كانت علاقة السلطان علي دينار بالحكومة الجديدة في الخرطوم منذ خروجه من أم درمان عقب معركة كرري واستعادته لعرش أجداده وهي قائمة على أسس إسلامية سليمة يدفع للحكومة جزية سنوية ويقدم لها بعض الهدايا من منتجات مملكته مما يحمله عندما يمر بالخرطوم في طريقه الى مكةالمكرمة في موسم الحج ويستلم منها الهدايا وكان في أول أمره يتبادل الخطابات الودية مع سلاطين باشا ويرد على ما يصله من خطابات الحكومة ولكنه لم يكن يأذن لموظفي الحكومة بدخول سلطنته ولعله من المفيد استعراض الحملة التي تلت عرش دارفور والوقوف وقفة قصيرة نستعرض فيها شيئاً عن الفور وجانباً من سيرة السلطان علي دينار الذي حكم دارفور ستة عشر عامًا والبدء هو أن الفور يزعمون أنهم من سلالة بني هلال تلك القبيلة العربية التي غزت تونس بشمال افريقيا في القرن الحادي عشر وكانت القبائل العربية التي نزحت الى غرب السودان قد جاءته من النيل ومن صعيد مصر وكانت قلة من تلك القبائل قد جاءت من شمال افريقيا وذلك خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر ولعل بعض بني هلال كانوا بين هذه القبائل العربية النازحة الى غرب السودان والذي يقطع المؤرخون بصدقه هو إختلاط الدم العربي بدماء بعض عشائر الفور وعند البدء باعتلاء سليمان سولونق لعرش الفور في عام 1596 وهو يقال وبإصرار أسرهم إنه عربي من بني هلال وحكم تلك الديار ثلاثين عامًا ورفع خلالها لواء دين الإسلام بدارفور خفاقًا وشيد المساجد وعمّرها وأقام صلاة الجمعة والجماعة وألّف بين المسلمين وأخضع الملوك السود الذين كانوا يحيطون بجبل مرة ولقنهم الإسلام ووحد دافور كلها وكانت قد قامت غربي وداي دولة إسلامية اخرى ونشأت بينها وبين الأسرة المسلمة الحاكمة في دارفور صلة وثيقة وخلال القرنين اللذين أعقبا ممات سليمان سولونق تعاقب على دارفور عشرة سلاطين كان أشهرهم السلطان محمد تيراب والذي تولى الحكم من عام 1752 إلى عام 1787م وكانت الحروب وقتها بين دارفور ووداي كثيرة ولكنها امتدت في عهد تيراب إلى الرزيقات، وكان السلطان تيراب قد شنّ عليهم حملتين عسكريتين تأديبيتين عند امتناعهم عن دفع الجزية المقررة عليهم واصطدم في السنوات الأخيرة لحكمه بالسلطنة الزرقاء في الفونج والمسماة بسلطنة سنار وكان قد أنشأ هذه السلطنة عمارة دنقس في عام 1515م ولكنها امتدت من منشئها في الجزيرة إلى دنقلا شمالاً والبطانة والبحر الأحمر شرقًا وفي عام 1650م الى كردفان غير أن نفوذ الفونج في كردفان قد تقلص بسبب المسبعات وهم سلالة مسبع الذي يقال إنه كان أخًا لسليمان سولونق وتعاهد مع أخيه أن يحكم كردفان دون أن يطمع أحدهما بملك أخيه وعاشا في سلام ووئام حتى امتدت إليهما يد المنية وظل ذلك أيضًا حال ابنائهما إلى عهد السلطان تيراب وكان يحكم كردفان حينئذ السلطان هاشم من سلالة مسبع وكان رجلاً شجاعًا للحروب فسولت له نفسه إخضاع دارفور وحشد جيشًا جراراً من السود والعرب يشن به غاراته على حدود دارفور فحاربه تيراب وألتقى الجيشان في دار حامد وكان لتيراب النصر فزحف بجيشه حتى بلغ مشارف أم درمان ولكن المنية أدركته وهو على رأس تلك الحملة واستمر حكم دارفور لكردفان أربعة وثلاثين عامًا وفي عام 1822م صد الغزو التركي المصري سلطنة الفور عن كردفان إلى حيث تقف حدودها الشرقية ورجال الدين كانوا يأتون بعد حكام الولايات وقادة ألوية الجيش في ترتيب البلاط غير أن نفوزهم الروحي كان في حقيقته أقوى من ذلك ويكفي أن مما أُخذ على السلطان بادي بن نول واستغلته المعارضة أنه قتل عبد اللطيف بن الخطيب بن عمار وهو من علماء سنار الأجلاء وقد احتل العلماء مركزاً مهمًا في بلاط مملكة الفور فتولوا الوزارات والقضاء وأقطع لهم السلطان الحواكير وقد خلا الجو لهم خالصًا لأن الحركة الصوفية في دارفور كانت ضعيفة بعكس الحال عند الفونج وكانت خدمة العلماء للسلطنات الإسلامية جليلة فهم الذين تولوا القضاء وكتبوا محرراته وأعانوا في تنظيمها وقد جعلوا تصرفاتهم الديوانية على مستوى نظم الديوان الإسلامي ورفعوا بذلك مستوى الأداء الإداري فوجدوا القبول كله من الحكام.