إن الاعتداء الآثم الغادر علي هجليج قد فجر غضب الشعب السوداني الذي وقف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص خلف قواته المسلحة الباسلة وقواته النظامية والدفاع الشعبي. وتجلت الوحدة الوطنية في قمة مراقيها وحدث تلاحم زالت فيه الفواصل بين كافة مكونات القوى السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء ولم يكن فيها هتاف لفرد أو نظام حاكم لأن القضية هي قضية الوطن كله ولم يشذ عن الإجماع إلا قلة ضئيلة لايؤبه لها. وإن الزمان لن يتجمد في نقطة واحدة وينبغي النظر للأمور وكافة القضايا كحزمة واحدة بنظرة كلية ويجب قراءة الواقع قراءة فاحصة مع وضع السيناريوهات والتوقعات للغد لئلا تداهمنا حادثات الزمان وطعنات اللئام علي حين غرة. وفي المناسبات الاجتماعية إذا حدث موت فجائي لا قدر الله فإن بعض الأسر تهرع كلها لمنزل الفقيد دون أن تترك خلفها أحداً بالبيت وقد يستغل لص مجرد من الأخلاق هذه الفرصة ويدخل هذا المنزل ويسرق ويخرج وبنفس المستوى فإن الشعب كله كان شغله الشاغل في الأيام الفائتة هو هجليج واستغل البعض هذه العواطف المتأججة ورفعوا أسعار السلع في وقت كفّ فيه الناس الحديث عن الغلاء لأنهم مشغولون بما هو أهم وعلى سبيل المثال حدثت ندرة في السكر أعقبها ارتفاع في سعره ولنا أن نقارن بين أبطال أشاوس يحرسون الأرض والعرض ويفتحون صدورهم في ساحات الوغى للردى ذوداً عن الحمى وحياض الوطن الغالي وتقابلهم في الكفة الاخرى وعلى النقيض منهم شريحة أنانية ومافيا جشعة لا تقدر ظروف البلاد والعباد وتريد أن تثري ثراءً حراماً بلا كابح أو وازع ديني أو إخلاقي ورفعوا أسعار السكر على حساب الأيامى واليتامى والعجزة والمساكين وعموم المستهلكين وان الحرب ينبغي ان لا تكون قاصرة على حماية الثغور فحسب بل ينبغي ان تمتد لمحاربة الفساد والمفسدين الذين بغوا وتجبروا في الارض. وان الدولة الجديدة الوليدة كما اسلفنا القول هي مخلب قط وأداة في أيدي غيرها من قوى البغي والعدوان الاجنبية. وسلفا كير الذي يأتمر بأوامر وينتر المبعوث الامريكي في الجنوب تحدث مرة وسمعناه يقول بالحرف الواحد بسذاجة يحسد عليها «أمم متهدة ومجلس أمن ودول غربية ديل كلهم أسهابنا-أصحابنا» ولكن حتى أصحابه الذين ذكرهم و درجوا على تحريضه وتوجيهه قد ادانوا فعلته النكراء لان حساباته كانت خاطئة وقد أفشلت بتسرعه خطتهم لالقاء القبض على المشير البشير أو اغتياله إذا تمت زيارته لجوبا في موعدها وفي كل الاحوال فان المعركة ضد السودان يقودها الفيل من الخارج وليس ظل الفيل من الداخل ولذلك ظلت المفاوضات السقيمة العقيمة والشروط التعجيزية كلها تملي من الخارج على الوفد المفاوض الجنوبي ولذلك ظلت المفاوضات تصل لطريق مسدود تماماً. وان سيناريوهات وتوقعات الغد تشير لأن المناوشات العسكرية من قبل الحركة الشعبية وجيشها وأذنابها في الجبهة الثورية لن تتوقف مهما لحقت بهم من هزائم ماحقة وكان هدفهم عند محاولتهم الفاشلة للاستيلاء على هجليج هو إيقاف ضخ النفط الشمالي وفي اعقاب هزيمتهم الساحقة في هجليج هاجموا تلودي وهزموا فيها وأصبحت حربهم مثل حرب العصابات وربما يتجهون لمهاجمة المناطق الزراعية وهدفهم هو إنهاك السودان اقتصادياً ليتم سقوطه سياسياً بعد ذلك وفقاً لأحلامهم وأوهامهم. وان اليقظة والحذر يقتضيان إيلاء الشرق وحدوده أقصى درجات الاهتمام لأن النار من مستصغر الشرر وأي شراره تنطلق ستجد من الأشرار من يرعاها لتغدو في زمن قياسي ناراً ملتهبة يصعب إخمادها وتتداخل وتتقاطع في المسألة أسباب موضوعية وأخرى أنانية ذاتية من بعض الذين يظنون أنهم خرجوا من المولد بلا حمص وهناك إحساس باختلال في التوازنات القبلية والجهوية مع إحساس البعض بالعدالة في التنمية وغير ذلك. وهناك ضغوط على بعض الدستوريين ليستقيلوا لتعود الأمور لمربعها الأول ويجب إيلاء هذه القضية الحساسة أقصى درجات الاهتمام. وقد ثبت للجميع أن الحركات الدارفورية المتمردة المسلحة لاتهمها قضايا دارفور من قريب أو بعيد وأصبحت أداة في يد القوى الأجنبية التي تمولها