في هذه اليوم الرابع من أغسطس، تمر علينا الذكرى الثامنة والعشرين لوفاة الفنان عبدالعزيز محمد داؤود- رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه شآبيب عطفه ورضوانه. أكثر من ربع قرن من الزمان إنقضى منذ أن فارقنا الفنان الكبير، وعن ديارنا مضى .. مخلفاً وجداناً عامراً بالجمال والألحان بعد أن شكله أبو داؤود على نغمات صوته وتجليات أدائه. لقد كتبت أقول(الأكبر من أبو داؤود هو قلبه.. ألم يسعنا كلنا؟) نعم لقد حملنا في قلبه حباً ودفقاً من العاطفة والإحساس النبيل، فأرهقنا ذلك القلب فتهاوى وهو يلهث لإسعادنا.رحمه الله رحمة واسعة .فإن كان الفنان محمد وردي هو الفرعون، وكان الفنان عثمان حسين هو الملك المتوج على عرش الغناء، فقد كان أبو داؤود هو الفنان... لم يرث لقباً غير لقبه الحقيقي الذي عاش به وعشنا به معه. ولا يمكن أن يذكر أبو داؤود إلا ويذكر معه العازف العبقري الملحن العظيم برعي محمد دفع الله ويذكر معهما الراحل البروفيسور علي المك.. ترجمانهما وكتابهما الذي كانا يمشيان به بين الناس. تلك ثلة قد خلت بعدما توسدت شغاف قلوب أبناء هذا الشعب. كتبت كتاباً عن أبو داؤود وأعده أجمل ما كتبت، إذ أنني لم أكتب للآن كتاباً يماثله(أبوداؤود... كيف الحياة غير ليمك)، ووجدت أن ما ينقصه هو كتاب آخر عن العازف والملحن الفذ برعي محمد دفع الله، فكتبت كتاباً عن برعي وجمعت الكتابين في كتاب واحد أسميته (أبو داؤود وبرعي.. كبريتة وعود) وسيطبع بإذن الله قريباً. منذ القدم كان الإنسان يغني..وكانت الشعوب تصنع أنغامها وموسيقاها، وكان المغني هو صوت أمته وقد أعطي نبي الله داؤود مزماراً لم يعط لأحد في زمانه أو بعده.. صنع به موسيقى كونية. ولكن من أين جاءت كلمة موسيقى ونحن نذكر فناناً كأبو داؤود والشئ بالشئ يذكر ولا نريد أن تكون ذكرانا له بالكلمات المكرورة المعادة.. بل بمعلومة قد تفيد؟ ومن المعلومات الطريفة التي وقفت عندها ما يتعلق بكلمة(موسيقى) ومن أين جاءت تلك الكلمة.. يقول التوراتيون إن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لسيدنا موسى عليه السلام أن يضرب الحجر وعندما ضربه إنبثقت منه اثنتا عشر عيناً احدثت كل منها صوتاَ عذباَ مختلفاً وكانت أساس المقامات التقليدية الاثنى عشر فجاء الوحي وقال (يا موسى إسق) وجمعت الكلمتان فنتج عنهما تسمية تلك الأصوات (موسيقى). و القصة كما جاءت في القرآن الكريم في سورة البقرة الآية (60) (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) الا أن جميع المفسرين لم يستدل أحد منهم على أية علاقة بين الآية و الموسيقى ، فالزعم أن تلك الاثنى عشر عيناً هي المقاملت اللحنية المعروفة أو هي الاثنا عشر نغماً التى صاغها الموسيقار الالماني ريتشارد فاجنر (1813-1883) والتى تعرف بالسلم الملون أو الكروماتيك، وقد تأثر بها الموسيقار أرنولد سكونبيرج (1874-1951) فيما اصبح يعرف بالدوديكافونية حيث تستعمل الأصابع البيضاء السبعة فى البيانو مضافاَ اليها الأصابع السوداء الخمسة في(12) نغماَ او السلم دون فوارق بينها. ذلك الزعم ليس له ما يسنده لأنه يفترض ان تلك المخاطبة التى تمت بين الله سبحانه وتعالى و بين نبيه موسى عليه السلام جرت باللغة العربية حيث أمكن إشتقاق كلمتى موسى..