مجموعة قصصية لعثمان أحمد حسن هذه هي المجموعة الأولى للقاص عثمان أحمد حسن، وهي تتكون من ثلاث عشرة قصة، والعنوان يعتبر العتبة الأولى في النص وهو يعتبر من العناوين الممتازة والمغرية للمتلقي في متابعة النصوص
منذ البداية وحتى النهاية، وهذه النصوص قد نشر أغلبها في الملاحق الثقافية في الصحف السودانية.. وقد استخدم القاص عثمان أحمد حسن عدة تقنيات حديثة في كتابة القصة القصيرة، حيث تقنيات الاستظهار اللحظي، وتيار الوعي وتداعي المعاني، والتجميع اللغوي، وهي تشتمل أيضاً على كتابات واقعية، اجتماعية نقدية، وهذه المجموعة تدخل فيما يطلق عليه النقد الحديث «كتابة الوعي الاجتماعي» فالقصة القصيرة في بداياتها العالمية اهتمت ولا تزال تهتم بقطاع المهمشين والمنبوذين في المجتمعات القديمة والحديثة، وقد اهتم القاص بكتابة الواقع الحياتي العام واليومي لهؤلاء المهمشين، بطريقة ناقدة، وكاشفة للعيوب وللأسباب، وراصدة ومسجلة للصور المشوهة في المجتمع السوداني، ونصوصه لا تخلو من الحلم بمستقبل ليس فيه هذه البقع التي تشوهه، وقد استطاع القاص عثمان أن يكثف اللقطات السينماريوهاتية في أغلب النصوص التي كتبها، وهو قادر على الوصف والتجسيد منذ بداية القصة وحتى نهايتها هي قصة «عم الياس» يقول: «لملمت أطراف كبريائي، وطويتها، قررت أن أذهب، الجلباب الأبيض قديم مهترئ ولكنه نظيف، ينبئ بجمال آفل، العمامة ذات الأطراف المطرزة بعناية وذوق تأملتها ملياًَ قبل أن أشرع ألفها على الرأس الأشيب.. بياض الجلباب، وبياض الشيب، وبياض العمامة، كلما تآمرت على سواوية الخواطر المتدافعة فباءت بالهزيمة» فالشخصية هنا مجسدة داخلياً وخارجياً، «الشيب يدل على الكهولة» وسوداوية الخواطر المتدافعة دلت على بؤس وآلام خفية وموارية.. وامتازت أغلى هذه النصوص بأن العلاقات التي تربط الفرد المسحوق، بمجتمعه هي علاقات صراعية استرجاعية «استرجاع الماضي الأليم» وعلاقات سلبية ضدية.. «مجتمع يحترم القوي ويحتقر الضعيف» وقد أثبت القاص عثمان أحمد حسن في هذه المجموعة، أن ما يميّز الأجناس الأدبية وغير الأدبية عن بعضها، هو الصفات الفنية وعناصرها التي تدخل في تركيب كل منها على نحو مختلف، تضفي عليها التمايز والتغيّر عن الآخر، ضمن عملية إبداعية تسيرها الموهبة المتقدة بالاجتهاد والابتكار.. وفق ذلك لا يمكن أن يشكل أي منجز إبداعي من فراغ.. كما لا يمكن أن يولد من عدم.. وبهذا الصدد تقول «جوليا كريستيفا» إن ما نكتبه لوحة فسيفسائية من الاقتباسات وتسرب وتحويل لنصول أخرى وأنه أكثر من مجرد دخول أو خطاب، وهذه النصوص تعتبر امتداداً للمدرسة الواقعية في كتابة القصة القصيرة السودانية، فهي قصص لها مرجعيتها الاجتماعية «الكتابة عن الآخر المهمش والمنبوذ» والمرجعية الأدبية فهي مواكبة لطور القصة القصيرة وأدواتها قديماً وحديثاً والقاصي رغم دخول أغلب نصوصه في مدرسة الواقعية الاجتماعية النقدية، ولكنها لم تكن صورة ناطقة للحياة الاجتماعية، فقد