"الأيام تمضي بنا في موكب الأيام السائر في مفاصلها، وقد أمضيناها في القوات المسلحة التي أتيناها بروح وطنية، ونصرة للدين، لتبادلنا حبا بحب، وصدقا بصدق، فعجمت عودنا، وامتحنت معدننا، وصقلت قدراتنا، ومواهبنا، حتى تقلدنا أرفع المناصب".. كلمات مختصرات قالها الفريق "عصمت عبد الرحمن" يرسم فيها تلك "العلاقة الأثيرة" بينه وبين القوات المسلحة؛ فالفريق عصمت (سليل بيوت العلم والدين والتصوف)، احتل الكثير من المواقع الحساسة في الجيش، وكسب الكثير من رؤسائه وضباطه حتى وصل إلى منصب وزير الداخلية، قادما إليها من (المعاش) بعد إقالته في يونيو 2013 من رئاسة هيئة الأركان بالقوات المسلحة، بجانب عدد مقدر من كبار الضباط في حركة تنقلات. عصمت قدم إلى وزارة الداخلية في 25 يونيو 2014 بقرار جمهوري، في أعقاب إقالة مفاجئه لسلفه عبد الواحد يوسف "والي شمال دارفور الحالي" ليعود بالداخلية إلى عهد الوزراء من ذوي الخلفية العسكرية بعد وزيرين مدنيين. برزت في عهده قضيتان مهمتان ارتكزتا على محور واحد هو (الأجانب)، القضية الأولى هي الهجرة غير الشرعية في البلاد- دولة ممر- إلى البلاد التي تموت من البرد حيتانها، أما القضية فهي قضية الأجانب بجبل عامر تلك القضية التي أحدثت ضجة كبيرة كان بطلها عصمت، وقبل أن نتحدث عن القضيتين لنسعى أولا لمعرفة من هو الفريق عصمت عبد الرحمن؟. بشارة المولود في بواكير الخمسينيات من القرن المنصرم تهلل وجه عبد الرحمن زين العابدين أحد مواطني (حلة حمد) ببحري بعد تبشيره بمولود جديد، ومع (زغاريد) نساء الحي ابتهاجا بالقادم إلى الحياة أطلق عبد الرحمن على مولوده الجديد اسم (عصمت) وهو اسم "تركي" يعني العصمة والكمال والمنع، وكأن والد عصمت أراد من هذا "المولود" أن يكون كما أراد موصولا بالنفحات الصوفية، التي تهدف في غاياتها الأسمى للوصول إلى الكمال، فوالد "عصمت" تعود جذوره إلى الجزيرة الجنة (توتي)، وهو من أحفاد الشيخ (حمد ود أم مريوم)، الذي جاء إلى تلك "البقعة" بعد استماعه إلى نصيحة ابن خالته (خوجلي)، واستوطن هناك، لتمضي الأيام "الهوينا"، ويخرج من صلبه الفريق أول "عصمت عبد الرحمن"، الذي عاش طفولة هادئة بين أزقة (حلة حمد)، ودرس جميع مراحله التعليمية في الخرطوم، ثم تخرج بعذ ذلك في الكلية الحربية في العام 1970م. الكلية الحربية يقول عضو مجلس الثورة العميد "صلاح كرار"- وهو من الدفعة "23" في الكلية الحربية السودانية، التي تخرج فيها "عصمت"- في إفادات ل(التيار): إن إسرائيل كانت تهدد الكلية الحربية المصرية، فما كان من جمال عبدالناصر إلا أن عقد اتفاقا مع الخرطوم يقضي أن تكون الكلية الحربية المصرية بجبل أولياء مكان "البعثة التعليمية العربية" (الآن مركز التدريب الموحد للشرطة)، وتذهب الكلية الحربية السودانية إلى مصر، وذكر كرار أنهم دخلوا إلى الكلية بتاريخ 23/ 12/1969م وشملت تلك الدفعة 416 طالبا حربيا، منهم 12 بحرية– منهم "صلاح كرار"، و 404 طلبة حربيين منهم "عصمت عبد الرحمن"، وتوزعت مدة دراستهم مناصفة بين مصر والسودان خلال عام واحد. مواقع متعددة تنقل الفريق أول "عصمت عبد الرحمن" في الكثير من مواقع (الجيش)، عمل في "المدرعات" ومواقفه مشهودة في "عمليات صيف العبور"، كما يتحدث عنه رفقاؤه في العمليات، وعمل ملحقا عسكريا في إيران، ومعلما في كلية القادة والأركان، وقائدا للغربية، والفرقة السادسة حتى وصل إلى "رئاسة هيئة الأركان المشتركة"، أعلى منصب يصل إليه ضابط ينسب إلى الدفعة 23 في القوات المسلحة بعد وزير الدفاع الحالي "عوض بن عوف"، وهو- أيضا- خريج الدفعة 23، مشيرا إلى أن "عصمت" يعدّ الرجل الثاني الذي يتبوأ "منصب رئاسة الأركان" في الدفعة 23 بعد "محمد عبد القادر نصر الدين"، وهو الأول في دفعتهم، بعد إعفائه مع مجموعة من كبار الضباط يونيو 2013م يتم تعيينه في الخامس والعشرين من يونيو 2014م وزيرا للداخلية بمرسوم جمهوري. أخوة الجيش العديد من رفقاء درب الفريق أول "عصمت عبد الرحمن" شددوا في حديث ل (التيار) على الحس العالي الذي يتمتع به الفريق عصمت، إضافة إلى روح المسؤولية، وتواضعه الجم؛ حيث يعتقد كل من يقابله للوهلة الأولى أنه رجل عادي جدا، لكن رغم (عاديته) هذه يقول العميد معاش "حسن التوم": إن (عصمت) رجل مسؤول، وحريص جدا في عمله، ولا يتخذ قرار إلا بعد التأكد من المعلومات التي في حوزته، ويذكر "حسن التوم" أنه عمل مع الفريق عصمت في العام 1994م؛ حيث اشتهر بين الضباط بالوفاء والاحترام لزملائه وإخوته في الجيش والآخرين (لا ينسى أخوة الجيش)، وله قدرات عالية، وكفاءة أكاديمية، وعسكرية كبيرة، إضافة إلى كونه قائد عمليات عسكرية ناجح جدا، ليس هذا فقط بل هو رب "أسرة" ممتاز ولديه ثلاثة أبناء (بنتان وولد). قضايا جوهرية دخل الفريق عصمت في مواجهات عديدة ربما آخرها الحديث الذي أطلقه عن وجود أجانب في جبل عامر؛ حيث استدعاه النائب البرلماني اللواء م. آدم حامد نائب دائرة "السريف بني حسين" التي تضم جبل عامر في مسألة مستعجلة، النائب سأل "الوزير" عن حقيقة من يسيطر على الجبل؟، فما كان من الفريق عصمت إلا أن رمى قنبلة تحت قبة البرلمان؛ عندما كشف وجود نحو 3 آلاف أجنبي في الجبل يمتلكون أسلحة ثقيلة متطورة، ويتطلب الأمر تدخل القوات المسلحة، الأمر الذي أثار حفيظة كل من قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، إضافة إلى زعيم المحاميد موسى هلال، ورفضوا تصريحات الوزير "عصمت عبد الرحمن"، مؤكدين أن الجبل لا يضج بالأجانب- كما قال، وحينها انتقلت الصحافة إلى "جبل عامر، وقامت بمسح (ديمغرافي) أثبتت فيه حديث حميدتي وهلال، الأمر الذي دعا بعض المراقبين إلى وضع أسئلة استفاهمية عن سبب حديث الوزير تحت قبة المجلس الوطني، فهل قصد عرقلة إجازة قانون الدعم السريع- كان يعرض حينها في البرلمان لإجازته- أم أنه الوزير أعطى أذنيه لأحاديث ومواقف شخصية دارفورية لديها مصلحة في تصريح يفيد بوجود عدد ضخم من الأجانب، ومع مرور الأيام ضاعت الأجابة عن السؤالين لتبقى فكرة واحدة تفيد بهواجس الوزير تجاه الأجانب، خاصة بعد إعلانه محاربة الهجرة غير الشرعية، وقوله: إن هناك أكثر من مليون شخص معظمهم مقيمون في البلاد بصفة غير شرعية من عام إلى خمسة أعوام يتأهبون من خلالها للهجرة إلى أوروبا، وهي القضية التي ظلت تؤرق الحكومة كاملة وليس الوزير عصمت عبد الرحمن- وحده.