{ المتتبع للسياسة التركية الداخلية والخارجية يجد تناغمًا بين السياستين، وهكذا تكون السياسة، فالسياسة الخارجية ماهي الا انعكاس للسياسة الداخلية.. وهذا ما يجعل السياستين خاليتين من المتناقضات الامر الذي أصبح سمة في كل البلاد العربية والإسلامية.. ورغم المآخذ الكثيرة التي يمكن ان نأخذها على أتاتورك الا اننا يجب ان نعترف بأنه اهتم ببناء الجيش وابقائه قويًا، ولعل ارتباط تركيا بحلف شمال الاطلسي كان عاملاً ايجابيًا في تقوية هذا الجيش، فالتاريخ يذكر لهذا الجيش بالصولات والجولات في اوروبا الامر الذي جعل كل قوى الشر في العالم تتآمر ضده.!! تقول الأرقام ان تعداد الجيش التركي في حلف شمال الاطلسي يقارب المليون، لهذا اكتسبت تركيا مكانة رفيعة في الحلف الامر الذي أهلها دون غيرها من بقية الأعضاء وأكسبها حق الاعتراض في الحلف.. وقد ظهر هذا جليًا في اعتراض تركيا على تنصيب راسمونس الدنماركي الاصل أمينًا عامًا للحلف، وسبب ذلك كان تلك الرسوم التي تستهزئ بالرسول الكريم في الدنمارك وراسمونسن دنماركي الجنسية، ولم توافق تركيا الا بعد ان قدمت امريكا والحلف التنازلات لصالح تركيا، والتي زادت من قدر تركيا في الحلف والعالم اجمع. عندما دخلت قوات الناتو افغانستان كانت القوات التركية من ضمنها وقد اشترطت تركيا عدم دخول قواتها في عمليات قتالية في ذلك البلد المسلم، والآن المنطقة التي تعمل فيها القوات التركية من أهدأ المناطق في افغانستان حيث انسجم الجيش مع المواطنين وقدم لهم يد العون فكان الجيش الوحيد المرحَّب بوجوده في ذلك البلد، والجيش الوحيد الذي لم تتم مهاجمة مواقعه في ذلك البلد. وقد منعت تركيا اي طلعات من اراضيها عندما هاجمت امريكا واحتلت العراق بذات الوسائل الديمقراطية التي تنتهجها امريكا والغرب، وقد أبرزت امريكا غزو العراق بصورة ديمقراطية حيث وافق الكنغرس ومجلس النواب على الغزو، مبينين في ذلك ارادة شعبية وكيف تكون ارادة شعب هي ابادة شعب آخر؟ فقامت تركيا بعرض الموضوع على برلمانها والذي ابدى اعتراضه على غزو العراق من اراضيه، وقد اثبت البرلمان التركي رغبة الشعب التركي في الحفاظ على شقيقه الشعب العراقي بذات الطريقة الديمقراطية التي صوت بها نواب الكنغرس بالموافقة على إبادة الشعب العراقي، الامر الذي ابتلعته امريكا على مضض، فهي ان اعترضت تكون قد خالفت القواعد الديمقراطية التي تدّعي دائمًا أنها راعيتها.. وانها ما غزت العراق إلا لبسط الديمقراطية!!! وسياسة تركيا ادخلت الغرب في حرج شديد فتركيا تتعامل وفق الأسس الديمقراطية الغربية، لذا لا يجد الغرب فرصة للانتقاد فهو ان فعل فإنما يفضح نفسه امام شعوبه.. عندما تولى حزب العدالة والتنمية الحكم كانت تركيا في وضع اقتصادي هو الأسوأ في اوروبا وآسيا حيث بلغ الدولار ثمانمائة الف ليرة تركية وكادت تركيا تسقط في هوة الإفلاس والدول المنهارة، الآن وفي اقل من عقد من الزمان تحولت تركيا الى دولة يشار الى اقتصادها بالبنان، ونالت احترام العالم أجمع.. وما من خطوة سياسية يتخدها اوردوغان الا وعرضها على استفتاء شعبي نال به التأييد المطلق للشعب التركي، وكلما حل البرلمان واعلن عن انتخابات جديدة كانت النتيجة تأييدًا اكبر واوسع من قبل الشعب التركي. ان الذي يدور في تركيا ما هو الا استعادة لتلك الامجاد الإسلامية التي نشرت الاسلام في اوروبا واستنهاضها للمجد الإسلامي الذي بنته تركيا بعد سقوط الدولة العباسية، فإن سقطت راية المسلمين في مكان ارتفعت في مكان آخر.. وقديمًا عارض السلطان عبد الحميد بيع فلسطين لليهود، وقد كانت