بعد ساعتين من الطيران عبر مطار ريغان الدولي في ارلنغتون بواشنطن، إلى مطار هارتسفيلد جاكسون أتلانتا الدولي حيث أجرينا تغييراً بخطوط أخرى إلى مطار تامبا الدولي بولاية فلوريدا الأمريكية عندها استغرقت الرحلة حوالى ساعة و«15» دقيقة، والحق يقال إن مدينة تامبا من السماء عبارة عن جنة لأنها في الأصل خليج أقيمت عليه المدينة، وتقع المدينة على الساحل الغربي لولاية فلوريدا أو «ولاية الشمس المشرقة» كما يقول عنها الأمريكيون، فهي عند مصب نهر هيلز بورغ في خليج تامبا وتعد عاصمة محافظة هيلز بورغ وميناءً مهماً ومركزاً صناعياً وأهم مراكز التجارة والمال في أمريكا، وفي أحد ضواحيها تقع قاعدة ماكديل الجوية مقر القيادة المركزية الأمريكية المعنية بحماية مصالح أمريكا في الخليج العربي، مناخها مداري رطب ويساهم سطح مياه خليج المكسيك في تلطيف شدة الحرارة مما يجعل المدينة تتمتع بجو لطيف طوال العام باستثناء بعض الصقيع الذي يحدث في فصل الشتاء أحياناً وتهطل على المدينة أمطار غزيرة يسقط معظمها صيفاً نتيجة لعواصف رعدية تحدث بعد منتصف النهار، وهذا يفسر تسمية المدينة الذي يعني البرق اشتقاقاً من كلمة كالوسا في لغة سكان المنطقة الأصليين من الهنود الحمر، تعدُّ تامبا مركزًا رئيسياً للصناعة والتجارة والسياحة، ففي شمالها يوجد منتزه بوش جاردنز للحياة البرية ويعتبر المركز الثاني سياحياً بعد مدينة ملاهي ديزني لاند في مدينة أورلاندو، أما أسعارها فمقبولة وأجمل ما فيها البقالات العربية ابتداءً من بقالات الفلسطينيين والعراقيين وخاصة قهوة أبو علي التي شربنا فيها القهوة العربية الأصيلة، أما عن المواصلات، فالمدينة خالية في أوقات معينة من وسائل المواصلات وفيها باصات تعمل بالنهار فقط ولا يوجد مترو الأنفاق ولا يوجد أي ازدحام بها والباصات تغطي كل الشوارع الرئيسة فيها، لذا يقضي فيها رجال الأعمال الأمريكان أوقاتاً كثيرة لعقد صفقاتهم الكبرى التي تقدر بمليارات الدولارات يومياً ، فإلى رحلتنا ضمن أغرب بلدان العالم. اليوم الأول بمعهد ذي بوينتر أقمنا في فندوق رينيسانس فينوي تامبا تحت راعية المجلس الدولي لمنطقة خليج تامبا وإشراف غاري سبرينغر رئيس المجلس وماري ألن أبتون المديرة التنفيذية، هذا بجانب أن الفندق يبعد ساعتين عن مدينة تامبا وهو منتجع في الأصل على المحيط الأطلسي، أما عن بيئة مدينة تامبا ففيها طبيعية خلابة طوال العام، وسكان المدينة معظمهم «هاسبانك» من أصول مكسيكية... والمدينة مشهورة في أمريكا بأنها مدينة المتقاعدين من المشاهير نظرًا لهدوئها، وفي يومنا الأول زرنا معهد ذي بوينتر للصحافة وهو مدرسة مخصصة لتعليم الصحافيين وملهمة لقادة وسائل الإعلام عمرها أكثر من«50» عاماً، إذ أنها تعزز التميز والنزاهة في ممارسة الحرفة وفي قيادة العملية من الأعمال الناجحة، ويملك المعهد صحيفة «تامبا باي تايمز» اليومية، هذا بجانب أن المعهد يزوره الآلاف من الأساتذة والصحفيين لمعرفة الجديد في عالم الصحافة، فهو يقدم دورات في كل أشكال الفن الصحافي من العناوين أي «المنيشيتات» وحتى كتابة الأعمدة والتصوير والتصميم للفنيين كذلك، وقد التقينا ب«آل تومبكينس» وهو صحافي لأكثر من «30» عاماً ومستشار لجامعة هارفارد وشبكة محطات ABC المعروفة، حيث قدم آل محاضرة