اسق) و دمجها في كلمة واحدة هي (موسيقى) ولا أحد يستطيع ان يحدد نوع اللغة التى تمت بها المخاطبة الربانية..كل ما ندريه انها قد حدثت وأن سيدنا موسى عليه السلام قد استجاب لنداء ربه فضرب بعصاه الحجر وسقى قومه ماء ولم يسقهم ألحاناَ و أنغاما.. فاشتقاق كلمة (موسى..أسق) لا أساس له. ولكن التوراتيين أرادوا أن يجدوا اصلاً ربانيا لكلمة (موسيقى) وهذا ايضا لا يستقيم، لأن الموسيقى نشاط بشري يعلو ويهبط في سلم الإبداع على مختلف الأزمان و العصور وعملية التأصيل ظلت تشغل.. الانسان طيلة تاريخه الطويل، وهو يحاول أن يجد بداية لكل شيء..وليس ، هناك كائن آخر فى هذا الكون تشغله البدايات مثل الإنسان. وقد جاء في الكتب القديمة : (اعطى الله أولاد قابيل القدرة على صنع الآلات الموسيقية فصنع لامك العود، و توبال الطبل ودلال المعزف، وصنع شعب لوط الطنبور..) (من كتاب الموسيقى العربية لسيمون جارجي ترجمة عبدالله نعمان) ص11. و تورد الكتب التوراتية ايضاً شيئا عن المقامات الموسيقية فتزعم (أن لكل مقاماً من المقامات السبعة نبياً يعرف بها ، وهكذا غنى آدم مقام الرست، و موسى مقام العشاق ، و يوسف مقام العراق ، و يونان مقام ما وراء النهرين ، و داؤود مقام الحسيني، و إبراهيم مقام الحجازي ، وغنى إسماعيل أخيراً مقام النوى وانبثقت عن هذه المقامات الأساسية السبعة خمسة أخرى فارتفع بهذا المجموع الى اثنتى عشرة مقاماً.. مماثلة لصور البروج الفلكية). ولكن كل ذلك ضرب من الزعم الذي لا يستند إلى دليل. وفي ذكرى أبوداؤود نقول: جات بالليل... نسايم الليل شايلة طيوبا زي قصبة مدالق السيل تحرك جوة في الوجدان حكاية أصيلة عن فنان بيجلس فوق نجيلتو يغني يتربع على عرش الغنا كزي فلق الصباح أو أنة المجروح ويستقبل عذارى الحي ويفرش ليهن الغصن الرطيب ويزيد جمال ونضار وطيب ويقدل فوق ضفاف أم در ويرجع تاني ويعودا ونحنا الفينا محرية ونحنا الفينا مشهودة وعاد كيفين غزال البر بيرحل ونحنا في الساحل؟ ونحنا الكنا بنادي حليلو الخدو كان نادي ؟ *** يجيك من داخل الأعماق هدير شلال وصوت مطراً بروقو تبدد العتمة وبكا الدوبيت يواسينا ويطايبنا ويسلينا ويتوشح هموم الناس يقدم للصبر مفتاح عشان بكرة الصباح قال ليها ألف فرج بينزل فينا أذكاراً في نص الليل ويمسح من صدور الناس هموم زمناً بهد الحيل محل ما يمشي يزرع خلفه زهر الروض ومن نفس البسوح نديان فريع البان الف سلام بيشرق في القلوب أفراح نغم سواح على الساحة البتتراخى وتضوي سماح. له الرحمة والغفران من رب كريم رحيم فقد ترك فينا أبو داؤود ذكريات عطرة وإبتسامات دائمة، لا يذكر إلا وتذكر وهي بمثابة صدقة جارية، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.