راهنت حكومتنا على شعبها ووعيه كثيرًا وكررت مرارًا أن الأحزاب لا قدرة لها على إخراجه للشارع، ولم يخذلها ذلك الشعب النبيل وخير دليل على وقوفه جنبها يوم اجتمعت الأحزاب ودعت الناس للخروج في مظاهرة لإسقاط النظام وفي بالها ثورات الربيع العربي التي أطاحت عدة رؤساء، ولكن الناس خذلوها وهي كانت على ثقة بنتيجة دعوتها فلم يؤم ميدان «الثورة» سوى سكرتير الحزب الشيوعي الراحل «نقد» فلتغشاه رحمة الله وبعض حزبه فلم يجد سوى «فحمة وكرتونة» كُتب بالأولى على الثانية العبارة المأثورة «حضرنا ولم نجدكم» التي تجسّد قمة الإحباط ثم انفض سامر القوم. لكن إن لم تستطع الأحزاب أن تحرك الشارع فلتدرك الحكومة أن «الجوع كافر» وحتى تقنع مواطنيها بضرورة إجراءاتها الاقتصادية القاسية كان عليها أن تقوم قبل ذلك وليس بعده بهيكلة نفسها واتباع ريجيم قاسٍ حتى تبين نتائجه على جسدها المترهل، ثم تتجه بعد ذلك لتنفيذ برنامجها الاقتصادي، وستجد المواطنين بجانبها مثلما فعلوا من قبل حتى وإن اضطروا لربط الأحزمة على البطون بشدة حتى تلتوي «المصارين».. ولن يكون هناك غبن أو ضغينة، ولكن قبل أن تبدأ من الداخل من الصعب على المواطن أن يتقبل سياستها التقشفية التي فرضتها عليه. على الحكومة كذلك أن تفرض رقابتها على السوق وقطع الطريق على «تماسيحه» فهي إن فرضت زيادة قيراط فالتماسيح يزيدونه «24» قيراطًا، وخير برهان ما يحدث في مواقف المواصلات إذ قبل أن ترفع الحكومة دعمها عن الوقود، وقبل أن تزيد تعريفة المواصلات، بل قبل أن تمنع استيراد الإسبيرات المستعملة، ومن ثم ترتفع تكلفة التشغيل كان أصحاب المركبات العامة يمارسون الجشع ويتحايلون لزيادة التعريفة بتجزئة المشاوير فحافلة الكلاكلة اللفة تشحن الكلاكلة القبة بجنيهين بدلاً من «جنيه ومئتي قرش» وحافلة جبل أولياء «هايس» تفعل نفس الشيء ثم تشحن من اللفة لجبل أولياء بجنهين آخرين بدلاً من «جنيه ومئتي قرش» ولم تدرِ الحكومة أنها حين قررت تعريفة الهايس من الخرطوم لجبل أولياء بجنيهين وسبعمائة قرش أن التعريفة الفعلية التي فرضها أصحاب الهايس والغريس قبل كل تلك الزيادات ثلاثة جنيهات و«الما عاجبو يركب 11خ»! مع حق التظاهر وضد التخريب، فالمظاهرات التي أطاحت رؤساء من حولنا لم تكسر زجاج سيارة لمدني أو تحرق بيته! لا نريد إسقاط النظام، بل نريد اصلاحه، فإذا كانت الإنقاذ سيئة فغيرها أسوأ وهب أننا انتفضنا وانتصرنا فبمن سنأتي خلفا لها وقد قال أهلنا «البجرب المجرب ندمان» ولو أكل أهل الإنقاذ حتى اتخموا فإن من سيحكموننا بعدهم لا شك أنهم جوعى فهل سنصبر عليهم حتى يشبعوا؟ وإذا فعلت المظاهرات ما فعلت ببلدان غنية مثل ليبيا ومصر وتونس فماذا ستفعل ببلدنا المسكين؟ كل ما اشتدت الضائقة على المواطن يصرح مسؤول بتخفيض سعر«الفراخ» منذ عهد المتعافي وحتى الخضر وهم لا يعلمون أن المواطن لا يعرف سعر الفراخ أصلاً لأنهم ليسو من آكليه، وكان أولى أن تجتهد في تخفيض سعر الخبز والدقيق و«لحم البقر» لأن المواطن أيضًا ليس من أكلة لحم الضان ومع ذلك ظل سعر الفراخ يواصل الصعود. ياحكومة أبقي عشرة على المواطن عشان يبقى عشرة عليك.