لم يعد التسول الذي نراه في الشارع العام تسولاً تقليدياً كالذي نعرفه، فهو مزيج بين الإحتيال والعمل الإجرامي المنظم والإستغلال البشع للطفولة والمرأة على حد سواء، بل تؤكد المعلومات والتقارير والدراسات أن شبكات منظمة داخلية وخارجية تعمل في مجال التسول، وأن هذه المجموعات تعمل بشكل دقيق ومنظم داخل ولاية الخرطوم، وتدير أموالاً تفوق المليارات، وذلك من خلال استئجار الرضع، والإتجار بالفتيات، وإكراه للصبية للدخول في ميادين التسول وبينهم (أفندية من الدرجة الأولى) بحكم مستوى دخلهم الكبير، ويتراوح لأضعف الفئات منهم ما بين ألفين إلى إلفين ونصف في الشهر، بل تعددت وسائل التسول واختلفت وامتزجت مع الإحتيال والغش الماكر والساذج، مستغلاً في ذلك العطف الكبير الذي يتميز به السوداني . وقد اشارت دراسة للدكتور حسين عبد الرحمن سليمان حول البعد القانوني والجنائي لظاهرة التسول ويقول إن وضعية الأطفال في التسول تطرح إشكالية التعريف بصورة حادة إذ يختلط التسول كعمل استغلالي محض (غير تجاري) مع أشكال التسول المتصلة بجريمة الإتجار بالأطفال ويعرف ب(الإتجار بالبشر) وفقا لما جاء في البروتكول الدولي لمكافحة الإتجار بالبشر، بأنه (تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو اساءة استغلال حالات استضعاف أو باعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال) . ويشمل الاستغلال، كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. وتشير معلومات الدراسة أن الاطفال الذين يتسولون في الطرقات وغيرها يطلق عليهم «المتسولون» بالرغم من اختلافات جوهرية بينهم إذ أن هناك أطفالاً يقوم أفراد أسرهم بتسفيرهم أو نقلهم داخليا مصطحبين أو غير مصطحبين من قبل شخص بالغ من الأسرة لاستغلالهم في التسول بصورة يومية ومنتظمة وطوال اليوم، كما اثبتت معلومات الدراسة أن هناك بنات في سن الطفولة الصغيرة أو في سن المراهقة (فتيات) يتسولن في الشوارع العامة ويعملن في مهن هامشية تؤدي بهن الى الانحراف ليصبح التسول هنا غطاء لممارسات أخرى تدر للمتاجرين بالطفلة (أحيانا الوالدين أو افراد الاسرة) دخلاً كبيراً. أما الحالة الجنائية بالخرطوم تؤكد أن المتسولين يتعرضون للاعتداء الجنائي والتهديد باستخدام القوة الجنائية واكراههم على السرقة والإغتصاب وجميعها تؤدي إلى العديد من المشكلات الأمنية والجنائية والاجتماعية. بالمقابل نجد أن سلطات الخرطوم تبذل جهوداً كبيرة للحد من الظاهرة السالبة، وذلك من خلال الحملات المتكررة للشرطة بالتعاون مع وزارة الرعاية الاجتماعية والتوجيه بالخرطوم وحتى صباح أمس ترصد«الإنتباهة» تصريحات الوزيرة مشاعر الدولب حول إبعاد عدد من المتسولين من غرب أفريقيا، وقد سبقتها قبل ذلك عمليات تفويج كبيرة. * أفق قبل الأخير: على الجميع تقع مسؤولية محاربة التسول وعلينا أن ننتبه لوضع (البرِّ) في محله. * أفق أخير متسول بالخرطوم يمتلك أربعة تكاسي ومنزلاً ملك حر