كثيراً ما تجنح قيادات الصف الأول بالحركة الشعبية نحو الحديث بعبارات توحي بنية مبيتة نحو الانفصال، في وقت انصب فيه حديث الحكومة والمعارضة نحو الوحدة، والشواهد تترى، وعلى سبيل المثال قال رئيس الحركة الشعبية الفريق أول سلفاكير ميارديت خلال لقائه بمدينة جوبا البعثة المشتركة لمنظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية «الثلاثاء 27 يوليو الماضي» إن هناك أملاً في تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب حتى بعد حدوث الانفصال. وفي احتفالات الذكرى الخامسة لرحيل سلفه د. جون قرنق دي مبيور دعا سلفا الجنوبيين الموعودين بوظائف في المركز إلى تركها والتوجه للجنوب، وتعهد بتوظيفهم. وحين شارك الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في قمة كمبالا دعا الأفارقة في ختامها «الاثنين 26 يوليو الماضي» إلى الاعتراف بدولة الجنوب إذا اختار شعبه الانفصال، وفي اليوم ذاته سخر وزير رئاسة مجلس الوزراء القيادي بالحركة مما أسماه الطرق على طبول الوحدة من أحزاب الشمال، وقال في منتدى المركز القومي للإنتاج الإعلامي بالخرطوم إن «الجنوبيين عارفين الحاصل» وطرق طبول الوحدة يزيدهم إزعاجاً ويحملهم على الانفصال، وحذر من طرد الجنوبيين في الشمال، وتكهن بأن يقابل بطرد الشماليين في الجنوب، واعتبر تكميم أفواه الانفصاليين جرماً. في منبر «أخبار اليوم» وفي يوم الاثنين ذاته قال نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان إن قطاع الشمال وقوى السودان الجديد بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ستعيد وحدة السودان إذا انفصل. وفي صحف السبت 31 يوليو الماضي قال وزير النفط لوال أشويل دينق إن الجنوب يمكن أن يعود للوحدة بعد الانفصال إذا حدث بعد 5 سنوات، إذا لم تحدث مشاكل بين الشمال والجنوب، وإلا فستتم الوحدة بعد 10 سنوات من الانفصال. ويرى المراقبون أن الحركة حادت عن تحريض المواطن الجنوبي على الوحدة وتركت له الحبل على الغارب رغم دعوة اتفاقية نيفاشا لها والمؤتمر الوطني للعمل على ترجيح خيار الوحدة، وحمل ذلك السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد عقب لقائه مع نائب رئيس الجمهورية «12 يوليو الماضي» على حث الحركة لبذل الجهد نحو الوحدة، لكن عضو التحالف الوطني الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي المحامي محمد ضياء الدين وصف موقف الحركة بالضبابي والمساهم في دعم الانفصال، وذهب إلى خفوت صوت التيار الوحدوي داخلها وعلو صوت التيار الانفصالي يوماً بعد يوم، وذكرها - الحركة - بالواجب المبدئي والأخلاقي لدعم قضية الوحدة وتهيئة المناخ المناسب لإنزال العبارة التي ترددها «الوحدة الجاذبة» إلى أرض الواقع في المقام الأول من منطلق حكمها لإقليم الجنوب وحصرية الاستفتاء على الجنوبيين، وأعرب عضو التحالف عن أمله في تحكيم صوت العقل وقطع الطريق أمام الانفصاليين للاستفادة مما تبقى من وقت «5 أشهر» لاستكمال شروط وأسس جعل الوحدة جاذبة. وبشأن طرق عدد من قيادات الحركة على أوتار ظلم الشمال للجنوب يرى المحامي محمد ضياء الدين أن الرجوع والدعوة للطرق على المظالم من شأنه أن يقعد بالدعوة للوحدة، ويشير في حديثه ل «الأهرام اليوم» إلى إعطاء اتفاقية نيفاشا الجنوب للجنوبيين إضافة إلى إعطائهم جزءاً كبيراً من استحقاقات الشمال، ويؤكد أن نيفاشا عالجت المظالم برضا الطرفين مما يعني إغلاق باب العودة إلى المظالم وفتح باب دعم قيام الدولة المدنية القائمة على أساس الحريات وحق المواطنة. وينسف عضو التحالف الوطني التحجج بإنفاذ المشاريع في الجنوب بقوله إن الحكومة المركزية تحملت جزءاً منها والحركة نفسها تتحمل الجزء الأخير، ويدعو الحركة إلى تقديم كتاب إنجازاتها بالخصوص في الإقليم منذ توقيع الاتفاقية، ويوضح أن دعم المجتمع الدولي لم تتحقق منه