وتدعمها مالياً ولوجستياً وأضحت احد أذرع الحركة الشعبية وتوابعها وذكر مواطن من أبناء دارفور يعمل مساعداً طبياً أن هذه الحركات قد استغلت وأصبحت أدوات في أيدي غيرها لتغيير الحكومة الاتحادية، وقال إن مقر السلطة بالعاصمة فما هو ذنب المواطنين المغلوبين على أمرهم في ام دافوق وغيرها من المناطق لتهاجمهم هذه الحركات وتسفك فيها الدماء وتسلب وتسرق حقوق وممتلكات المواطنين. وان كافة المراقبين قد اتفقوا على ان دارفور الكبرى قد وجدت في السنوات الاخيرة على المستوى الاتحادي ما تستحقه من اهتمام هي جديرة به ووجدت نصيبها المستحق في السلطة والثروة ومن حقها ان تنال ميزانية استثنائية تقديراً لظروفها واتفق الجميع ان اكمال قيام طريق الإنقاذ الغربي هو واجب وطني يستحق الاولوية ولدارفور الكبرى خمس ولايات بحكوماتها ومجالسها التشريعية وتميزت عن الباقين بقيام حكومة إقليمية فيها وإن أهم شئ يأمل الجميع في تنفيذه هو إعادة النازحين واللاجئين لقراهم وإعادة تعميرها وكفالة العيش الكريم للعائدين وبالطبع فإن هذا يتطلب توفير اموال ضخمة التزم المانحون بتوفير جزء كبير منها والتزمت الحكومة بتوفير مايليها وكما هو معروف فإن حركة التحرير والعدالة هي جماع لحركات عديدة تم التنسيق بينها وتوحيدها في الدوحة وبطبيعة النفس البشرية فإن بعض قادتها والمنتسبين إليها يحسون بالغبن لأنهم لم يجدوا حصتهم الكافية من السلطة على المستوى الإتحادي والاقليمي والولائي ويجابه دكتور التيجاني السيسي تحديات تنظيم حركته كوعاء سياسي عليه ترسيخ أقدامه وفي هذا الإطار يشهد شداً وجذباً بين مكونات حركته وهي أساساً وعاء تحالفي من أمشاج مختلفة وعليه أيضاً تحمل ضغوط الطامحين لشغل المواقع وما يتبع ذلك من غضب وسخط هنا وهناك والأهم من ذلك عليه أن ينفذ البرنامج الذي من أجله عاد وعلى رأس الأولويات استتباب الأمن ونزع السلاح ودمج القوات وإعادة النازحين واللاجئين وتعمير قراهم، وهذا يتطلب توفير أموال طائلة وعد بها الداعمون وغيرهم وأخذ البعض يتحدثون همساً وجهراً بأن هناك بطئًا في التنفيذ وسرب البعض إشاعة مفادها أن دكتور السيسي قد خرج من السودان ولن يعود ولكنه كذب اشاعتهم وعاد وأدان ماحدث في هجليج، وهو الآن أحد الرؤساء المناوبين في اللجنة العليا للتعبئة والنفرة الشعبية التي يرأسها السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية. وقد كان مني أركو مناوي المساعد الاول السابق لرئيس الجمهورية عندما «يحرد» يذهب لدارفور ويقيم وسط المنتمين لحركته من حملة السلاح وقد فعل ذلك عدة مرات وتم استرضاؤه ثم خرج أخيراً وعاد للتمرد وأقام بالجنوب وأصبح أحد قادة الجبهة الثورية بعد أن ردد ساخراً أنه كان يعمل «مساعد حلة» أما الأستاذ الجامعي المهذب دكتور التيجاني السيسي إذا كثرت عليه الضغوط من الطامعين داخل حركته ولم يف الآخرون بتعهداتهم ووجد الطريق أمامه مقفولاً فالمؤكد أنه لن يتمرد لأنه أساساً ليس من حملة السلاح وليس في عنقه قطرة دم واحدة أُريقت ولن يذهب لكاودا أو للجنوب ولكنه قد يعود في هدوء تام لموقعه بالأمم المتحدة دون أن يثير جلبة أوضوضاء «وان ديننا الحنيف يحضنا ويأمرنا بالوفاء بالعهود» وان الوطن مجابه بتحديات أمنية واقتصادية والضرورة تقتضي الحد من الاتفاق الحكومي وإيقاف أي صرف بذخي مع إعادة تشكيل الحكومة إذ أن خزينة الحكومة ليست «تكية» ولا داعي لهذا الجيش الجرار من الدستوريين والوزراء والوضع الأمني يقتضي أن تكون الحكومة أشبه بحكومة الحرب وهذا ليس وقت الترضيات والموازنات والمساومات.. ولا يعقل أن يتدافع الأبطال الصناديد الكماة الاباة شم العرانين لميادين الوغى للذود عن الأرض والعرض والدفاع عن العقيدة والوطن ويكون هم البعض هنا هو «الكنكشة» في كراسي السلطة من جهة واللهث وراءها ومنازعتهم فيها من جهة أخرى وتغدو المسألة «لعبة كراسي» وليس ذلك فحسب بل إن أركان النظام الواحد قد تكون بينهم حرباً باردة لا تخطئها عيون المراقبين.. ومتى يتم السمو والارتقاء من سفح الأنانية والذاتية لقمم الوطنية السامية السامقة؟