دولة الخلافة في اشد الحاجة للمال، ومزق الخطاب الذي قدم فيه اليهود ملايين الجنيهات الذهبية ثمنًا لفلسطين في وقت كانت الدولة في امس الحاجة لاي قرش يقدم لها.. ولم يكتف الخليفة المؤمن بهذا بل بعث لشيخ طريقته في فلسطين خطابًا يحذر فيه من بيع اراضي فلسطين لليهود ولكن الشيخ اهمل هذا التحذير... وهنا قامت الحركات القومية التي حرّكها اليهود فقامت حركة تركيا الفتاة التي تنادي بالقومية التركية، وانشأ اليهودي سلامة موسى حركة القومية العربية وكانت هذه اولى خطوات تفتيت الخلافة، فقطعوا حتى الخطوط الحديدية الرابطة بين تركيا وبقية الدول الغربية تحت اشراف اليهودي لورانس العرب، ولم يدركوا انهم إنما يدمرون اقتصاد بلادهم.. ولو ان صوتًا اسلاميًا صادقًا في هذا العالم لما كان ذلك الا صوت تركيا فهي الدولة الوحيدة التي تقول لأمريكا لا، وتقف حجر عثرة امام التسلط الصهيوني المسيطر على العالم، بالأساليب الديمقراطية الغربية، التي تحرج الغرب وتفضحه امام شعوبه في المقام الاول.. حنين الأتراك للإسلام لا حدود له، وتحضرني هنا قصة تدل على ذلك الحنين المتجذر في نفوس الأتراك.. في العاصمة البريطانية لندن افتتح أحد الاتراك بارًا ومرقصًا وظل يديرهما ويكسب منهما المال الوفير، وذات يوم اتى اليه مسلم افريقي من الصومال وطلب منه تبرعًا لإنشاء مسجد، وفي تلك اللحظة استيقظت الحمية الإسلامية في قلب وعقل الرجل وقال: نحن ورثة الخلافة الإسلامية ونحن أولى ببناء المساجد من غيرنا وفي الحال اغلق البار والمرقص وحوّلهما الى مسجد في قلب لندن.. ذات الكلمات قالها اردوغان وبهذا المفهوم الإسلامي الواسع دافع اوردوغان عن غزةوفلسطين، وبذات المفهوم زار الصومال وتجول في معسكرات الجوعى وقدم لهم المساعدات برفقة زوجته، الامر الذي لم يقم به أى رئيس او ملك عربي مسلم لبلد عربي ومسلم وعضو في الجامعة العربية التي تركته نهبًا للغزو والتمزق.. قطع كل العلاقات مع إسرائيل وأمر اسطوله بالوجود الدائم شرقي البحر الأبيض المتوسط وحذر إسرائيل من تكرار ماحدث لأسطول الحرية فالرد هذه المرة سيكون شافيًا.. واوردوغان إذا قال فعل واسرائيل تدرك تلك الحقيقة تمامًا، لذا ادلى بتصريح تبطنه الهزيمة، حيث قال ان العلاقات بين اسرائيل وتركيا لا يجب ان تصل لهذا المستوى من التدهور، وهذا إدراك من إيهود باراك للخطر التركي الإسلامي على دولة اسرائيل.. ان تركيا بالفعل تمثل خط دفاع منيع للشرق الأوسط الإسلامي وهي الآن الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة المسلمين سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهذه مؤهلات لا تتوفر في دولة عربية او حتى إسلامية اليوم، فالعالم العربي اليوم وفي عصر الثورات العربية بدأت ولادته من جديد ومازال طفلاً يحتاج الى عناية خاصة فإن تُرك للغرب وإسرائيل لفسد هذا الطفل وهو في اطواره الاولى، فالاولى بهذا الطفل رعاية تركيا من رعاية غيرها.. وما من دولة في العالم تهتم بشؤون المسلمين في فلسطين والصومال وغيرها الا تركيا التي تكافح وتطالب في المحافل الدولية بحقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى وتقف عونًا لثوراتها مثلما تقف تركيا في حين ان الجامعة العربية والدول الإسلامية الأخرى تشاهد ما يدور وقد ألجمها صمت القبور... ايها العرب، ايها المسلمون، تركيا تبني خطوط التواصل فلا تقطعوها كما فعلتم بإيعاز من اليهود.. حين دمرتم الخط الحديدي الذي ربط الدول الإسلامية بتركيا ونفذ بكم إلى قلب أوروبا... أيها المسلمون هلموا إلى تركيا فالمعتصم هناك!!