لم تترك الحكومة باب التأويلات والتخمينات مشرعًا على آخره بشأن وزارة الإعلام التي شغل وزيرها المستقيل عبد الله مسار المشهد السياسي بعد أن حجز لنفسه المرتبة الثانية في الأخبار بعد تحرير هجليج، وكذلك وزيرة الدولة «المقالة» سناء حمد التي ربما تفاجأت هي الأخرى قبل مناصريها بإقالتها بدليل تصريحاتها المليئة بالثقة أمس الأول بمقر حزبها والتي أوحت بانتصارها على مسار قبل أن تعمل الحكومة بالمثل المحبب للجيش «الخير يخص والشر يعم»، بقول استقالة مسار وإعفاء سناء، وكان محصلة ذلك أنه وفي «24» ساعة فقط سمّت الحكومة أمس وزير السياحة غازي الصادق وزيرًا للإعلام والقيادي بالوطني حسبو محمد عبد الرحمن خلفاً له في السياحة. ثمة عدة ملاحظات وضحت في ذلك التعديل الطفيف: الأولى أن الوطني أراد المضي في منح الوزارة لحلفائه وتسمية ناطق باسم الحكومة ليس من منسوبيه، وقد شغل ذات المنصب من قبل رئيس حزب الأمة الإصلاح الزهاوي إبراهيم، وقد بدأ مسار في فرض وجوده بعد دقائق معدودات من أدائه القسم في ديسمبر الماضي عندما «قام بنمرة خمسة» بدعوته لحرية الإعلام وضبط بعض الناطقين وإحداث إصلاحات حقيقية في الأجهزة والبرامج والشخوص ولعله الأمر الذي بات عصيًا على الوطني استيعابه، فكان مسار أول وزير يقفز خارج مركب الحكومة العريضة، وعطفًا على ذلك تبرز الملاحظة الثانية وهي رغبة الوطني في الإتيان بوزير «غير» ثائر فيه كثير من ملامح الزهاوي إبراهيم فكان الاختيار على غازي، وللمفارقة فإن الرجل كان مع الزهاوي في حزب واحد، وقاد مفاصلة توجت بإنشائه وآخرين حزبًا جديدًا اندمج مع حزبي «الفدرالي والقيادة الجماعية».. وغازي حديث عهد بالمركز إذ كان وزيرًا بالنيل الأبيض قبل عدة سنوات. وثالثًا بتسمية غازي يضمن الوطني أن سهام حلفائه لن تنتاشه ولن يُشوش عليه في الحقل الإعلامي، والذي سيدير به معركته الداخلية والخارجية حال نظرنا إلى المعركة الجريئة التي خاضها مسار مع أحد أبناء الحركة الإسلامية والإنقاذ مدير وكالة سونا عوض جادين وهي خطوة من مسار صائبة كانت أم خاطئة أشبه بمحاولة الدخول إلى عش الدبابير، ولذلك جاء القرار الرئاسي الذي أُعيد بموجبه جادين إلى منصبه يحمل توجيهات صارمة وحازمة أرغمت مسار على الاستقالة والتي هي أشبه ما تكون بالانتحار السياسي له بعد أن بدأ نجمه يلمع بنشاطه الكثيف في الأربعة أشهر المنصرمة، ولعله لو لم يتقدم بالاستقاله لطاله سيف الإقالة!! مع العلم أن تسمية مسار في الإعلام كانت رغبة الرئيس البشير شخصيًا بحسب مصدر موثوق، بينما كان الوطني يرى تسميته وزيرًا للنقل. الملاحظة الرابعة في التعديل وجود موازنة جهوية تمثلت في تسمية مفوض العون الإنساني الأسبق حسبو عبد الرحمن وزيرًا للسياحة وهو ينحدر من ذات القبيلة التي ينحدر منها مسار الذي ليس بمؤتمر وطني، وقد غاب وجه من القبيلة من المؤتمر الوطني في التشكيل الأخيررغم وجود الصادق محمد علي بدرجة وزير دولة بالاستثمار والتي تحولت لمجلس، وبالإتيان بحسبو حافظ الوطني على الموازنة القبلية. خامسًا يُظهر تعيين حسبو وجود بعض الارتباك داخل الوطني وعدم تأنيه في الاختيار إذ أن الرجل يشغل منصبين مهمين «رئيس كتلة نواب دارفور بالبرلمان والأمين السياسي للوطني»، ومعلوم أهمية المنصبين في الفترة المقبلة، فالأول داعم لاتفاقية سلام دارفور التي «دق» رئيس سلطة دارفور التجاني سيسي «جرساً» بشأنها الأسبوع الفائت، والثاني كقناة حوار مع القوي السياسية للتوافق حول القضايا الكبرى منها الدستور، ما يعني أن الحزب نظر لقبيلة حسبو قبل شخصه، رغم قدرات الرجل غير المنكورة. سادساً وأخيراً أن الوطني سيعمل أن تكون كلمة السر في الوزارة في منصب وزير الدولة، والذي من المرجح أن يسنده لأحد الشباب قد يكون نائب أمين إعلام الوطني ياسر يوسف هو الأقرب بعد أن كان أحد المرشحين لذات المنصب قبل إعلان الحكومة العريضة فضلاً عن أن ياسر اكتسب خبرات خارجية من موقعه كأمين عام لمجلس الشباب العربي والإفريقي وداخلية من وجوده بالحزب، كما أن تعيينه سيحافظ على حصة الشباب بالحكومة.