بعد نجاح المساعي الدبلوماسية التي قادتها الخارجية السودانية على كل المستويات سواء الداخلية، باجتماعها بكل السفراء الإفارقة في الخرطوم وأيضاً الخارجية بمخاطبة رئاسة الاتحاد الإفريقي، انعقدت أولى جلسات القمة الإفريقية التاسعة عشرة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس بحضور قوي لكثير من الرؤساء الأفارقة وبعثاتهم بالإضافة للمراقبين وضيوف الشرف. مساعي الخارجية السودانية فرضها القرار الذي اتخذته الرئيسة المالاوية بعدم استطاعة بلادها توجيه الدعوة لمؤسسة الرئاسة السودانية ممثلة في شخص الرئيس البشير لحضور القمة ومطالبتها بتمثيل دون ذلك للسودان في القمة، وذلك خوفاً من استحقاق غضب المانحين الرئيسين الذين يعتمد عليهم الاقتصاد المالاوي المتداعي والذي سبق أن اختبرته مالاوي العام السابق عندما عقدت قمة «الكوميسا» واستمطرت عليها «لعنات وغضب المانحين الأوروبيين» وذلك على خلفية توقيعها على بروتكول المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من أن الإجراء الذي اتخذته الحكومة المالاوية غير قانوني ذلك أنها لا تملك الحق في توجيه الدعوة لأي جهة من عدمها بل هي فقط لها حق استضافة القمة فيما تقوم مفوضية الاتحاد الإفريقي بكل العمليات الإجرائية للقمة، ومنها إرسال الدعوات وتحديد قائمة الحضور، وبرغم أن الاتحاد الإفريقي قد حدد موقفه تماماً من المحكمة الجنائية منذ قمة «سرت» في يوليو من العام 2009 بموجب القرار«245» وأيضاً قرارات ومقررات كل القمم التالية، والتي تؤكد رفضه التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية في كل ما يختص بحصانة الرؤساء والمسؤولين الأفارقة، والذين يرى الاتحاد أن المحكمة تستهدفهم بشكل خاص، برغم هذا إلا أن العذر الذي ساقته مالاوي لعدم استطاعتها للوقوف ضد إرادة أصحاب اليد العليا عليها يجب أن لا ينظر له باستهجان دون التمعن في أسبابه ويجب ألا يمر دون أن يفتح الكثير من المسكوت عنه في ملفات الدول الإفريقية التي تأتي في نفس السياق، ولكن بملامح وأوجه أخرى كثيرة. والتي تؤدي فيما تؤدي إليه زيادة حدة التنافر واصطدام المصالح فيما بين الدول الإفريقية وهو ما يشكل إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه الوحدة الإفريقية التي تسعى قمم الاتحاد منذ نشأته إلى جعلها واقعاً إن استطاعت تحقيقه، فسيعود بالخير العميم على كل القارة بلا استثناء. فالتدخلات الخارجية في الدول الإفريقية تتخذ لها في كل حين لبوساً جديدًا وبالقطع فإن الاستعمار الأوروبي الذي خرج من الباب من معظم دول القارة قد عاد كأقوى ما يكون من الشباك وبأكثر من طريقة وعلى رأسها الاستعمار الاقتصادي والثقافي واللذان لا تزال تعاني منهما الكثير من الدول الإفريقية، بل وما تزال تسقط في شباكهما المزيد والمزيد من الدول كل حين. وهو الأمر الحري بالدول الإفريقية أن تلتفت إليه وتوليه حقه من الاهتمام. لقد قام الاتحاد الإفريقي كبديل لمنظمة الوحدة الإفريقية والتي كان من أولى أجندتها تحقيق التعاون والتضامن بين دول القارة على كل المستويات وعلى رأسها الشق الاقتصادي وكذلك مواجهة التطورات العالمية السياسية والاقتصادية بما