لأول مرة في تاريخ الأحزاب السودانية يقدِّم حزبٌ اعتذاراً عن الأخطاء التي ارتكبها إبان حكمه، حيث أكدت المايوية المعروفة بروفيسور فاطمة عبد المحمود رئيس تنظيم الاتحاد الاشتراكي السوداني اعتذاراً باسم حقبة مايو للأحزاب السودانية والنخب وخصَّت بذلك الأنصار والشيوعي والبعثي.. وكل من مسهم ضرر أو خطأ ما في فترة حكم مايو «25 مايو 1969م أبريل 1985م» وقالت في حوار أجرته معها (الإنتباهة) بمكتبها بالخرطوم إن مايو أخطأت كذلك بشعب الجنوب في عدم تنفيذ اتفاق أديس «1973م».. وأكدت أن اعتداءات الجنوبيين التي يقوم بها الجيش الشعبي في حدود السودان لا تؤدي إلى سلام وهي خارج نطاق الحكمة.. ووصفت فاطمة عبد المحمود المطالب الخمسة التي طرحتها الحركة الشعبية في جولة التفاوض الحالية بالصعبة، مؤكِّدة أنه لا مكان للخيال مع الواقع.. فإلى التفاصيل: أنتِ يا مايو الخلاص يا جداراً من رصاص... دعينا نبدأ بمايو.. كيف تنظرين الآن لهذه الحقبة وقد مرَّ عليها «43» عاماً؟ مايو تحتاج إلى حلقات ما لها وما عليها، وبها الكثير من ذكريات العمر، لكن لا بد من أمر مهم.. إنني وباسم مايو أقدِّم اعتذاري وأكرِّره لكل القطاعات التي أصابها ضرر في فترة حكم مايو بما في ذلك حزب الأمة والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي، ولا بد من الاعتذار للجنوبيين في انهيار اتفاقية أديس أبابا «1973م». ألا تعتقدين أن هذا الاعتذار سيثير غضب البعض باعتباره جاء متأخراً؟ نعم.. أعلم أن هذا سيغضب الكثيرين لكن من لا يعلو بفكره ويتنازل عن هفواته لا يستطيع المسير مستقبلاً، فالتاريخ يحتاج منا لرصد الأخطاء من الطرفين في إطار الأحداث السياسية الدامية، ومن هذا المنطلق أقولها كلمة ونصيحة للحكومة الآن بأن تتقبَّل الرأي الآخر والنقد مهما كان «مُرَّاً»، وأن تعترف بأخطائها لتفاديها، إن أرادت أن تحكم السودان لا بد أن تحكم الجميع، وأن تركِّز على أهمية مشاركة كل الأطراف في الحكم وتبادل الآراء في القضايا الوطنية كافة؛ لأن هذا يقوي الوحدة الوطنية ويبعد الجميع عن الأخطاء. وفقاً للأوضاع الراهنة ماذا يستفاد من تجربة حكم مايو؟ التفكير في الدستور أصبح همًا من هموم الأحزاب السياسية الحاكمة وغيرها، وبحكم ما لديّ من تجربة متواضعة أرشح دستور «1973م» الذي حكمت به مايو وأن يعاد التفكير فيه ويصبح مرجعًا ضمن المراجع للاستفادة منه في الدستور الجديد، ولا بد من تفادي أية إشارة شمولية فردية والاستفادة من المرجعيات الديمقراطية والتوجه التوحدي والتنمية والتسامح الديني والاستفادة كذلك من اتفاقية أديس أبابا «1973م» في تطوير مستقبل السودان الشمالي، فتجربة مايو عريقة ويبدو أن الدستور الجديد أخذ في الاعتبار من كل الدساتير الماضية بما فيها «1973م». هل يمكنكِ الحديث عن السلبيات والإقرار بها الآن؟ نعم.. نحن نعترف بالسلبيات التي اعترت النظام في تلك الفترة ولا بد من إبعادها عن تفكيرنا ومسارنا. تحديداً ما هي تلك السلبيات التي اعترفتم بها؟ تمثلت في العداوة الحزبية والعنف الشديد في مواجهة الخصوم والتنازلات، في تقديري هذه أكثر السلبيات التي أضرَّت بمايو. كيف نظرتم لاعتداء الحركة الشعبية على هجليج ومن أي الزوايا؟ استنكرنا في أكثر من بيان احتلال جيش الحركة الشعبية لهجليج باعتبار أنها سودانية وجزء أصيل من حكومة الشمال ولم ينص أي اتفاق على ضمها، ونأمل أن لا تتكرَّر مثل هذه التعديات التي تؤثر في أمن وسيادة واقتصاد البلدين، وأن تكون سحابة صيف. كيف يمكن بناء علاقة متوازنة مع دولة الجنوب وفقاً للواقع الراهن؟ بالالتزام بالحدود القانونية والارتباط بالتقسيمات التاريخية للدولتين، والسعي من الطرفين لتحسين العلاقات وخلق دولتين صديقتين دون مشاكسات. لكن الحركة الشعبية هي التي تتعامل بمواقف حادة وغير مدروسة، كيف يتفق ذلك مع ما ذكرتِ؟ نعم.. توجد بعض المواقف تعتبر غير مدروسة «ومختلف» عليها من بعض قيادات حكومة الجنوب أنفسهم لذلك نأمل أن لا يكون هناك تسرُّع في تقييم الأمور وعدم الاختلاف فيما يتعلَّق بالأجندة الأمنية للبلدين والمنافع المتبادلة فيما يختص بالبترول والاعتماد عليه والمواقف الخارجية. الحركة الشعبية «تجرُّ» شعب الجنوب إلى الهلاك.. اتهام يظل قائمًا بلسان بعض قيادات المؤتمر الوطني؟ إذا أردنا أن نقلِّل من حدة المواقف فلا بد أن يلتزم الطرفان بعدم الاتهامات التي شهدناها من الطرفين بالرغم من ما فيها من حقائق، نحن نتمنى أن يكون السلام هو الشعار الأساس الذي نسعى إليه. إذاً كيف تقيِّمين جولة التفاوض التي بدأت مؤخراً بأديس هل ستكون كسابقاتها أم ستنجح؟ هذه ليست مرحلة التقييم بل هي مرحلة أجندة ويمكن أن يصل الطرفان إلى اتفاق، فمبدأ الجلوس والتفاوض والبحث عن الحل مظهر إيجابي لا بد أن ندعمه لعدم تفاقم الأمور. لكن طرح الحركة الشعبية للبنود الخمسة أثار شكوكًا لدى بعض المحللين من نجاح الجولة؟ هي بداية صعبة لكن بالحوار سوف تعتدل المطالب ولا مكان للخيال مع الواقع كما أننا يجب أن لا نتشاءم من مسار المفاوضات. مرَّ وقت على اتفاق الدوحة وتكوين سلطة إقليمية لكن المواطن في دارفور يعاني حتى الآن.. ما هو تعليقك؟ اتفاق الدوحة خطوة إيجابية ومجهود مقدَّر من كل الذين قاموا به وهو إشارة خضراء وفي تقديري أن عدم الأمن الذي يشعر به المواطن الدارفوري؛ لأن هنالك أجزاءً مهمة في الاتفاقية لم تكتمل. ما هي هذه الأجزاء المهمة التي أشرتِ إليها؟ عزوف حركة العدل والمساواة وعبد الواحد عن إكمال السلام له أثر كبير على أرض الواقع، لذلك لا بد من إيجاد مدخل وأسلوب نستطيع أن نفتح به هاتين الحركتين ونحن من هنا ننادي باسم المرأة السودانية بأهمية انضمام الحركتين إلى ركب السلام، وعلى جميع الأحزاب أن تعي بالمسؤولية التاريخية في حل قضية دارفور وتكوين الدولة السودانية المتكاملة بأصلها وعرقها الدارفوري، لهذا لا بد من الجلوس والانفتاح التام والصراحة الكاملة والمشاركة لكافة القوى السياسية الحاكمة والمعارضة والمتفرجة والمساندة، هذه محطات لا يمكن إغفالها. لكن الدعوة كانت تقدَّم للقوى السياسية إلا أنها عزلت نفسها؟ لم تعزل نفسها بل هناك أوضاع تكتفي فيها القوى الحاكمة بشق جزئي دون الكلي. البعض يرى أن قضية دارفور تمر بتعقيدات الجنوب من خلال وجود الحركات الدارفورية بالجنوب.. هل من تعليق؟ من الصعب أن يتكرَّر الحدث؛ لأن كل قرار تحكمه ظروف بيئية وسياسية مختلفة، فالجدية والمتابعة والالتزام الوطني والتكاتف الاجتماعي هو المدخل للحلول الجذرية، كما أن قضية دارفور مختلفة بطبيعتها وتكوينها وخلفيتها من الجنوب لذلك لا أتوقع أن تأخذ دارفور ذات المسار فيما عدا الحركات المسلحة التي لها بعض من الصلة بالحركة الشعبية. الحكومة الآن.. هل هي كما أُعلن قبل تكوينها بأنها ستكون رشيقة.. وقليلة الصرف؟ المسألة ليست رموز سلطة بل تغييرات تاريخية في مقدمتها انفصال الجنوب وهو ما يحدث الآن في جنوب كردفان وأبيي.