عن الصحافة وحريتها، وعقب اللقاء ناقشتُ معه قضايا الصحافة في السودان، فقال إنه يعرف ما تعانيه الصحافة في السودان، ابتداءً من الدراسة الجامعية للإعلام التي وصفها بأنها تاريخ ويجب تحديثها لمقابلة المستقبل، بالإضافة لما يعنيه الصحفيون بالسودان من وضع مادي. وأضاف أنه يعلم أن بعض الصحفيين في السودان لا يمتلكون المال لحضور المؤتمر الصحافي، ناهيك عن وضعه المالي أصلاً، وفي اللقاء الثاني قدمت الصحفية الأمريكية كيلي ماكربيد وهي إحدى الصحفيات اللاتي تنبأنَ بحدوث الأزمة المالية العالمية محاضرة عن الصحافة الإلكترونية وأثر المواقع الاجتماعية من «فيس بوك» و«تويتر» وتاثيرها على مستقبل الصحف، وفي سياق آخر تحدثت الصحفية الأمريكية بأن على الصحفي الكف عن ملاحقة الأخبار العادية التي يمكن أن يقوم بها موظفو العلاقات العامة بالوزارات وملاحقة القصص الإخبارية والتحقيقات. جامعة جنوب فلوريدا عقب ذلك اللقاء زرنا جامعة جنوب فلوريدا أو (USF) التي فيها حوالى أكثر من «200» برنامج دراسي جامعي وبرنامج دراسات عليا، ويدرس فيها ما يزيد عن «120000» طالب من أكثر من «35» دولة بالعالم، وهناك التقينا بأشهر مدون إلكتروني بالعالم يدعى بيتر شورش المحرر والصحافي ورئيس مؤسسة إعلامية واسعة النطاق على الإنترنت، ومشارك إلكتروني شهير خلال الحملات الانتخابية الأمريكية، وعقب محاضرته تحدث رئيس المجلس الدولي لولاية فلوريدا غاري سبرينغر في محاضرة كاملة، عن السياسية الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي والعربي، وعقب اللقاء أباح لي غاري في لقاء بأنه يحب السودان جداً لأنه منذ عدة سنوات كان والده المتوفي يشرف على علاجه طبيب سوداني اسمه محمد مقيم في مدينة تامبا، وقال لي سبرينغر إن الطبيب السوداني لديه كينونة خاصة في قلوب الأمريكيين بولاية فلوريدا لأخلاقه العالية، وفي تلك الجلسة كشف غاري أيضاً أن هناك شباباً جاءوا من السودان للولايات المتحدة وطلبوا من واشنطن خلال العام الماضي دعمهم لإقامة ربيع عربي بالسودان، لكن الإدارة الأمريكية لم تستجب لهم. قلب الجيش الأمريكي إذا كانت واشنطن قلب السياسية الأمريكية، فإن خليج تامبا قلب الجيش الأمريكي، إذ فيها مقر القيادة المركزية «سنتكوم» للقوات الأمريكية وقيادة العمليات الخاصة، وهي القيادة المشرفة على مختلف العمليات الخاصة بداخل الجيش والقوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية في القوات المسلحة للولايات المتحدة، يضاف إلى إشرافها على أوربا ومنطقة المحيط الهادي، بالإضافة للمنطقة الوسطى تشرف على «20» دولة هي «أفغانستان، البحرين، مصر، إيران، العراق، الأردن، كازاخستان، الكويت، قرغيزستان، لبنان، عمان، باكستان، قطر،. السعودية، سوريا، طاجيكستان، تركمانستان، الإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان واليمن» وفيها أيضاً القوات الخاصة المكلفة بالانتشار السريع . لقاء د.جيريمي وعقب الجلسة التقينا بأستاذ السياسية العامة بجامعة جورج ميسون د.