لا شك أنّ كثيرًا من المشكلات التي تعاني منها الأمة؛ مثل تغييب حرية الرأي وتحكم الاستبداد والتخلف وغياب الرأي الآخر أو تعطيله أو تجاهله؛ إنما يعود إلى تقاعس علماء الأمة أو معظمهم للقيام بواجباتهم في مراقبة الحكام ومتابعتهم في القيام بمسؤولياتهم نحو الأمة حيث المفترض من العلماء والمفكرين توجيه الأمة حكامًا ومحكومين في تثبيت الحقوق والحريات الأساسة في التعبير والمشاركة والعدل والشورى والحكم الرشيد. للأستاذ عمر عبيد حسنة رئيس تحرير مجلة «الأمة» القطرية سابقًا رأي جميل أنقله لعلنا نأخذ به ولعل علماءنا يقومون بواجبهم في اخراج الأمة من حيرتها وتخبطها والوصايات الفكرية التي تُفرض عليها من الذين جعلوا من أنفسهم حماة للفكر واوصياء على الرأي وقوّامين على الناس. يقول عن واجب العلماء: «ترى لو أدّى العلماء والمفكرون والكتاب والمربون واجباتهم وقاوموا الفسق، وأشاعوا التقوى هل استطاع هؤلاء الطغاة أن يستخفوا بالأمة ويطمسوا على عقولها الى هلاكها؟ لا وألف لآ. ترى لو أنّ علماء الأمة وهنا لا أعنى الفقهاء وحدهم، بل كل أصحاب المعرفة من سائر التخصصات وفي مقدمتهم علماء الدين فقهوا واجباتهم وقاوموا الفسق بكل أشكاله في التصور وفي الفكر والاعتقاد والسلوك والتعامل والعمل؛ هل حدث كل هذا؟ هل اتصف الناس بالفسق.. وهل تمكن الطغاة من رقابهم؟ لا. لو أن العلماء أفهموا الأمة أنّ المستبد الطاغية متألِّه يدعو الناس بلسان حاله أو مقاله أو تصرفاته أو ماله إلى أن يتخذوا منه لله شريكاً، وأن ّالسكوت عن المستبد أو الرضا بالاستبداد أو تعطيل الشورى شرك ينافي التوحيد وأنّ الله لا يقبل من مستبد ولا راض بالاستبداد صرفًا ولاعدلاً، وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم. لو أنّهم فعلوا ذلك هل سكتت الأمة عن الاستبداد، وهل مكّنت مستبدًا من أن يستخفها ويستبد بشؤونها؟ ليت علماء الأمة ومفكريها وكتابها وخطباءها ودعاتها حرصوا على تعليم الأمة حقوقها وواجباتها ومداخل الخير والشر الى كيانها حرصهم على تعليم وتبيين تفاصيل الطهارة وهيئات الصلاة وكراهة تلقيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيدنا، وكراهة القيام عند ذكره ونحو ذلك اذن لتغير حال الأمة ولارتفعت درجة وعيها. ليتهم علّموها أنّ تعظيم من لا يعظِّم شعائر الله وتأييده والهتاف له وخدمته ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة وخروج عن التقوى، ومن فارق التقوى وقع في الفسق، وأشرك بالله وإنّ الشرك لظلم عظيم. ليتهم علّموها أنّ حكامها إنّما هم عمالها وخدمها وأجراؤها فإن هم أساءوا في خدمتها فإنّ عليهم استبدالهم بسواهم. ليتهم علّموها أنّ الحكم تكليف لاتشريف، وأنّ السياسة رعاية شؤون الأمة كل الأمة وخدمتها وأنّ ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرائض شرعية عينية، ومسؤولية أمنية لا يمكن لأحد التخلي عنها أوحق عدم ممارستها، وأنّ تبديد ثروات الأمة جريمة وأنّ إيثار أعداء الأمة بخيراتها جريمة وأنّ حجز انسان دون ذنب جريمة، وأنّ منع انسان من التعبير عن رأيه في أي شأن من الشؤون العامة جريمة، وأنّ اعتداء أيّ جهاز من أجهزة السلطة على حرية أو كرامة مواطن جريمة. ترى لو وجد في الأمة من يصنف الذنوب والجرائم التي يرتكبها أناس حكامًا ومحكومين ضد بعضهم البعض، فبينوا للأمة كبائر هذه الذنوب وصغائرها، فقيل مثلاً: إنّ استبداد الحاكم كبيرة، وإنّ عدم تشاوره مع الأمة كبيرة، وإنّ إقراره على ذلك ممن يقرّه عليه كبيرة، وإنّ السكوت على ذلك كبيرة، وإنّ حرمان الإنسان من أن يعبر عن رأيه كبيرة، وإنّ السكوت على ذلك كبيرة، وإنّ حرمان الإنسان من أن يعبر عن رأيه كبيرة ومراقبة الناس والتجسس عليهم، وتتبع سقطاتهم؛ كل أولئك كبائر يحاسب الله عليها، وإنّ المشاركة في هذه الكبائر والتشجيع عليها والسكوت عنها كبائر كذلك. وإنّ دفع أموال الأمة مرتبات ومكافآت للذين يتجسسون على الأمة ويتسقّطون أخبارها تبديد وإسراف وتبذير، وإنّ المكافآت التي يتقاضاها أعوان الظالمين لقاء مساعدتهم على الظلم سحت حرام لا يختلف عن السرقة وعن البغي والربا وأجر الزانية، الى غير ذلك من كبائر وعظائم يمارسها الناس ويستمرئونها وهم غافلون.. لو حدث مثل هذا لتردد الظلمة أو بعضهم على الأقل أو أعوانهم عن ممارسة المظالم، ولتردد الكثيرون من أن يعملوا أعوانًا وأدوات للظالمين.» ليت علماءنا ومفكرينا وكتابنا ومعلمينا يقرأون ، ويفهمون ويتدبرون ويعون ويعملون ويخافون الله في الأمة ولا تأخذهم العزة بالإثم ظنًا منهم أو من بعضهم أنهم لا يحتاجون لمثل هذا التوجيه أو التذكير. ليتهم يراجعون ويتراجعون ويتواضعون.. ليتهم..