نخرج اليوم من البيئة العامة وقضياها إلى البيئة الشخصية الضيقة وقضاياها الواسعة. فعندما كنت شافعاً صغيراً يافعاً، وقد حدث هذا في يوم من الأيام وفي حداثة سني هذه.. كنت أستمع للفنان المرحوم حسن ضرار يغني أغنية يقول مطلعها: يا صبايا الحي كيف الحب كانا وقد أعجبتني كلمة «الحب كانا» أيما إعجاب حتى أصبحت عندي كلمة واحدة اسمها «الحبوكانا»... وقد وجدت أن هذه الكلمة الموسيقية الجميلة هي خير كلمة تدل على حالة الحب والمحبين والأورام القلبية والانقشاعات النفسية والتي تصيب البشرية السودانية رجالاً ونساء على حد سواء. وفي خضم ما يحدث اليوم من تقاطعات في المسألة الزواجية وخاصة واليوم هو السابع والعشرون من رجب شهر العرس بالكورة وفك البورة فإن الآنسة سسنة قد اتخذت موقفاً يبدو أنها لن تتزحزح عنه. - شوف يا خي دا راجل ما قادر يحدد موقفه وأنا مش ممكن اقعد بالشكل دا. اصلو حانتظره لمتين؟ على العموم فسخت الخطوبة.. والعلاقة بيناتنا زي ما تقول انتهت.. ختمت الآنسة سسنة كلامها كالعادة بعبارة «زي ما تقول انتهت» وهذا يعني أنها فعلاً قد أنهت علاقة ما بطريقة دراماتكية، وأنها الآن في طريقها إلى علاقة جديدة، ففي ظرف هذه السنة فسخت خطوبتها أربع مرات والسبب أن الخطاب لا يحددون موقفهم بعد ذلك... فهي لن تظل مخطوبة طيلة حياتها... وهي تقول: «شوفوني انا مخطوبة» بل يجب أن يشوفها وهي قد تزوجت فعلاً، وسبب هذه البلاوى هو إيمان الآنسة سسنة المطلق بموضوع الزواج فهي لا تؤمن بأي شي اسمه الحبوكانا... والحب الوحيد الذي تؤمن به هو الذي يقود إلى الزواج... والذي يحبها يجب أن يتزوجها أولاً.. ثم يحبها بعد ذلك على كيفو وعلى هذا فهي لا تهتم بأي شخص لا تظهر عليه ميول أوأعراض الزواج حتى ولو قضى عمره كله في كتابة الأشعار من أجلها. وتعرفت الآنسة سسنة، على السيد شرك، وقد كان يعمل معها في نفس المصلحة ولم يمر على تعارفهما أكثر من أسبوع حتى أعلنت الخطوبة... فقد كانت لها مقدرة فائقة على إقناع الخطاب. - وشوف يا شرك يا خوي، أحسن من دربك دا تمشي تكلم أهلي وتربط لسانك معاهم... لأنو في ناس كتار عايزين يتقدموا... ويمكن أي واحد فيهم يتقدم وبعدين انت موقفك يبقى صعب وكان السيد شرك يرد... - لكن أفرض في ناس اتقدموا انتي مش عندك راي.. مش ممكن ترفضي؟ وكانت ترد بحدة... - أرفض أنا...؟ زول اتقدم وخطبني من أهلي، أرفض كيف يعني؟ ويحاول الأستاذ شرك أن يقنعها بعكس ذلك - حتى ولو كان زول ثقيل وغير مناسب؟ وترد الآنسة سسنة.... - ثقيل بتاع شنو؟ هو زول اتقدم.. يبقي ثقيل كيف؟ الثقيل دا يا سيدي الزول الما بتقدم.. لكن الزول البتقدم ويخطبني مش ممكن يكون ثقيل. ويستمر السيد شرك يجادل: - بس لكن أنت بت مثقفة وواعية ولطيفة وظريفة كيف تتزوجي زول ثقيل وبايخ ودمه تقيل... لمجرد انه تقدم؟ وكانت الآنسة سسنة لا تتحزح عن موقفها. - طيب انتو الناس الظريفين اللطيفين، الما ثقلاء ليه ما اتقدمتوا؟ غايتو أنا بفتكر الزول الثقيل الما لطيف ومش ظريف هو الزول الما بتقدم... لكن الزول البتقدم ويخطبني من أهلي دا أظرف منو مافي. وتنتهي المناقشة باقتناع السيد شرك وبعد أسبوع نسمع عن خطوبة الآنسة سسنة ثم تبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية وهي مرحلة تمم جميلك كملو. - شوف يا شرك... خطوبة بتاعة شنو... أنا ما بعترف بخطوبة، أصلو أنا حأقعد مخطوبة لمتين... أسبوع... أسبوعين عشان انت تستعد معليش... لكين حكاية بتاعة سنة سنتين دي أصلو ما ممكن ويرد السيد شرك: - يا ستي قلتي اعملوا خطوبة عشان في ناس تانين متقدمين....