جيريمي ماير الذي أبدى حقيقة ماثلة بأن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما سيكون هو الرئيس المنتخب في الانتخابات التي ستنعقد في شهر نوفمبر القادم رغم هبوط معدل جمهوره، مضيفاً أن أهم ثلاثة هم حالياً بالعاصمة واشنطن وهم مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي أيه» الحالي الجنرال ديفيد بترايوس الذي سيتولى منصب وزير الدفاع بينما سيخلف وزير الدفاع الأمريكي الحالي ليون بانيتا الوزيرة هيلاري كلينتون لفشلها في إدارة الدبلوماسية، على حد تعبيره، ويقول ماير حين يشرح طريقة الانتخابات الأمريكية، إن المواطن الأمريكي نفسه لايعي ماهي المعايير التي تقوم وتنطلق منها الانتخابات الأمريكية، يشرح ممثلاً بأن الحزب الديمقراطي في ولاية فلوريدا ليست له علاقة بالحزب الديمقراطي في واشنطن أو نيويورك أو أي ولاية أخرى، وعلى ذات الشاكلة الحزب الجمهوري، ويقول إن أي شخص يستطيع الترشح في الانتخابات يسمي نفسه بأنه يتبع للحزب سواء كان الجمهوري أو الديمقراطي وربما أنه كان من قبل قد صوّت للنقيض الذي يمثله، ويؤكد د.جيريمي أن الانتخابات في أمريكا قائمة على الحرية المطلقة من خلال الترشح أو من خلال التصويت، وفي سياق آخر يقول د.جيريمي إن وزارات الإدارة الأمريكية غير مرتبطة ببعض، حيث أن وزارة الخارجية ليست لها علاقة بوكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي أيه» وعلى ذات الشاكلة الوزارت الأخرى، بالتالي يتضح أنه إذ اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية قراراً ما بشأن السودان فإنه غير ملزم لوزارات أمريكا الأخرى، وهنا يحدثنا جيريمي أن أي جهة بأمريكا تقيم في جزيرة معزولة عن الجزيرة الأخرى لها، فالكونغرس هو من يدير الشأن الأكبر ويدير المال، والأخير ينتخبه الشعب، أما الانتخابات العامة فتأتي بالمرشح الفائز الذي يختار أعضاء حكومته من الحزب، والذي يوكلهم الشعب من خلال تلك الانتخابات بالقيام بمهمة إدارة الشؤون الخارجية والدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل ولاية أمريكية مختلفة عن الأخرى من حيث القوانين وحتى ولاية المركز واشنطن، فقوات وزارة الدفاع ليست لديهم علاقة بقوات الحرس الوطني بكل ولاية، وكل قوات بكل ولاية ليست لديهم علاقة بالولاية الأخرى عدا حالة الكوارث العامة إذ يحتمل أن تطلب مثلاً ولاية واشنطن دعماً من ولاية نيويورك وأن المركز يدعم الولايات بفقط «10%» من الناتج القومي، هذا بجانب أنه لا يوجد مقرر موحد بين الولايات الخمسين دراسياً، وخرجنا من ذلك اللقاء بأن أمريكا ليست سوى شركة خاصة كبيرة ومواطنوها موظفون فيها. المواطن الأمريكي.. والإعلام المحلي في اليوم التالي لذلك اللقاء التقينا أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماري واشنطن د.ستيفن فرانسورث الذي تحدث عن علاقة الإعلام الأمريكي بالسياسية الخارجية وقال بصراحة شديدة إن الإعلام الإمريكي منصف بحسب آخر الإحصائيات لنوعية تناوله إلى أن «70%» مواد ترفيهية و«29%» أخبار محلية و «1%» أخبار سياسية عالمية والأخيرة تدور فيها أخبار روسيا وكوريا الشمالية وإيران إلى آخره، مشيراً إلى أنه حتى قنوات التلفزة الأمريكية المشتركة مع العالم لا علاقة لها ببعضها البعض، حيث ان قناة ال(CNN) الموجهة للعالم لا علاقة لها ب(CNN) الداخلية وأن الأخيرة لو أنها تعمل كما الدولية لكانت أشهرت إفلاسها، ويضيف أستاذ العلوم السياسية بأنه عندما كانت الولاياتالمتحدة تضرب العراق بعد تحرير الكويت في مستشفى العامرية وغيرها طوال سنوات عديدة لم يكن هناك مواطن أمريكي واحد يعلم عن تلك الضربات سوى المعنيين بالشأن، وعندها كشف أن «0.9 %» من الشعب الأمريكي فقط من يعرفون وجود دولة تدعى جنوب السودان، وفي السياق يشير د.