المدينة القرية هكذا يصفها الزائر منذ الوهلة الأولى، وحتى الذين يقطنون المناقل ينتابهم إحساس بأن مدينتهم هذه ما هي إلا قرية كبيرة لما تعانيه من إهمال في الخدمات كافة، وهذا أيضًا كان شعورنا ونحن نتجاوز بوابتها التي ينقطع عندها طريق الأسفلت لتبدأ معاناة الطريق الوعرة، ومحلية المناقل التي يصل تعداد سكانها مليون نسمة تعاني من الكثير من المشكلات الخدمية وفي مقدمتها المياه، فالترع الرئيسة لمشروع الجزيرة أصبحت موردًا مشتركًا للإنسان والحيوان، وتمتد مشكلة مياه الشرب في كافة قرى ومناطق المناقل، ولكن رحلتنا بدأت في غرب المناقل حيث وحدة معتوق الإدارية والتي وضعت في الطريق إليها لافتة كبيرة كتب عليها هيئة المياه الريفية وأصبحت هذه اللافتة مربطًا للدواب المختلفة، لنقف عند كبري (12) الكوة ونشاهد الأطفال يمارسون الاستحمام والسباحة في مياه الترع، ومشاهد اليرقات تدل على أن هنالك مصابين جدد سوف ينضمون إلى مرضى البلهارسيا مما يؤدي إلى ضياع العديد من الأجيال، وواصلنا جولتنا إلى قرية أبوعون المسلمية التابعة لوحدة معتوق الإدارية التي تبعد (25) كلم عن مدينة المناقل ويبلغ عدد سكانها (4.500) ألف نسمة ويعمل مواطنوها بالزراعة وتربية الحيوان، وقال لي أحد أبناء المنطقة إن قريتهم تنقطع عن بقية أجزاء المحلية والولاية في فصل الخريف لمدة أربعة أشهر، وقال: إن من يتولى أمر هذه المحلية لن يستطيع حل هذه الإشكالات التي تحتاج إلى أن تُقسَّم المحلية إلى عدد من المحليات تقليلاً للظل الإداري حتى يتمكَّن المواطن من الحصول على الخدمات.. لنصل بعد ذلك إلى منطقة خيران ودفع الله التي ينتهي عندها امتداد مشروع المناقل، هذه الأرض التي تزرع مطرياً وتحقِّق إنتاجية عالية من الذرة حسب حديث أهل المنطقة، ولكن الإنجليز في تلك الفترة قد قاموا بإخراج المنطقة من المشروع وتكسير الجبال التي توجد بها والتي تسمى ب «الضهرة» وحكوا لنا قصة الباحثة الألمانية التي جاءت إلى هذه المنطقة وأخذت عينات من تربة هذه الجبال وكأن المستعمر أراد أن يمحو آثار هذه المنطقة التي نرجو أن يكون ما بداخل باطنها خيراً يعود على مواطني المنطقة التي تحتاج إلى مراجعة هيئة الأبحاث الجيلوجية بالولاية، سكرتير اللجنة الشعبية بقرية أبوعون المسلمية بلة منصور العبيد أخذنا في جولة حول المؤسسات الخدمية، وأوضح أن جميع الخدمات أنشئت بالجهد الشعبي ودعم الخيرين وأن دعم المحلية لم يتجاوز فصلاً دراسيًا ضمن مال التنمية، وقال: إن المدرسة الثانوية مختلطة، مشيرًا إلى انتشار ظاهرة المدارس المختلطة في المرحلة الثانوية.. وقال بلة إن الشفخانة أصبحت مظلة تستظل بها الأغنام من هجير الصيف ولا يوجد بها سوى أدوية حبوب الملاريا وحالها يغني عن السؤال.. وأشار بلة إلى أن جميع مواطني هذه المنطقة صوتوا للمؤتمر الوطني خلال الانتخابات السابقة وذهبت وعود كل المرشحين أدراج الرياح وأصبح هم أهل القرية البحث عن المياه النظيفة والصحية في ظل انتشار أمراض البكتيريا والبلهارسيا ومنظر اليرقات وهي تسبح في المياه مما دفع أحد المواطنين إلى استخدام القماش لتصفية المياه من الرواسب والطحالب.. وقال بعض أهل القرية إنهم لا يريدون خدمة من أحد سوى المياه الصحية في ظل غياب المحلية ووزارة الصحة. فيما قالت إحدى بنات القرية وهي تعمل «سيستر» بمستشفى ابن سيناء إن هنالك انتشاراً لأمراض البلهارسيا والبكتيريا التي لا تُعالج إلا بدواء يفوق سعره (40) جنيهًا «للقارورة» الواحدة، وأشارت إلى انتشار حالات من النزف المعوي والبواسير أوساط الشباب مما يؤثر اقتصاديًا على الأسر الضعيفة، وكل هذه الأمراض نتاج إلى انعدام المياه الصحية.. أما حالات تعثر الولادة في فصل الخريف من انعدام الطرق التي تساعد على الوصول إلى مستشفى المناقل فهي قصة مأساة متكرِّرة تجعلنا نشفق على المواطن البسيط الذي يسعى إلى إعمار الأرض، فيما قال مدير مياه المناقل المهندس قسم الله محمد أحمد إن هنالك عددًا من القرى يتم إدارة المياه فيها بواسطة اللجان الشعبية والتي قامت بعضها بتشييد محطات المياه بالجهد الشعبي ويقومون بتحصيل مديونية الإنشاء من المواطنين، مناشداً لجان هذه القرى إدخال محطات المياه تحت الهيئة للاستفادة من الجوانب الفنية. وأوضح معتمد المناقل إبراهيم الحسن أن مشكلة المياه بالمحلية أكبر من إمكانات الولاية وتحتاج إلى دعم اتحادي، مشيراً ل (الإنتباهة) إلى تبني نائب رئيس الجمهورية المهندس/ الحاج آدم لهذه المشكلة عبر استقطاب منح وقروض خارجية وداخلية لإنشاء محطات تحويلية ومدمجة لحل مشكلة المياه جذرياً. وأضاف: أن الدراسات الفنية أثبتت عدم وجود مياه جوفية بمناطق معتوق والجاموسي والماطوري والقرشي وود النورة وأبو آدم، إلى جانب مدينة المناقل حيث يسكن المواطنون بأحياء لا توجد بها مياه جوفية، الأمر الذي دفع المواطنين لاستخدام مياه الترع غير الصحية. فيما طالب مواطنو قرى المناقل باستنفار حقيقي لحل مشكلاتهم هذه، وقالوا: إن قراهم بها كوارث صحية أقعدت بمواطن المناقل الذي عانى من الصراعات السياسية لتمتد المعاناة إلى كافة الخدمات.