كانت درجة التخييل فيها كبيرة وواضحة وهو ما يميّز القاص الموهوب من القاص العادي الذي ينقل الواقع نقلاً فوتوغرافياً، «أي محاكاة والواقع بأبعاده الإيجابية والسلبية على السواء» وقد حاول القاص عثمان أن يكتب فنتازيا الواقع، وأن يدخل الأسطورة السودانية في بعض نصوصه وقصصه، وهذه الأسطرة للنصوص، جعلته يكتب بجدارة ما يسمى «بالقصة الفكرة» وهي التي تكون قادرة على توصيل فلسفة وفكرة القاص عن الحياة وعن المجتمع من حوله.. وقد ابتعد بجدارة أيضاً عن أن تكون شخصياته مسطحة ومأخوذة مباشرة من الواقع الذي يراه من حوله.. وقد جمعت قصة «التعاويذ» خلاصة الأساطير السودانية قديمها وحديثها حيث بنوءه العرافة، وعدم إيفاء النذر والتقييد به، وبهذه القصص وغيرها التي جنح فيها إلى الفنتازيا والأسطورة قد أثبت أن الانعكاس الفني يتجاوز تصوير الواقع آلياً، وقد تمثل القاص فيه أي في هذا الواقع عبر تجربة فاعلة تسعى إلى وعي الواقع وضرورة تغييره بنظرة مستقبلية، ولذلك فإن تصوير المظلم والمشرف وتصوير ما يجب أن يكون توضيحًا لهذه النظرة المستقبلية في معالجة الواقع وفي تشكيل النص الأدبي للقصة القصيرة.. والكتابة الواقعية السطحية عن المجتمع السوداني قد أضرّت القصة القصيرة والرواية السودانية ضرراً كبيراً، بحيث إن الدخول في فجوات الواقع هو الذي يجعل الكتابة السردية أشد نمقاً ونفاذاً في المجتمع، لقد استفاد القاص عثمان في هذه المجموعة بدعامة مهمة من دعامات القصة القصيرة والذي تقوم ركائزه التعبيرية وبنيته السردية على التكثيف والإيجار اللذين لا يسمحان بالتسلط والإسهاب كما هو الحال في السياق الروائي، فقد استطاع القاص أن يجعل حتى للكلمة الواحدة دورها في المعنى وتوصيله باتفاق عميق وجيّد. وحتى في حوار الشخصيات خارجياًَ أو داخلياً فإنه لجأ إلى لغة سريعة الفهم والتوصيل ومناسبة للشخصية التي تحدث مع نفسها إذ تحاور الآخر.. وقد لجأ القاصي باقتدار إلى قصقصة الزوائد السردية في أغلب نصوصه مما يجعل لغته مميّزة وقادرة على الوصول إلى لحظة التنوير الكبرى دون عناء ومشقة.. يقول في قصته (هي وهو) «كان يشهد أن لا امرأة إلى هي، ملأت عليه أحلامه في ليلة ضيقة، حتى تنفس الصبح لم يجدها، بحث عن عطرها، بحث عن أنفاسها، بحث عن ألوانها ولكنه لم يجدها، قرر ألا يلبس جيداً إلا وهي بجواره، كلما انمزق جلبابه الأبيض كسى مكان المزق رقعة، ناقصت مساحات البياض متهزمة، أمام جحافل الألوان الزاحفة، حتى أصبح لون الجلباب مثل ألوان معرض زهور الخريف» فكل كلمة في هذا المقطع، إما واصفة، أو كاشفة، أو راصدة، للشخصية التي تحدث عنها، فاللغة هادئة ومقصودة وموظفة جيدة لما تزيد أن وصفه أو تسرده وفي هذه المجموعة والتي تشكل أغلب شخصياتها الشخصية المنسية والمنهزمة في المجتمع السوداني، فإن القاصي هنا لم يجعل الشخصية كاذبة غير حقيقية، فإن كتابته عن الشخصيات كانت كتابة أقرب للصدق الواقعي لذلك كانت أقرب للواقع الذي يكتب عنه.