{ الراحل المقيم علي إبراهيم عكير الدامر أحد الشعراء النوابغ المعدودين والمشهورين، وقد يتبادر للأذهان أن عكيراً يتناول شعره كغيره في هذا الميدان ولا يعلمون أن عكيراً من كبار رجال الخدمة المدنية وأنه أحد الذين تخرجوا في كلية غردون في أوائل عهدها وأنه يجيد التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة وفي أوائل الثلاثينيات عمل موظفاً في قوة دفاع السودان بالقضارف وله شعر رائع صوّر فيه الطبيعة الخلابّة والماء والوجه الحسن وصور فيه جبال القضارف الشاهقة العالية.. وعكير بارع في جوانب الشعر المختلفة وفي المدح بصفة خاصة وله شعر رائع في الهجاء يحكي صوراً طريفة في ميدان الهجاء وفي القضارف كان الباشكاتب: الشهير وكان يرأس عكيراً وله معه مساجلات في الشعر وكان عكير ينتمي إلى شعراء الشكرية والباشكاتب ينتمي إلى آل بكر وانقسم فريقان في الشعر وكان بينه وبين ذلك الباشكاتب نوع من الجفوة.. وقد جاء تلغراف عاجل بنقل الباشكاتب للفاشر مما أثلج صدر عكير.. وكان مفتش المركز الميجر ASFAN لا يرغب في نقل الباشكاتب واتصل بالرئاسة في الخرطوم معارضاً نقله ولكن ذلك لم ينفع ولم يستجب لطلبه.. وسافر الباشكاتب منقولاً للفاشر، وقال عكير يهجوه فرحاً بنقله وقال: ياربْ يا كريمْ صِبحْ ألوجه مُتَباشر٭وتمَّت نقلتْ الكلبْ العقور للفاشر قبيح الخلقة لي ضيفانو ماهو مُباشر٭ وسافر لا تعود بالمرَّه من الفاشر يا حليلْ السّرفْ ليك والرَّقلْ وتواوَه٭ تمّتْ نَقْلَتكْ أرْكزْ عَديلْ يا لفاوَه ألقَدر إنْ وقع للميجر اَبَّداوه٭أرْحل لا تعودْ صَفقنا نحن بَراوه والرقل وتواوه هم جبلان بالقضارف التي فارقها الباشكاتب، والقدر إن وقع للميجر آبداوه وهو المفتش الذي عارض نقله ثم قال له - نقول بيت أمَّك المركز عملتُو براك٭أخرج مِنُه مَلْعوناً وشيكْ وقَفاك وظل الميجر مفتش المركز يواصل مساعيه ليعود الباشكاتب وفعلاً استجابوا لرغبته ولم يكمل الباشكاتب شهراً وعاد للقضارف وقبل أن يعود أرسل أعداء عكير وأصدقاء الباشكاتب قصيدة الهجاء وبها أكثر من مائة بيت كلها هجاء وتسلمها الباشكاتب بالفاشر. وجاء الباشكاتب عائداً بقطار السكة الحديد وجاء أصدقاؤه وأعداء عكير لاستقباله بالمحطة. وجاء عكير ووقف بعيداً وهم ينظرون إليه ويذكرونه هجاءه الذي أوصلوه للباشكاتب وهو بالفاشر وتوقف القطر وقفز عكير للباشكاتب قائلاً: مرحب حباب ضو القضارف بركة العودة وظل ينقل الشنط وكان خفيفاً في حركاته.. وأصدقاء الباشكاتب واقفين ينظرون إليه في دهشة ونزل الباشكاتب وزوجته وابنته فريدة وفتح لهم عكير باب عربة الكومر وذهب معهم لمنزلهم المجاور لمنزله وأحضر جرادل الآبري والشربات يوزع فيها للزوَّار وفي الصباح الباكر ذهب عكير للمكتب وجاء الباشكاتب داخلاً ونظر إلى عكير بسخرية قائلاً «عكير ولحق به عكير في مكتبه قائلاً مرحب صباح الخير وقال له الكلب العقور رجع يا عكير. وقال له ما هذا يا رئيس قال: ألم تقل في قصيدتك تمت نقلت الكلب العقور للفاشر وأخرج له القصيدة كاملة من جيبه، وقال عكير أنا لم أقل هذا الشعر وإنما هؤلاء أعداؤنا أرادوا أن يوقعوا بيني وبينك.. وقال له أسمعك الشعر الذي قلته في نقلك من القضارف قال له طيب قول قال قلت: مالك يا القضارف الليله وجهك كاشر٭قالت ولدي للضيوفو