من يصدق أن 42 عاماً مرت على رحيل أهزوجة الغناء السودانى العبقري الذي كتب اسمه بأحرف من نور في صحائف التاريخ السوداني، إنها الأيام تسترع خطاها لتمحو من ذاكرتنا الأشياء التي ليست لها قيمة بينما تبقى فيها تلك الشخصيات الخالدة التي أسست لها صرحاً شامخاً في ذاكرة هذه الأمة المبدعة، نعم 42 عاماً مرت على رحيل القيثارة الفذة إبراهيم الكاشف لكنه ظل عائشًا بيننا بتلك الأعمال الخالدة التي أسست لجامعة الكاشف الفنية فدخلها كثير من طلاب الإبداع الغنائي نهلوا من معينها وظلت نبراساً لطريقهم الفني، وظلت هذه الجامعة الشغل الشاغل للباحثين في أضابير الإبداع السوداني فخرجوا منها بالدرر الغالية. سيرة ومسيرة!! ولأنها سيرة عطرة لا يملها الناس وأغنيات لا تمل الآذان سماعها ولأننا شعب يعرف الوفاء فتح مركز راشد دياب للفنون ذراعيه واحتضن الاحتفاء بهذه الذكرى، كان منتدى استثنائياً تداعى له رموز المبدعين في بلادي ولم تغب إذاعة ذاكرة الأمة.. ليلة نادرة فحضرت بقيادة ربان الإذاعة السودانية ومديرها العام الأستاذ/ معتصم فضل، للتعاون مع مركز راشد دياب للفنون، في أن يكون المنتدى «باسم الكاشف» الذى أُقيم مساء الأحد، لوحة وفاء ينقش عليها تفاصيل يحكيها من عاصروه وعاشوا زمناً في صحبته فماذا قالوا عنه وعن عبقريته وموهبته. الموسيقار عبدالفتاح الله جابو قال إن الكاشف كان عبقريًا بحق وحقيقة وعبقريته موهبة وهبها له الله سبحانه وتعالى، عاصرته زمناً طويلاً وكانت أفكاره اللحنية صعبة أصعبها أغنية «أنا بغير» والكاشف صوت فريد لا مثيل له وأينما ذهبنا معه كان يلفت إليه الأنظار. أبو الفن!! شيخ النقاد الأستاذ/ ميرغني البكري: لقبه «بأبو الفن» لأنه كان شخصية نادرة وعبقريته التي يتحدث عنها الناس شهدت بها الصحفية الأمريكية التى جاءت تبحث في الغناء السوداني/ عندما دخلت الإذاعة واستمعت لنماذج في الغناء السوداني لفت انتباهها الكاشف سألت عنه فقالت لو كان هذا الفنان تلقى تعليماً خصوصاً في الموسيقا لكان أحدث انقلاباً في الموسيقا العالمية، والكاشف أول من نقل الأغنية من شكلها التقليدي إلى الغناء بالآلات الموسيقية، وهو أول من أدخل نظام الغناء مقابل الأجر ليس لأن المال غايته لكنه ظل مشغولاً بإسعاد الناس فشغله ذلك عن مهنته وأكل عيشه فأشار له جورج مشرقي بأن يأخذ أجرًا مقابل غنائه أسوة بما يحدث في مصر.. كما شارك في الحديث الأستاذ/ نعمان علي الله وتحدث بإيجاز عن عبقرية الكاشف. . أما الأستاذ / معتصم فضل، مدير الإذاعة السودانية فقال: اغنيات الكاشف مثل السلة المليئة بالفواكه كلما تأخذ منها تجد نفسك تتذوق طعماً رائعاً... هو ظاهرة فنية فريدة تتلمس فيه وضوح نبرة الصوت وقوة الأداء واغنياته تمتاز بالجودة الموسيقية ، ملاحظتي في تعامله مع الشعراء أنه اختار الشعراء المسرحيين مثل خالد أبو الروس والسر قدرو فجاءت اغنياته تحمل موسيقا تصويرية ذات تعابير مدهشة، وإن ما صنعه من إبداع سيظل موجودًا فى ذاكرة الأمة السودانية وما يحمد للإذاعة السودانية أنها وثقت لرحلة الكاشف الفنية وحفظت إبداعه الذي لا يضاهى. وتحدثت ابنة الفنان ابراهيم الكاشف الأستاذة / إلهام ابراهيم الكاشف، وقالت بأن والدها مثل ما كان مبدعاً فى فنه كان كذلك فى بيته ووسط اهله واستطاع ان يجمعهم ويخلق روح الإلفة بينهم وبمثل ما كان غيوراً على اسرته وعلى ان يمنحهم سبل النجاح فى حياتهم كذلك كان غيوراً على فنه، وعندما كان يمارس التلحين لأي اغنية جديدة كان لا يخرج من البيت حتى يكتمل وكان يضع عليه سرية تامة حتى يخرجه في ابهى صورة. متحف الكاشف!! د .راشد دياب: كل اغنية من اغنيات الكاشف تجدها كاملة من حيث تفاصيها الموسيقية واللحنية وتفاصيها الدقيقة واوصافها العديدة وكلما يغني يعطيك إحساسًا وانفعالاً وجدانيًا لا مثيل له من روعتها، لكننا اليوم نفتقد إلى اللحن الجميل.. سنوات لم نرَ لحناً يماثل ألحان حقبة الكاشف وغيره من العمالقة بسبب تعاسة المبدعين وعدم سعادتهم، وتمنى د. راشد دياب قيام «متحف الكاشف» نضع فيه ابداعه وموروثاته المختلفة حتى نحفظ لأجيالنا القادمة هذا الإبداع. وفى جانب المداخلات تحدثت الصحفية إخلاص نمر: الكاشف سبق زمانه واستطاع ان يقدم فناً سيظل باقياً تنهل منه كل الاجيال الجديدة وهو كان عبقرياً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فكلنا عندما نستمع اليه نندهش كيف يستطيع ان يغنى فى المناطق المرتفعة والمنخفضة بكل هذه المهارة. د. شول دينق: استطاع الكاشف ان يضم كل المستحيلات وان يكسر كل الحواجز بإبداعه الذى استلهمه من متعة الاشياء وهذه المتعة مكنته من ان يكون عبقرياً وان يسطر تاريخاً ناصعاً فى سجل الخالدين والكاشف موجود الآن فى افئدة السودانيين لن يخرج او يتزحزح منها مهما طال العمر بل اعتقد بأن هناك زمنًا آخر لفن الكاشف لم يأتِ بعد. واخيراً فإن سلسبيل هذا الحديث قاده الإذاعي عوض احمدان الذى قدم المنتدى بفكره المبدع فخلق صورة جمالية اخرى من حيث غزارة المعلومات عن الراحل او من خلال تلك الخلفيات الصوتية التى بثتها اذاعة ذاكرة الأمة، اما الاداء الغنائي المصاحب الذي قدمته تلك الأصوات التي تقترب من أداء الكاشف كانت علامة وضيئة في المنتدى بقيادة الثلاثي «احمد الطيب البحراوي ، احمد عجوز، الطاهر الخير». وبهذه الليلة يتوقف المنتدى على أن يعاود نشاطه بعد عطلة عيد الفطر المبارك.