يتناسب وحجم القارة ومواردها وإمكاناتها التي تعدُّ الأضخم عالمياً، بل واستغلال موقعها الذي ينتصف العالم وكان يمكن أن يجعل منها الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد العالمي بلا منازع.. وهو ما لم يتحقق حتى الآن للكثير من الأسباب وهو ما جعل مالاوي تحمل عار تبعيتها ارتهاناً لقوى الشر العالمي التي لا تفتأ تشتري وتبيع في الكثير من الدول الإفريقية. إن قدر القارة السمراء أن تحمل العديد من التناقضات، وأن تواجه الكثير من التحديات وكان لها أن توظف الكثير من أقدارها توظيفاً إيجابياً لو توحدت الجهود ونفذت الكثير من مقررات القمم الإفريقية السابقة بل ومن قبلها مقررات منظمة الوحدة الإفريقية في كل ما يتعلق بما تواجهه الدول الإفريقية اقتصادياً واجتماعياً، وعلى رأس ذلك القضاء على الثلاثي القاتل، الفقر والجهل والمرض، الذي يعطل تطورالقارة ويحد من تقدمها وهي التي تملك أن تقود العالم اقتصادياً بمواردها التي لا تنضب. وتأتي الكثير من الإشكالات الأخرى المرتبطة بشكل أو بآخر بالقضايا السابقة، كتأخر التنمية في معظم الدول ودخول الكثير منها في دوامة الحروب الأهلية التي تحرك أكثرها أصابع خارجية وتمدها بالسلاح الذي أصبحت الدول الإفريقية سوقاً مفتوحاً له، إضافة إلى مشكلات التنوع العرقي والقوميات التي ساهم المستعمر في دفن ألغامها منذ بدايات القرن الماضي وما تزال تتفجر كل حين هنا وهناك آخذة في طريقها المزيد والمزيد من الضحايا ومعطلة لعجلة التنمية التي بالكاد تدور في معظم الدول السمراء. إن القمة تنعقد والقارة تواجه الكثير من الإشكالات وتتفجر الأوضاع في الكثير من الدول منذرة بتطورات لا تحمد عقباها خاصة وأن تقاطعات مصالح الدول الكبرى في القارة أخذت في التضارب نتيجة لعدد من الإحداثيات الجديدة التي بدأ العالم يتشكل على إثرها، وعلى وجه الخصوص بعد الأزمة المالية العالمية في أواخرالعقد الأول من الألفية وبعد تغير الخريطة السياسية في الكثير من دول الشرق الأوسط إضافة للكثير من الأحداث التي شهدتها بداية الألفية وأدت لخلخلة النظم العالمية التي سادت ردحاً من الزمن، كل هذا انعكس سلباً على منظومة القارة وعني لها المزيد من القلاقل في محاولة من هذه الدول الاستحواذ على أكبر قدر من مواطئ الأقدام لها في القارة سواء بالطريق السلمي أو بافتعال المزيد من الحرائق. وهو ما يستوجب ضرورة أن تخرج قمة أديس بمقررات تستطيع إيقاف نزيف القارة وتحقيق أكبر قدر من الاتفاق على ضرورة تهدئة التوترات بين دول القارة وأيضاً وبنفس القدر بين القوميات المختلفة التي تتشكل منها هذه الدول وهو ما يقود بالضرورة إلى حتمية تكوين جسم اقتصادي قوي يجمع دول القارة في منظومة اقتصادية تحقق لها أكبر قدر من الوحدة الاقتصادية وهو ما سيؤدي بالضرورة لوحدة سياسية واجتماعية هي أشد ما تكون الحاجة إليها في عالم يمور بالتكتلات على كل المستويات، وليس ذلك ببعيد، فوحدة الموقف الذي اتخذته جميع الدول الأعضاء من قرار حكومة مالاوي والذي أدى لنقل القمة من عاصمة مالاوي إلى العاصمة الإثيوبية خير دليل على أن بمقدور الدول الإفريقية تحقيق وحدة الكلمة والرأي التي هي البداية لكل إنجاز.