ستيفن إلى أن مراكز الدراسات هي مصنع القرار الأمريكي حيث تتعاقد الوزارات الحكومية مع تلك المراكز مثل العطاءات لتقديم المشورة في قضية كإيران مثلاً، وهنا يأتي بحسب حديث د.ستيفن دور اليهود، حيث تعمل الشخصيات المتعاطفة معهم في مراكز الدراسات على تقديم المشورة إلى وزارة الخارجية أو حتى الدفاع بناءً على رؤية توافقية إسرائيلية، أما بالنسبة للكونغرس فإن الجمعيات التي يديرها اليهود يقومون بالاجتماع يومياً منذ السابعة مساءً يومياً في إحدى جمعياتهم المتعددة بواشنطن ويجمعون محللين ومفكرين ويظلون يعملون حتى ساعات متأخرة من الليل في سياق تحليل يضع دولة إسرائيل في قضية بالشرق الأوسط بما فيها السودان أيضاً، ويوزعون تلك التحليلات على نواب وكتاب أعضاء الكونغرس جميعهم عند السابعة صباحاً في صندوق بريدهم اليومي، وبالتالي يعتقد العالم أن هناك «لوبي» صهيونياً يدير الكونغرس، وهنا يأتي دور المسلمين العرب المقيمين بواشنطن للقيام بذات الدور حتى يكسبون أولئك الأعضاء لنصرة قضايا المنطقة، ويضيف د.ستيفن أن إسرائيل عندما تجد أحد المرشحين الأقوياء للكونغرس تضعه على جدول أعمالها وتقدِّم له زيارة على حسابها مجانية له ولأعضاء فريقه الانتخابي لتل أبيب لتوثق علاقتها معه، وخير مثال أنها فعلت ذلك مع كل الرؤساء الأمريكان بما فيهم أوباما عندما كان سيناتوراً بالكونغرس. أما فيما يتعلق بتناول القضايا الدولية للمرشحين الأمريكان في الانتخابات، فلقد وجدت «الإنتباهة» أن المرشحين يتناولون قضايا الشرق الأوسط في الأساس تكملة لقضاياهم المحلية وليست كسياسة أصيلة لعملهم. بمقر الحزبين الجمهوري والديمقراطي يبلغ نصيب فلوريدا في الانتخابات الأمريكية «27» صوتاً من إجمالي أصوات المجمع الانتخابي التي تبلغ «538»، وصوتت الولاية في انتخابات عام 2004 بنسبة«52%» أو «3.955.656» لصالح جورج بوش في مقابل «47%» أو «3.574.509» لصالح منافسه جون كيري، أما في انتخابات عام 2000 فقد صوتت بنسبة« 48.8%» لصالح جورج بوش مقابل نفس النسبة لصالح منافسه آل جور. يحكم ولاية فلوريدا جيب بوش Jeb Bush وهو من الحزب الجمهوري وتنتهي فترة حكمه في يناير 2007، وعلى هذا الأساس زرنا مكتب الحزب الجمهوري حيث التقينا بأمين الصندوق المالي للحزب الجمهوري جوش بورجين، الذي قدم شرحاً عن طرق جمع المال لمرشحي الحزب بالإضافة إلى الرقابة التي تتم عليهم وهم يجمعون تلك الأموال، وفي المقابل التقينا بمقر جامعة تامبا ذات الفن المعماري الإسلامي بمدير حملة أوباما الإعلامية الذي قال إن أغلب من يعملون بحملة أوباما هم من المتطوعين الذين لا يسعون وراء المال، لكن بالنسبة له فإنه يجد عمولة لقاء عمله لكنها ليست بالشيء الكبير، مشيراً في ذات الوقت إلى أن الانتخابات بالنسبة لهم محسومة، وأن أوباما سيفوز بدون شك، وفي ختام ذلك اليوم أقام المجلس العالمي للولاية حفل عشاء فاخر على أنغام الجاز الأمريكي العتيق في ختام زياتنا للمدينة، قبل توجهنا لمحطتنا الأخيرة عاصمة العالم نيويورك.