أهلنا من قبائل السودان الناطقة بها يجمعون مفرد عصا وعصاية على «عِصِي» بكسر العين والصاد.. والعِصِي التي نتحدث عنها اليوم ليس لها أي علاقة بالعصا بتاعة أبو الطيب المتنبي التي أشار إليها في قصيدته عندما كان يهجو كافورًا الأخشيدي حاكم مصر والذي لم يمنحه فرصة الحكم على إحدى الولايات فتمرد وقام بتكوين حركة مسلحة مناوئة بمفرده لأنه كان يمثل جهاز إعلام قائمًا بحاله في مقاييس ذلك الزمان.. والمتنبي وصف «كافور» بقوله «لا تشتري العبد إلا والعصا معه» وحدث هذا قبل ألف وثلاثمئة عام تقريباً من الآن.. ثم إن جيش الوكيل عريف سلفا كير عندما أخذت السكرة وظن أنه سيغزو هجليج.. وجيشنا علمه درساً ساخناً وعصره عصراً وهرسه هرساً ودرشه درشاً ووصف الحركة الشعبية ب «الحشرة» وهي امتداد طبيعي «لأنانيا ون» و«أنانيا تو» والأنانيا عبارة عن حشرة سامة.. ووصف جيش الحشرة بأنه فقط تنفع معه «العصا».. قامت «الجكلبة» وقالوا إنها عصاة المتنبي وأنها حشرات الهوتو والتوتسي.. ولهذا أردنا أن نقول إن «العِصِي» التي نحكي عنها اليوم لا علاقة لها بالمتنبي ولا بالهوتو.. وإنما نقصه «عينة» في الخريف تأتي في المقدمة وفي شهر مايو بالذات.. وأهلنا المزارعون يقولون «إن بطلت العصي.. الخريف قسي».. وبالطبع إذا نجحت العصي فإن الخريف ناجح، وهذا العام فعلاً نجحت العصي ونزلت فيه بشائر «الرشاش» وتم التعبير عنه بالسخانة والتراب والكتمة في الخرطوم ومدن الشمال.. وأهلنا يشبهون الخريف بالأسد الخارج ماشياً من الغابة.. والأسد يبدأ خروجه بالذراع «اليد اليمنى» وهذه العينة مدتها ثلاثة عشر يوماً وتأخذ اسمها من «الذراع» واذا نجح الذراع فقد نجح الخريف.. والأسد بعد أن يمد ذراعه يظهر «فمه» ويصيح «وينتر» وهذه العينة مدتها ثلاثة عشر يوماً ويسمونها «النترة» ولأن القبائل العربية القادمة من أصول اليمن تقلب الثاء تاءً فتقول اتنين بدلاً من اثنين ويقولون «النترة» بدلاً من النثرة.. وهذه العينة من المطر ينزل فيها الماء منثوراً وقوياً يشبه زئير الأسد وتصاحبه الصواعق والزوابع والرعود. ومن بعد ذلك يظهر الأسد برأسه كاملاً وتظهر جبهته وتسمى هذه العينة «بالجبهة» ومدتها ثلاثة عشر يوماً وتكون أمطارها قوية غزيرة.. تكثر فيها الرياح.. ثم بعدها تأتي عينة أخرى بنفس المدة تسمى «الطرفة» وتعني طرف عين الأسد ويسمونها الطرفة البكاية حيث تكون الأمطار فيها غزيرة ولكنها رذاذية رقيقة الحبوب مثل الدموع.. ولهذا يطلق عليها الطرفة البكاية.. وتكون متقطعة في نزولها.. تنزل ثم تتوقف لمدة ثم تنزل مرة أخرى.. وبعد ذلك تأتي عينة أخرى يسمونها «الخرصان» وهي عينة من الأمطار مدتها ثلاثة عشر يوماً قوية الهطول ذات حبوب كبيرة الحجم وتنزل بصوت قوي وقد تؤدي إلى كسر بعض المحصول.. ومن بعدها تأتي العينات الشتوية المعروفة باسم «العواء».. و«السماك» ومن ثم يتوقف هطول الأمطار.. وكل عينة يقابلها مستوى من مستويات إنبات المحصول خاصة الذرة الذي يبدأ «بالشوكة» ثم يتطور إلى أضان فار» ثم إلى «سواسيو» ومن بعدها إلى «صقّار» ومن ثم إلى «لتيبة» ومن بعدها مرحلة «الحملة» ثم «اللبنة» ثم «الشراية» ثم «العيش المقاوي».. وبمناسبة الخريف رأينا أن نكتب هذا المقال سائلين الله أن يجعله خريفاً خيراً يكفينا شر استجداء الأغراب فقط سيكون المطلوب الحفاظ على هذا المحصول والحرص على عدم تهريبه للجنوبيين ولا ننسى أن التعليمات ضد المهربين Shoot to Kill