خلال الأربعة أشهر الأخيرة وحتى أول أمس، تدخل السيد رئيس الجمهورية بشكل مباشر وحاسم، وألغى قرارات وزارية لعدد من الوزراء الاتحاديين وأبطل مفعولها، وتدخَّل النائب الأول للرئيس وألغى قراراً لوزارة الموارد المائية والكهرباء، وهي في مجملها وبكل ملابساتها وحيثياتها، تستحق التوقف عندها، لتوالي حدوثها وتواتر وقوعها الأمر الذي يضر بصورة الدولة ويطعن «مأسَسَة» قراراتها، ومخالفة ما يتّخذه بعض الوزراء من قرارات لنظم العمل والقانون.. ففي وزارة الإعلام قبل أربعة أشهر وعلى خلفية إيقاف مدير عام وكالة سونا للأنباء وتفاعلات هذه القضية، تدخل الرئيس مباشرة وأبطل قرار الوزير عبد الله علي مسار وأرجع عوض جادين لعمله، فتقدَّم مسار باستقالته ولحقت به وزيرة الدولة سناء حمد بالإقالة... وفي وزارة التجارة مع حلول الشهر الفضيل اتّخذ وزير التجارة الخارجية عثمان عمر الشريف قراراً أتبعه بإجراءات فورية منه، بالسماح لمستوردي السيارات المستعمَلة بمزاولة عملهم الذي كان قد توقف بموجب قرار من مجلس الوزراء بإيقاف استيراد العربات المستعمَلة وهو القرار الصادر في 16/9/2010م، وقبل أن يجفّ حبر قرار الوزير، وفي ذات الليلة صدر عن مكتب الرئيس قرار من سطرين تم فيه التأكيد على سريان القرار الذي بموجبه تم حظر استيراد السيارات المستعمَلة، وصمت وزير التجارة عثمان عمر الشريف ولم ينبس ببنت شفة.. وظنَّ الدكتور عبد الحليم المتعافي أنه من أبناء «المصارين البيض» في سلطة الإنقاذ، فلم يلوِ التفاتاً لأعرق لوائح وقوانين الخدمة المدنية، ولا للسياسات التقشفية التي أعلنتها الحكومة مؤخراً وأنهت فيها خدمة الخبراء الوطنيين وطالت حتى مستشاري الرئيس، وصدر عن مجلس الوزراء قرار بنهاية الخدمة المعاشية للمدير العام لمصلحة وقاية النباتات التابعة لوزارة الزراعة، وهو إجراء طبيعي وقانوني لا معقِّب عليه ولا استثناء فيه، فعمد المتعافي وزير الزراعة إلى إدارة قراره كوزير وأبقى على مدير وقاية النباتات خضر جبريل موسى، الذي بلغ السن المعاشية وينبغي إفساح المجال لغيره كما هو متَّبع ومعروف.. وتدخّل الرئيس أيضاً وألغى قرار المتعافي الذي يقال إنه اعتزل الناس ولاذ بمنزله بعد إلغاء قراره وفي النفس شيء من حتى أو غضب! وتزامن وترافق مع إلغاء قرار المتعافي، قرار آخر، صنو ومشابه له، فقد حاول وزير التجارة إعادة تكليف السيد عبد الرحيم أحمد خليل للاستمرار في عمله بالأمانة العامة بعد انتهاء فترة عمله استناداً لقرار من مجلس الوزراء بنهاية خدمته، وألغى قرار الوزير مباشرة، وهو القرار الثاني له يُلغى بهذه الكيفية في فترة لم تتجاوز الشهر تقريباً.. وأُلغي كذلك بواسطة لجنة وزارية رَأَسَها السيد النائب الأول في الأسبوع الأول من شهر رمضان الفضيل، قرار زيادة سعر الكهرباء الذي فاجأت به المواطنين، وثار البرلمان والرأي العام لعدم وجود مبرِّر ومسوِّغ لهذه الزيادات ولم تتبع الوزارة الجوانب الإجرائية المتوافقة مع الدستور والقانون والتقدير السياسي السليم.. وقبل الدخول في حديث عن ضرورة ما ينبغي أن يفعله هؤلاء الوزراء بعد إلغاء قراراتهم، هل بالاستقالة من مناصبهم كما فعل مسار؟ أم تقبُّل الأمر والاستمرار في العمل؟ لا بد هنا من القول إن ما حدث خلال هذه الأربعة شهور دليل واضح على التخبُّط وعدم وجود احترام لمؤسسة الدولة واحترام القانون واللوائح التي تنظم عمل الوزارات وتحدِّد صلاحيات واختصاصات الوزراء وعدم تجاوزهم لحدودهم، وهذا خلل مريع في الأداء التنفيذي ينبغي محاسبة الوزراء على تجاوزاتهم هذه وليس مجرد إلغاء قراراتهم.. ثم إن هؤلاء الوزراء ما كان يضيرهم لو جاءوا وتشاوروا مع الرئيس ووضعوه في صورة ما يريدون فعله اتّقاء لمثل هذا الحرج البالغ أو طلبوا فتوى من مجلس الوزراء لمعالجة التكييف القانوني لقراراتهم... الإحساس يتعاظم بأن البون شاسع بين سيادة حكم القانون وهذه الفوضى التي تمارَس وقرارات الوزراء العشوائية التي لا تستند إلى شيء سوى المزاج والاستمزاج الشخصي ...