مباشر راح خطر نقلوه راح الفاشر٭تبكيكالقضارف يا الأديب الباتر وهكذا قلب بيوت الهجاء كلها إلى مدح وثناء وأسف لفراقه والسيد الباشكاتب نفسه من شعراء السودان المعدودين والمشهود لهم وقال: يا عكير إن قصيدة الهجاء عملتها. وهي التي قلبت بيوتها إلى ثناء ومدح في الحال وهذه البراعة والنبوغ في الشعر لم يسبقك إليها أحد ولذلك عفوت عنك تقديراً لبراعتك في الشعر، ونحن منذ اليوم أصدقاء وتنقل عكير في أغلب أنحاء السودان وعمل جزءاً من وقته بالخرطوم وزامل كبار الشعراء: الشيخ إبراهيم العبادي وود الرضي والفاضل شندقاوي وغيرهم وقضى فترة بمركز شندي وبينه وبين حمدان خفير ناظر الجعليين والشاعر المشهور مساجلات من الشعر ومع الشاعر القدير ود البشر من أدباء شندي ثم نقل عكير إلى رئاسة المديرية محل وطنه بالدامر. وظل إلى جانب عمله يعطي نفسه حقَّها الطبيعي في ممارسة هوايته وحيث الرحلات النيلية والخلوية في عهد الخريف وهو يصور الطبيعة والأمطار وإبداع الخلاق العليم في شعره الرائع.. وكان تجواله بالرواحل التقليدية وبالمراكب وهو أحد هواة الصيد من الطراز الأول ويصطاد أحياناً بالكلاب النادرة وله جولات في أيام الخريف بالوديان الخضراء يسجل خواطره.. وعكير من أبرع صيادي التماسيح بسلاحه وعرف كذلك باصطياد الغزلان وعرف باقتناء الحمير النادرة وإلى جانب ملكته الشعرية كان خفيف الظل حاضر النكتة حتى في أحرج الأوقات.. ويحدثك عكير مؤانساً بصراحته المعهودة ويحدثك عن تنقلاته في أنحاء السودان وعن سيرته الذاتية إلا تاريخ ميلاده فقد ظل سرًا يحتفظ به وإذا جاء شاب وقال له يا عم عكير يقول له: عمي يقدد عيونك أنا أكبر منك تقول لي يا عم!! وهو في ذلك التاريخ يقارب التسعين عاماً ولكنه شاب في تفكيره وفي عطائه للشعر.. وخصّ السيد عبدالرحمن المهدي إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة بأشعاررائعة، بل هي معلقات يتحدث عنها الناس في أنحاء السودان ولو كنت المسؤول عن حزب الأمة والأنصار لقلّدت عكيراً وساماً من الذهب الخالص تقديراً لتلك المعلقات الشعرية في ود المهدي.. وعكير في شعره كذلك يمتاز بالرثاء للشخصيات التي تستحق أن تُرثَى وله مرثية تاريخية في الشيخ محمد شريف الزبير شيخ خط العالياب وهي من المعلقات التاريخية، وله قصيدة رائعة في مدح العمدة عبدالماجد الحاج ود ريّانة قال فيه: عمدة فايده حرم بالاسم والمعنى٭كلمتاً شينه بي هظار عمرو ما سمعنا بالجود والكرم فاق اسمو حاتم ومعنى٭ جناح الرحمة فرّ وتحتو مرّه جمعنا ومن بليغ رثائه في المرحوم أحمد علي بشير قائلاً: حلفاية الملوك الليلة وينو حفيدك٭أحمدنا البريد الضّيف قدر ما بريدك وكذلك رثاؤه في الشيخ الجيلي الكباشي قائلاً: جات الدنيا تجري للجيلي ورجوله حفايا٭ ما كفاه أحمد كوكب الحلفاية ومرثيته للشيخ محمد شريف أذكر منها بعض الأبيات لقوتها وأصالتها أنكسر الحسام اللِّمحن قسّام٭ سيف البضا اللاّبسه الرجّال وسام جيتْك ناس الآخرة هللّو وفرِحُوبه٭وفراقك بي غضب الفي الدنيا هم حسُّوبه والشيخ محمد شريف حقيقة لابسه الرجالة وسام خريف ....... اللي الحكم كشام وعكير لا يرثي إلا شخصاً يستحق الرثاء، ورثى من الشخصيات عبدالله ود العطا، الباهي خضر العطا، والنور محمد خير، والمقدم محمدين البدين وغيرهم.