عملناها... تجي كمان تبدي معانا اسطوانة جديدة ما خلاص لما تتسهل الأمور ندخل في القصة دي... وترد الآنسة سنارة: - لا... يفتح الله يا خوي... دا اصلو عرس ولا أبحاث فضاء.. نقعد نحسب في السنين والدنين... زي دا ما ينفع، ومافي ليه لزوم... وانا ذاتي ما عندي ليها روح. ويحاول السيد شرك إقناعها بقصة الخطوبة: - شوفي الخطوبة معمولة عشان الواحد يدرس أخلاق وميول خطيبته، وعشان الخطيبة تدرس ميول الخطيب وكدا... يمكن أكون زول غير مناسب بالنسبة ليكي.. مش أحسن برضو تكون عندك فرصة عشان تحددي؟ وترد هي بعنف.. - أحدد شنو... ومش مناسب كيف...؟ مناسب أكثر من انك اتقدمت وأدوك وتفتكر أهلي لو كانوا شايفنك غير مناسب كان أدوك؟ أبداً... دي حاجات أنا مؤمنة بيها... دلوقت نحنا مخطوبين لينا أسبوعين وبالكتير الأسبوع الرابع ندخل في المرحلة الثانية.. يعني مرحلة الزواج... عشان نقدر نتأكد أنك جاد في الموضوع وإنو الحكاية مش مسألة خطوبة ودراسة... وحاجات من النوع دا وكدا.. وبعد هذه المناقشة الحادة تنتهي الخطوبة وبنفس السرعة التي أعلنت بها نمسع إعلان فسخ الخطوبة وقد جاءها اقتراح في مرة من المرات أن تطبع كروت فسخ الخطوبة علي هذا النحو «آل الآنسة سسنة والسيد شرك، يسرهم دعوتكم بمنزلهم الكائن في المكان الفلاني والزمان الفلاني بمناسبة فسخ خطوبة ابنتهم سسنة من الأستاذ بلطي، والعاقبة لكم في المسرات» - انت قايل حكاية زى دي غير واردة؟. دي حكاية ممكن تحصل لأنو الرجال هنا... ما قادرين يحددوا موقفهم.. ودي حكاية مش تمام.. وهكذا توالت الخطوبات وفسخ الخطوبات... مما جعل الآنسة سسنة تفكر في تغيير خططها لمجابهة النقص الهائل في عدد الخطاب وهروبهم. فالتقت بالشاب بلطي... في حفلة من الحفلات... وقد استجاب بلطي للآنسة سسنة... ووقع مغشياً عليه في حبها... لكنها كما قلنا لا تؤمن بشيء اسمه حب، أو حبوكانا فما كان منها إلا أن بادرته. - شوف يا بلطي... سيب حكاية الخطوبة دي... أحسن نتزوج طوالي.... ودي أريح طريقة... وأفاق السيد بلطي من غيبوبته العاطفية، ليقول.. لكين مش احسن اخطبك بالأول بعدين نتزوج.... لانو كل الناس بيعملوا كدا وأنا أفتكر فترة الخطوبة دي فترة مهمة جداً... وانا كشاب لازم أشعر بانو عندي خطيبة... وأجي والقاها بتغزل في منديل حرير زي ما بقول الفنان... - منديل حرير بتاع شنو يا اخي.. هو دا وقت مناديل حرير؟ اسمع موضوع الخطوبة دا أنا بقيت اتشاءم بيهو احسن نتزوج طوالي.. ويحاول الشاب بلطي جاهداً أن يقنعها.. - خلينا نعمل الخطوبة، ولو اسبوعين وبعدين نتزوج؟؟ ولكنها لم تقتنع، فقد توصلت الى أن الخطوبة ليست هي المرحلة التي تقود الى الزواج... وأنها الى الآن قد فسخت خطوبتها عشرات المرات.. وإنها هذه الأيام قد لاحظت عزوف الشبان عن الزواج واقبالهم على الخطوبات وهذه في نظرها ظاهرة خطيرة، «لازم تقنع السيد بلطي ولازم تتنازل عن بعض آرائها» فقال له: - شوف يا بلطي... انا ممكن اوافقك في رايك... وممكن نصل لحل مناسب... خلاص نتزوج في الأول ونعمل الخطوبة بعد الزواج؟؟ ويرد السيد بلطي في فزع.... - نعمل الخطوبة بعد الزواج كيف؟ وتجادل الآنسة سسنة: - يا اخي... اذا كان الناس اتعودا يعملوا الخطوبة قبل الزواج دا مجرد تعود ودي عادة بس... لكين نحنا ممكن نثبت للناس أنو الخطوبة ممكن تكون بعد الزواج... أنت اعمل العقد والزواج واى حاجة... وبعدين ناخذ لينا فترة خطوبة.. وزي شهرين كدا حسب البريحك.. فافتكر دا كلام معقول ولا زال الشاب بلطي يهرش رأسه إذا كان هذا فعلاً من الجائز والممكن.