزِّق أحشاء الأرض وأخرى ترتّب لتسويتها تمهيداً لاندياح الأسمنت «كلمونا» هل تم أيضاً بيع هذا الموقع النيلي الفريد مثلما تمّ الاستغناء عن العديد من المواقع بشارع النيل؟!.