{ لم نعد نثق في براءة مصارف المياه؛ فهي إما ممتلئة بالأوساخ والمياه الآسنة والمتشردين الذين وقد عادوا مرةً أخرى أو مقبرة لجثث القتلى والمغتصبين من الأطفال. لم نعد نثق في مصارف المياه ولا مصارف الأخلاق في هذه البلد. { ما الذي حل بنا؟ ماذا حلّ بالقيم التربوية السودانية/ الدينية التي كانت تتغلغل في أصول التربية الاجتماعية حتى تكاد تكون هي الأصل فيها التي كانت تنبت مع أسناننا اللبنية الأولى ولا تقع حين (نسنِّن) تبقى داخل (مينا) عقولنا أساساً عليه تظهر أخلاق سنواتنا القادمة وبدون تسوس. { لماذا حلّ بنا غضب الله سريعاً؟! كل يوم تفجؤنا الأخبار بقتيلة مصرف مائي، إما مجرى أو نهر أو ترعة أو صرف صحي، (صغيرة على الجنس) وكانت الراحلة سعاد حسني رائعة في فيلم (صغيرة على الحب) ووقتها كان مثار جدل النقاد للإشارة غير الأخلاقية لانخراط البنات صغيرات السن في مجاري الحب النظيف رحمها الله وزمانها تشاء لهنّ الخطوات المتعثرة أن يقعنّ على أرض رجال مرضى ما زلن صغيرات على الوقوع فيها فيمُتن من هول الوقعة والواقعة. { وتوقع اختفاء طفل أصبح لا يحتمل أبداً لعبة (الدسوسية) البريئة، بل يقع دائماً في ذات المصرف الوحيد للاختفاء بأنه تم الاعتداء عليه، ومن قبل القانون الجديد الصارم والرادع كما فرحنا ومن بعده يستمر مرضى جنس الأطفال بتمريغ أجسادهم في وحل رغباتهم الدنيئة عبر تسهيلهم لرغباتهم الطفولية البريئة. { وما قبل هذه السنوات كان يمكن للأطفال الخروج نهاراً جهاراً للعب أمام المنزل وفي الميدان قرب البيت وعند الجيران. كان يمكن أن يهدي الطفلَ أيُ غريب حلوى أو بسكويت لمجرد تبسمه في وجهه ببسمة الطفولة غير المقيدة بمعرفة. الآن لم يعد ذاك ممكناً؛ فالحلوى مسمّمة برغبة مريضة لاقتلاع براءته وابتسامته ورغبته في الحياة، واللعب مرهون بمراقبة أقرب الأقربين اليه وقد انحصروا في الأب والأم رغم وجود حالات مرضية من آباء أما بيت الجيران فقد أصبح من المناطق المحرّمة ما لم يكن في وجود الأم. { والأمهات يلقين ألف مرّة في مصرف الألم والحزن ووجع الحشا من خبر الاختفاء أولاً ولعبارات اللّوم بالإهمال والانشغال لخبر الاغتصاب المرير ثم الموت المفجع. إلا من بعد لطف الله لها بالصبر يمكنها أن تمشي بين الناس تسمع الضحكات وتأكل الطعام وترعى الصغار الباقين تزرع هذه المرة في عقولهم شريحة عدم الثقة المزعجة الأزيز تنبئهم بخبر أختهم التي ذهبت مرة للأبد بعد أن وقعت في مصرف لماء آسن من رغبات البشر وغرقت لنقص أوكسجين المروءة والأخلاق. تحكي لهم قصة ما قبل النوم عن الشيطان مغضوب الله الذي اشترى جلد البشر وساح فيه. فيخرج جيل من أبنائنا لا يوجد في نفسه وعقله وإيمانه سوى الخوف من الآخر أي آخر. { وآخر أسوأ القصص التي تقصها علينا الأخبار ويوميات البلاغات هي لقتيلة مصرف أخلاقي لم تتعدّ الأربع سنوات، لم تجِد المشي جيداً، لم تشرع أسنانها في القضم والعضّ جيداً، لم تفرغ بعد أمها من توضيب فراشها المبلل بخوفها الليلي من (القطة) وموائها العادي، لم تتعلم بعد فوضى الأسئلة المحرّجة (نحنا جينا كيف؟) وقبل أن تتنفس صعداء الإجابة يخبرها الشارع بفوضى إجابات أخرى شيطانية لا تعيها ولا تعيد السؤال ولا التنفس مرتين. { وأنا أم ومثلي ألف أخرى وآباء تطفر الدموع من عيوننا لمثل هذه القصص نتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم الذي تلبّس بعض الرجال فطفقوا ينشدون متعة الجنس على أجساد لم تبلغ بعد سن الكلام فما بالك بممارسة الغرام. { لا نعرف أين نخبئ أبناءنا أو نختبئ نحن من هذا المس الشيطاني القاتل؟ كيف نحميهم من الغرباء ونعلمهم في ذات الوقت ضرورة الحياة مع الآخرين! كيف نحمي أنفسنا من خبر لا قدره الله بعد الآن لأحد سئ يخبرنا أننا لم نعد نحيا بعده؟ ووكيل نيابة خارج نطاق العمل اليومي يتمنى أن يترك العمل حتى لا يسمع إحداثيات هذه القصص ويعود مستغفراً أن العزاء في القانون الذي يثبت إيماننا بالحق. { هل يكفي الحكم المؤبد بعد ثبوت الإدانة على مغتصب طفل وللأولاد نصيب منه فقط لا يحتوي القتل أم يبقى القصاص بعد التعرف على الجثة الملقاة في مصرف متعفن من المسكوت عنه؟ ماذا عن التي أنقذها الله لسبب يعلمه وحده من براثن الموت، هل يكتب لها الطبيب مع شهادة فقدان العذرية فقدانها العفوية والبراءة والإيمان بأن هناك آخر غير مؤذٍ لها؟ هل يوقع القانون على قاتلها وهناك قتل مؤقت بطئ مع سنوات إدانته معها سنوات إعانتها على العيش بشكل طبيعي مرة أخرى؟؟ { ومرةً أخرى ستكون الأخبار السيئة هي الموجودة في الصرف اليومي لغضب الله علينا مادمنا نخبئ أسماء المغتصبين وصورهم بحروفهم الأولى وننشر صور الضحية الصغيرة إمعانا في الأذى والدموع! نحمي بقوانين النشر والشرطة المتهم حتى بعد ثبوت إدانته وتنفيذ الحكم عليه نتحمل وزر عدم رؤيته ومشاهدته الغالية للناس بعد خروجه سالماً من سجنه ليمشي بين أبنائنا يوزع حلوى خروجه عليهم ويحفر بخطواته مصرفاً جديداً لجريمة أخرى صغيرة!!