أكد الدكتور محمد المصطفى الياقوتي وزير للدولة بوزراة الإرشاد والأوقاف عزم الوزارة على إنفاذ حزمة من الخطط والترتيبات لإيجاد خطاب ديني يواكب متطلبات المرحلة الراهنة، وقال في حواره مع «الإنتباهة» إن السودان في جمهوريته الثانية يتطلع لواقع دعوي جديد، وقال إن التحديات الماثلة تعدت مرحلة الخطورة إلى التهديد متناولاً جهد الوزارة في جمع الصف الإسلامي وتقريب وجهات النظر بين الطوائف والجماعات العاملة في حقل الدعوة دون تقاطعات أو اختلافات جوهرية، ودعا الياقوتي إلى ضرورة التروي في إصدار الفتاوى خاصة التي تتعلق بالتكفير مشيرًا لبعض الفتاوى التي يطلقها البعض فتُحدث التباسًا بما هو جديد وبما هو منقول عن أمهات الكتب بالمسطرة على حد قوله... إلى تفاصيل الحوار: جملة من الملفات تنتظر مسؤول الدعوة بالوزارة ما هي أولوياتكم الدعوية في جمهورية السودان الثانية؟ بدءًا نشكر «الإنتباهة» شكرًا حقيقيًا يواكب عظمة هذا الاهتمام هذه، فهي الصحيفة الرائدة التي تعرض القضايا بشكل فيه من المسؤولية ما يستحق التقدير وهي من الصحف التي نطالعها وهو شكر مستحق... ومسألة الدعوة في الجمهورية الثانية لا بد من النظر إليها بصورة جديدة وثّابة وهي نظرة لا تعتبر تقليدية لأن التحديات غير تقليدية وهي تحديات متطورة جدًا بل إنها تعدت مرحلة التحديات إلى مرحلة المخاطر وفي بعض الأحيان تعدت إلى تهديدات حقيقية خطرها وتأثيرها على واقعنا بات فيه واضحًا وبعون الله وتوفيقه نعد العدة لمجابهة هذه التحديات والمخاطر والمهدِّدات بما يناسبها، ففي هذا الدين حل لكل مشكلة وما سر خلوده وبقائه وخاتميته إلا لأنه قادر على معالجة أي مشكلة في أي زمان ومكان. فصِّل لنا شكل هذه التحديات والإشكالات؟ المشكلات الدعوية تقدم على أصعدة مختلفة منها أننا نريد أن نوجد الشخص الرسالي والمثالي الذي يهتدي الناس على طريقته ويصلح الدنيا بسلوكه وبأخلاقه، إننا نريد أن يكون هناك شخص قوام وفعال وذو أخلاق، وهذا الصعيد يحتاج إلى مجهود كبير، وبغياب النجومية في هذا المجال حدثت إشكالات كبيرة جدًا لأننا إذا لم نجد قادة يؤدون رسالة البشرية بروح سماوية عالية وأخلاق نبوية نبيلة فإن هذا يُحدث مفاصلة بين المثال والواقع كان الناس ينادون بقيم ويقدمون ضدها لأن الفرد إذا لم يتأهل وينضح وجدانه بمعاني هذه الرسالة يعتبر فاقدًا لجوهرها ولا يستطيع أن يقدمها للناس.. وصعيد آخر هو لإيجاد الدعوة المتعلقة بمراد ومقاصد الدين وأصوله والفقه لأن إتقان هذه النظرية أيضًا يُحدث فارقًا كبيرًا بين واقعنا الذي نعيشه بين الناس وبين ما تريده الشريعة. مسألة أخرى بغاية الأهمية وهي واقع الدعوة، وعلى هذا الصعيد نجد مجموعات دعوية ومنظمات عاملة في حقل الدعوة ومهتمة بهذا المضمار ولها مرجعيات محددة تنطلق منها نحاول أن ننظر في هذه المرجعيات ونحررها تحريرًا دقيقًا حتى تكون في مستوى يرتكز عليه، وجانب آخر نريد أن نقارب هذه المرجعيات، وإذا ما قارنا بينها أوجدنا مساحة مشتركة بين جميع الطوائف العاملة في مجال الدعوة والتي تتقاطع وتتشاكس أحياناً لأنها لم تحرر مواطن النزاع تحريرًا كافيًا ولم تطرق عليه بثمار العلم الجاد المجرد، هذا أيضًا أمرٌ مهم جدًا من أمور الدعوة، والناس الآن يركزون عليه كثيرًا ويهملون ما سبق لكن التركيز عليه مع إهمال ما سبق لا يوجد حل مناسب، وإذا افترض أن قادة على سدة هذه الجماعات والطرق والطوائف سمها كما شئت وهؤلاء قادة لم ينصبغوا بروح الرسالة انصباغًا تامًا وظلوا على انتمائهم الشكلي والطقوسي والمظهري فإن هذا يجعل الحل في غاية الصعوبة ولذلك ينبغي التركيز على مضامين وجود المعاني الخُلُقية في نفوس الناس وهذه المسائل متشابكة يشدُّ بعضها بعضًا. ما هي ترتيباتكم في هذا الصدد؟ لنا ترتيبات نرى أنها إذا وفقنا الله عز وجل ستتحول من مظهرية إلى واقع معيش يلامس حياة الناس وهناك أمرٌ مهم من أمور الدعوة وهو إيصال الدعوة إلى غير المسلمين وهذه المسألة انحسرت انحسارًا كبيرًا وتكاد تخلو تمامًا من الجهد المؤسسي باستثناء مجهودات فردية خجولة تقوم بها بعض الجماعات لكنها لم تواكب تطورات المجتمع المسلم وكأن الأمة فقدت هُويتها الرسالية في عالمية الرسالة التي أمر الله بإبلاغها وتجد هناك من لم تصله دعوة النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا يعني أن هناك إهمالاً في حقل الدعوة؟ نعم هناك إهمال في حقل الدعوة انعكس سلبًا على مساحات هائلة من حياة الدعوة والتدكس في حقل السياسة وفي غيره من الحقول أعتقد أنه أثر من آثار ترك الناس لحقول الدعوة وفيها تجرد فإذا ما انشغلنا عن القضية الرئيسة قللنا من جدية التقاطع في النقاط الرئيسة لأن يكون هناك هدف كلي نتفق عليه جميعًا وهذا مهم ونأمل أن نوصل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل بقاع الدنيا والتوفيق والتيسير هو حافز لبلوغ هذا الهدف لأن وسائل توصيل الدعوة لم تعد كالسابق ولن تحتاج إلى تسيير جيش يقود معركة ضد ملك طاغية ولم تعد كذلك لأن وسائل الاتصال باتت سهلة ويمكن إدخال الدعوة عبر الحاسوب ولا يستطيع أحد أن يسأله أو يكون هناك رقيب على حركته وتحتاج فقط لاهتمام من قبل الدعاة والدول. أعود بك إلى الجمهورية الثانية وهي جمهورية إسلامية قدمنا لها تضحية بأرض من أراضينا، وهذه التضحية تتمثل في أن مجموعة من الناس لا يرتضون الإيدلوجيا المسلمة الحاكمة والآن بتنا مجتمعًا إسلاميًا بنسبة أغلبية كبيرة جدًا هذا يعني أنه ينبغي أن نقدم للعالم نموذجًا جديداً ولا نعفى من أن نعلي شأن الدعوة بصورة جادة بأنه لا عذر وهذا لا يلغي دور الأقلية غير المسلمة الموجودة في البلاد فاهتمامنا بتطبيق شريعة الله عزجل تحفظ الحقوق للجميع. د. الياقوتي حدِّثنا عن برنامج المرحلة القادمة؟ برنامجنا في هذه المرحلة برنامج دعوي، وحينما يتحدث الناس عن برنامج الاقتصاد والمشكلات الاجتماعية والمعيشية فهي مشكلات ناتجة عن تفجير الثروات والاستفادة مما هو داخل الأرض وخارجها، ونعلم أن الشريعة جاءت من أجل الإنسان والحفاظ على كلياته من نفس ومال وعقل وعرض وهي الكليات التي جاءت برعايتها الشريعة وهي ليست مرادة لذاتها وإنما مقصدها الشرعي هو يشمل تحقيق عبودية الله عز وجل وكل هذه الوزارات والهيئات تريد الإعداد لأمر الدعوة.. وقد أعددنا خططًا تثقيفية تركز على جوانب نظرية وتتعلق بفض الاشتباكات بين الطوائف المختلفة وتقريب وجهات النظر، كذلك أعددنا برامج وخططًا جاهزة لتطبيقها لتدريب الأئمة والدعاة بصورة جادة ولسنا تقليديين في هذه الجزئية ولا نركن للداعية الذي يصعد المنبر فحسب وإنما الذي يجلس على حاسوب يوصل هذه المعلومات ويجول في الصحف حسب التخصص الذي تعاطاه.. كل ذلك يعتبر من حقول الدعوة، وهناك برنامج واضح ومُعدّ إعدادًا واضحًا نسأل الله أن يجعله واقعًا في حياتنا وقريبًا تنزل لحظة الواقع. ما هي مجهوداتكم الإعلامية في المجال، وكيف تتطلعون لصحافة دعوية جاذبة؟ أرى أن الإعلام هو أداة مهمة جدًا بل أداة رئيسة لأنه في البداية إذا أردت أن تحاسب إنسانًا بدخوله الإسلام أو عدم دخوله لا بد من إعلامه أولاً وبعد ذلك تمكينه من الأخذ والترك والإعلام هو خطير في بناء الأمم وتحطيمها بفضل الله الإعلام في السودان قريب جدًا من قضية الشعب وتطلعاته بنسبة كبيرة وهناك تقارب أنفاس بين الجميع والناس يرتبون الأولويات، وهذا التقرير مني للإعلام ما أردت به شيئًا إلا لأنه على درجة من الغيرة ومعظمهم على درجة عالية من الوطنية والالتزام بقضايا الشعب مما يسهل مهمتنا في أن نجعل المثال والأماني الجليلة واقعًا في حياة الناس، وفي ذلك لنا أفكار إعلامية خاصة وأن الإعلام بات علمًا دقيقًا ومتطورًا وإذا تحدثنا إلى الإعلاميين فإن كثيرين يجدون أنه طور نفسه بالتعاطي مع الزمن والوصول إلى الخلاصات سريعًا. هناك أزمة حادة بين بعض الطوائف والجماعات تطورت حتى وصفها البعض ببوادر الفتنة المذهبية.. فما هي رؤيتكم؟ لست متشائمًا إذا كان هناك احتقان بين الطوائف المختلفة، وهذا الاحتقان سواء كان في مرحلة الخطورة أو في أي مرحلة يقتضي منا أن نقوم بشيء تجاهه، ففي الأيام السابقة أقمنا الملتقى الدعوي السابع بولاية كسلا لمناقشة الخطاب الدعوي وتناولنا فيه أوراق عمل متخصصة لمجموعة من الباحثين قدموا فيها عصارة جهدهم، ومن الجيد أننا أتحنا ورقة لكل طائفة من الطوائف، كانت رصينة وكان الجو جميلاً خرجنا بتوصيات وهذه التوصيات هي التي تشكِّل برنامج العمل ولأنها لم تؤخذ من فكر مجموعة واحدة استنتجنا هذه التوصيات وسنجعلها واقعًا بعون الله من خلال ورشة علمية تتعلق بتجديد الخطاب الديني ووفرنا لها هذا العنوان لأسباب لتواكب تطورات الدعوة نفسها، وهذا التجديد لا يتأتى إلا بالإصلاح وسنشرك فيها جميع الطوائف وذوي الفطنة لإقناع قادة العمل الدعوي بالمشاركة بأنفسهم ونمهد لذلك للخروج بوثيقة يتواضع عليها الناس ستعلي من شأن الأمر المتفق عليه وتبرز أعمال واضحة وكذلك يكون هناك مسألة الأعذار في المسائل المختلف فيها، وهذا يثمِّن مسألة الحوار فهو الذي يحدد نقاط الاشتراك بين الناس ويحدد نقاط الاختلاف، إذا ما اتفق الناس على شيء يكون الخلاف قد رُفع وإذا اختلفوا بموضوعية فهذا يقود المنكر على الآخر أنه لم ينكر عليه إلا لانه لا يوجد لديه دليل شرعي أقنعه به أو لم يقتنع يقوده ذلك لاحترام الآخر فإذا عملنا بهذه النظرية نرجع للعصور الذهبية في احترام الجميع كقاعدة مذهبية لدى الأئمة السابقين. نسمع من حين وآخر فتاوى قد تبدو غريبة من بعض قادة العمل الدعوي والسياسي والفكري فما هي الضوابط التي تحكم الفتاوى؟ الحراك الفكري العام أمرٌ لا نستطيع معه تكميم أفواه الناس ولا إحقاق النظر والاجتهادات، وإنما هذه تُترك للمحققات المعرفية للطرح المحدد فإنه يواجَه باستنكار، وهذا عندنا أدعى لإيجاد فتوى سليمة إذا كانت فتوى بهذا المعنى يقترح مقترحًا أو يرى اجتهادًا فلنا أن نوجد نقاشًا جادًا في هذه الجزئية وبهذا النقاش في مسألة تضح قيمة الفتوى رفعة ونزولاً إذا ما اتضحت قيمتها وبانت ملامحها فإن المتبع نفسه الذي يحكم عليها سلبًا أو إيجابًا وهذا لا يعني أننا نقلل من خطورة الحديث الذي لا يأتي على صورة منضبطة ونؤكد أن الأفكار لا تزال بلا لوائح وإنما الأفضل فيها أن يكون فيها الحوار العلمي الجاد كجهة مختصة ينبغي أن تنظم حياة الناس.. في هذا الجانب لنا لوائح، فالفتوى إذا تعدَّت الحوار الحراك العام إلى إصدار حكم شخصي هنا يمكن أن تدخل الدولة لأنها قد عينت جهات محترمة كهيئة علماء السودان والمجمع الفقهي يمكن أن يرجع إليهم وخلاصات مسألة الحراك الفكري كانت في تاريخ هذه الأمة وحققت حراكات فكرية كبيرة وعندما تكون فيها خطورة كانوا يقولون «شذ فلان» وهذا في فقه الخلاف موجود وكثير من مثل هذه الأفكار موجودة، وكل ما طُرح من أفكار يعتبرها البعض حديثة فهي قديمة وموجودة في التاريخ الإسلامي ومنقولة بالمسطرة من أمهات الكتب، هي ليست اجتهادات بل نوع من النقل فإذا وجدنا مجتهدًا يريد أن يتحدث عن مسألة بصورة حقيقية أو يختار من بين متفرقات في طرح الخيارات الفقهية وبقوة فهذا ما تتوق إليه الأمة.