نسبة 10 % ،ويفند لوم لوكا بيونق لأحزاب الشمال في عدم مخاطبة الجنوبيين بالوحدة بغياب الحراك السياسي في الجنوب منذ الاستقلال، للاحزاب الجنوبية والشمالية، ويطالب الحركة بتوفير المناخ السياسي للأحزاب وعدم ترك الجنوب تحت رحمة الانفصاليين الذين يمنعون الوحدويين من التعبير عن موقفهم الداعم للوحدة، ويشدد ضياء الدين على كل الأحزاب في الشمال بأن تزيد من جرعة تركيز مفهوم الوحدة لدى كل الجنوبيين الموجودين في الشمال، ويشير إلى تقديرات أعدادهم ب 3 ملايين جنوبي، ويرى أنه بإقناعهم وإضافة إلى الوحدويين في الجنوب يمكن أن تتحقق الوحدة التي اتفق على أن نسبتها 50+1 ، ويوجه الناطق الرسمي باسم البعث نقداً مباشراً لترك تحديد مصير السودان للجنوبيين فقط، ويقول إنه كان ينبغي أن يتم بأغلبية السودانيين. لكن مستشار وزارة الإعلام القيادي بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي قلل من تأثير مناداة تلك القيادات بالانفصال وراهن على المواطن الجنوبي وقال إن الإرادة الجنوبية الحقيقية مع وحدة السودان، وانتقد أصوات الحركة الطارقة على باب الانفصال، واتهم ربيع الحركة الشعبية بعدم مغادرة خانة الجيش، وقال إنها لم تستطع أن تتكيف سياسياً مما غيب عنها معرفة نبض المواطن الجنوبي بعد انفرادها بالسلطة حسب عبد العاطي، الذي لا يرى في التهديد بالانفصال من قبل الحركة سوى شعار سياسي مقابل الوحدة كقيمة ومبادئ اجتماعية أكثر ثباتاً من الشعار السياسي، ويرد القيادي بالوطني على التحجج بالمشاريع بقوله إن الأخيرة لم تر طريقها إلى النفاذ بالسودان كله إلا بعد استخراج البترول وأن الجنوب حظي بمشاريع تنموية وذهبت له أموال أكثر من الشمال وأن مليارات الدولارات لم تر طريقها لأرض الواقع التنموي بالجنوب، ويتهم ربيع الحركة بعدم إنفاذ مشاريع في الإقليم، ويبدو في حيرة من أمره حين يقول إنه لا يدري أين ذهبت أموال المواطن الجنوبي، ويراهن على اختلاف إرادة المواطن الجنوبي عن الحركة الشعبية، ويحصر مطلوبات إنسان الإقليم الحقيقية في المطعم والملبس. ويوافق القيادي بالوطني عضو التحالف في ما ذهب إليه ويؤكد وجود مضايقات كبيرة للأحزاب الشمالية في الجنوب بما فيها الحزب الشريك في نيفاشا «المؤتمر الوطني» نفسه، ويشتكي ربيع من عدم إتاحة الحرية الكاملة لنشاط الأحزاب بجنوب السودان، ويصف الحركة بالمعوقة لتوغل الأحزاب هناك ومشاركتها في حملة دعم الوحدة من أجل ضمان استفتاء حقيقي خال من مؤثرات الحركة من منطلق أهمية القضية لكل السودان، ويدعو عبد العاطي قيادات الحركة للانتقال من النظرة القاصرة إلى الشاملة، ويحذر من تأثير عواقب النظرة القاصرة على السودان وأفريقيا جمعاء. أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين والمراقب السياسي بروفيسور حسن علي الساعوري فقد وجه اتهاماً مباشراً للحركة بعدم الالتزام باتفاقية نيفاشا الداعية للعمل على تحقيق الوحدة، ويستند في ذلك على علو الصوت الانفصالي وعدم اتخاذ أجهزة الحركة قراراً واضحاً يدعم خيار الوحدة، ويفسر ذلك بنيات الحركة المبيتة بين الراحل د. جون قرنق والمجموعات الانفصالية بتحرير الجنوب أولاً ثم فصله عبر الاستفتاء ثانياً، ويصف ترديد الوحدة الجاذبة على أفواه قياداتها بمجرد مفهوم مبهم، ويشير إلى إعطائها كل الجنوب عدا جزء بسيط من أعالي النيل ومشاركتها في حكومة الشمال، ويتساءل هل هناك جاذبية أكثر من أن تعطى الحركة 50% من النفط الذي يعتبر ثروة قومية؟ ويعتبر أن ذلك يتعدى الجذب إلى الإغراء والإغواء، ويتساءل عن مصير 7 مليارات ونصف من الدولارات أعطيت للحركة، ويقول إن تلك الدولارات لم تظهر في مدن جوبا وملكال وواو، ويتفق الساعوري مع من سبقاه ويدعو الحركة إلى فتح باب الجنوب للأحزاب ويقول إن أي حزب لا يستطيع أن يزاول نشاطه في الدعوة إلى الوحدة في ظل سيطرة الجيش الشعبي.