على الحكومة ألا تعطي تضمين دولة جنوب السودان لمنطقة هجليج في خريطتها التي أعلنت عنها مؤخراً حجماً أكبر من حجمها، وألا تضيع وقتها في الرد على هذا الادعاء السخيف وغير الحقيقي فهجليج سودانية شاءت جوبا أم أبت، وفي اعتقادي أن حكومة الجنوب تعمدت هذا الفعل وهذا الادعاء من أجل إلهاء السودان وشغله بهذه المسألة، فجوبا تريد للسودان أن يغرق في شبر «الموية» هذا ليبدو الأمر كما لو كان نزاعاً حقيقياً بين الدولتين حول المنطقة، وبالتالي استخدامها كورقة ضغط إضافية في التفاوض حول المناطق الأخرى المتنازع عليها وعلى رأسها أبيي، لذلك يجب على الحكومة ألا تنشغل بتفنيد ونفي غير الموجود وتنجر للوقوع في الفخ المنصوب لها، فالإحجام عن الرد على هذا الادعاء والصمت عن المساجلة فيه هو أبلغ رد وأفضل وسيلة للتأكيد على سودانية هجليج والسودان في غنى عن تكبد مشقة إثبات هذه الحقيقة، وجوبا وحدها التي يقع عليها عبء إثبات تدعائها. 2 «لقد شعرنا بأننا جزء من دولة السودان للمعاملة الطيبة التي تلقيناها من الإدارة العامة للجوازات والهجرة»، هذه العبارة قالها مسؤول الجوازات بسفارة جمهورية جنوب السودان بالخرطوم في ثنايا حديثه ومطالبته السلطات السودانية بتمديد فترة السماح ببقاء رعايا دولته ومنحهم فترة إضافية ليتمكنوا من توفيق أوضاعهم. عبارة مسؤول الجوازات الجنوبي رغم دبلوماسيتها إلا أنها في جوهرها تشير وتعكس الشعور العام لدى السواد الأعظم من شعب الجنوب تجاه السودان والسودانيين، مما يعني أن الحفنة الحاكمة من قادة الحركة الشعبية هم أبعد ما يكونون عن نبض الشارع الجنوبي وأنهم معزولون تماماً عن هذا الشارع ولا يمثلونه وأنهم غير مكترثين لمشكلات مواطنيهم ولا يهمهم إن كانوا سيعانون أم لا جراء عدم توفيق أوضاعهم. وربما سينال هذا الدبلوماسي الجنوبي بسبب ما قاله نصيبه من المحاسبة والتعنيف. إن كانت سلطات دولة الجنوب جادة في توفيق أوضاع رعاياها بالسودان لما تلكأت وماطلت طيلة فترة المهلة الممنوحة لها وهي تسعة أشهر كانت كافية جداً لإنجاز هذا العمل المهم بالنسبة لها. على سلطات الجوازات والهجرة إن هي رأت في الأسباب التي قدمتها السفارة للتمديد وجاهة ومنطقية وفوق ذلك إن هي لمست جدية منها في الالتزام بفترة التمديد أن توافق موافقة مشروطة على التمديد كفرصة نهائية لا رجعة عنها بعدها تقوم سلطات الجوازات والهجرة باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير القانونية في هذا الشأن في مواجهة رعايا دولة الجنوب بصرامة ودون هوادة. 3 دعوة المبعوث الأمريكي الخاص «الأسبق» إلى السودان «أندروناتسيوس» حكومة بلاده إلى تسليح دولة جنوب السودان في حربها مع السودان هي دعوة ليست بغريبة ولا تخرج عن «مألوف» سياسة واشنطون تجاه السودان، فالحركة الشعبية ظلت طوال سنوات تمردها وحربها ضد السودان تتلقى كل أنواع الدعم المختلفة من قبل واشنطون على مر حكم الإدارات الأمريكية المتعاقبة وذلك بالسلاح والعتاد الحربي وبالاعتمادات المالية وبالدعم السياسي والدبلوماسي وبالإسناد الدعائي والإعلامي، فلا جديد في الأمر، بل إن مد واشنطون الجيش الشعبي بالسلاح والعتاد الحربي بعد أن تحول إلى جيش نظامي لدولة جنوب السودان أصبح أكثر سهولة ويسراً بالنسبة لها ولا تجد فيه واشنطون حرجاً قط، فإبّان الحرب والتمرد كانت الإدارات الأمريكية تجد بعض الحرج في دعمها الحركة الشعبية والجيش الشعبي لاعتبارات عديدة، ولكن بعد أن صارت للحركة دولتها المستقلة ودانت لها الأمور فيها فإن ذلك يلغي كل تلك الاعتبارات خاصة وأن هناك حالة من التوتر بين البلدين وصلت لحد المواجهة العسكرية بينهما. في تقديري أن الأمر الجديد والخطير في دعوة ناتسيوس والتي هي أصلاً قائمة هو أن تكون بمثابة «غطاء» مناسب لتسليح الفصائل السودانية المتمردة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور والتي يجمعها كيان ما تسمى بالجبهة الثورية السودانية والتي تؤويها دولة الجنوب وتفتح لها أراضيها للانطلاق منها في شن عملياتها العسكرية ضد الحكومة من أجل إطاحتها واستبدالها بنظام عميل لجوبا. أي أن واشنطون تريد أن تجعل من دولة الجنوب جسراً لتسليح الجبهة الثورية، وما يعضد هذا الزعم أن دولة جنوب السودان شرعت بالفعل في فتح أربعة معسكرات للتدريب العسكري لهذه الجبهة، وفتح معسكرات للتدريب يعني ضمن ما يعني أن هناك خطة حربية إستراتيجية يجري الإعداد لها لتنفيذها على الأجل الطويل ضد السودان، وفتح المعسكرات يعني أن هناك اتجاهًا لتدريب عناصر وقوات الجبهة الثورية المتمردة على أسلحة متقدمة وعلى خطط حربية جديدة تتضمن تدريباً خاصاً على أعمال استخباراتية داخل العمق السوداني، كما يعني فتح الباب لاستقطاب عناصر جديدة للانضمام للجبهة من كل أقاليم السودان ليتفرق دم الحكومة بين هذه الأقاليم وتكون المواجهة بين الطرفين سودانية خالصة.