هو ملف بدأته منذ أن ساقتني الصدفة للتعرف عليهم..وجوه صغيرة نور عيونها انطفأ، لكنها مضيئة بالابتسام والأمل. أحببتهم، فبدأت ملفهم منذ العام 2008م، ومازلت أطرق علّني أصل إلى أمنية تحقيق حلمهم الأكبر..إنهم أطفال (معهد النور)..أقصى أحلامهم، إكمال المبنى الذي يقع في منطقة الشعبية ببحري، ليكون سكناً آمنا لايرد طالباً في القسم الداخلي عن دراسته، ولا يصطدم طفل كفيف بعمود يسبب له ألماً نفسياً وعضويا.ً البداية كانت في العام 2007 ، عندما زرت المعهد وكتبت عن معاناة الطلاب والفقر الذي يعانيه، وتلتها زيارة في فبراير 2008 لمشاركة الأطفال حفل وداع نهاية العام الدراسي، واقتسام الإبتسامة مع طلاب القسم الداخلي، وهم في طريقهم إلى إجازة طويلة مع ذويهم .. الأستاذة ست البنات محمد أوضحت لنا وقتها تفاؤلها باستجابة د. سامية هباني لطلب علاج الأطفال، ووعدت بعمل بطاقات تأمين صحي لطلاب المعهد. وعلمت «الإنتباهة» أن المشروع بدأ، ولكنه لم يكتمل حتى الآن. وقتها كان قد مر عام والأحوال كما هي ، تجمع الطلاب يومها ببراءة طفولية مطالبين بصورة تذكارية، مستخدمين سخرية لاذعة مع بعضهم «يعني حتشوفوا الصورة» وآخر طلب إجراء حوار معه وهو سيعبر عن رأيه. وآخرون قرروا انشاء كلية للهندسة ولكن «للعميان» فقط. تركتهم وصخبهم يملأ الفناء رغم الفقر والإعاقة التى حرمتهم من الكثير..تكررت بعدها الزيارة للمعهد مع اليونسيف، اصطف يومها الطلاب في سعادة لاستقبال الضيوف، كانت تغييرات قد حدثت في المعهد بعد أن استجابت (سوداتل) للنداءات المتكررة، وقامت بترميم المبنى الذي هو عبارة عن منزل حكومي قديم وضيق!! آخر زيارة كانت برفقة الزميلة نهى حسن، خلال هذا الأسبوع، ولم يكن هناك تغيير يذكر. نفس المشاهد أكثر ما يميزها الوجوه الصغيرة التي تتجول بحذر ولا تفوت فرصة حديث مع الزوار. سنوياً يتم حرمان طلاب من التعليم لضيق الفرص!! المعهد هو الوحيد الحكومي في السودان ويقوم باستيعاب الطلاب من كافة الولايات،الأستاذ خضر عبد الوهاب وكيل المعهد حدثنا عن كيفية استيعاب الطالب الذي يتم اختياره بعد أن يكون كفيفاً أو كفيفاً جزئياً، وسنه بين السابعة والعاشرة. وهنالك (9) فصول، منها فصل تحضيري يقوم باستقبال الطلاب الذين يأتون من مدارس عادية أو الذين التحقوا أول مرة بالمعهد لتدريبهم على الطرق التي تتم بها القراءة مثل طريقة (بريل). والمعهد يستقبل كل عام أكثر من «55» طالباً يتم استيعاب «12» طفلاً منهم بالصف الأول و«12» بالتحضيري ،أما البقية يتم تأجيل استيعابهم للعام القادم نسبة لعدم وجود أماكن تسعهم، فالعدد كبير ومتزايد كل عام. وزارة التربية تدعم ولكن!! والمعهد الذي تأسس العام 1966 اصبح يتبع بطبيعة الحال لوزارة التربية والتعليم الاتحادية التي تدعمة بالوسائل التعليمية والمعلمين والتدريب إضافة إلى أن بعض الخيرين يدعمونه ولكن بصورة متباعدة تمتد لسنوات. ووسائل تعليم المكفوفين مكلفة جداً وتستجلب من الخارج بالعملة الصعبة، لذلك تحتاج لعون وتضافر جهود من كافة الجهات المسؤولة، مع منظمات المجتمع المدني والجهات الداعمة كي يؤدي المعهد عمله على أكمل وجه في تعليم وتدريب المكفوفين لمجابهة ظروف الحياة نظراً لوضعهم الخاص، كما يساعد الدعم في توفير الامكانيات المطلوبة لتلافي النقص أمام الأعداد المتزايدة كل عام وإتاحة فرصة لكل طالب من حقه أن ينال حظه في التعليم بإكمال المبنى الذي هو عبارة عن هيكل بلا سور. طلاب المعهد سردوا ل«الإنتباهة» ببراءة تصحبها سخرية لاذعة، احتياجاتهم التي تتمثل في أدوات الكتابة والمسجلات والأشرطة، حيث أكدوا أنه يوجد كتاب واحد فقط يخص المعلم لو ضاع منه لحدثت ربكة ! وأكدوا أنهم بحاجة لإزالة الأعمدة التي يصطدمون بها يومياً، وتترك كدمات على رؤوسهم، كما عبر آخر ببراءة عن حاجتهم لعمل(نمليات) للنوافذ لأن البعوض يحرمهم من النوم والمراوح متعطلة! وألح أحدهم على طلب مصحف الكتروني لأن المصاحف المكتوبة لا توجد بها علامة توضح التجويد، تجولنا معهم داخل المبنى في يوم عطلتهم، وكان شبه خال، إلا من عدد محدود من طلبة القسم الداخلي، مما سهل مهمة الحديث معهم، فأبناء المعهد يتمتعون بذكاء فطري وحس شغب عال وأكثر ما ألحوا عليه هو وسائل الترفيه التي هي منعدمة في الدار حيث لا جهاز تلفاز أو راديو أو أية رياضة لأن الفناء مساحته أضيق من أن يحتمل لعب كرة أو غيرها. عبر أحدهم قائلاً(سجن بس يوم الإجازة) و يتم استيعاب الطالب الكفيف وفق شروط أن يكون كفيفاً كلياً أو جزئياً ويمر على ال(8) فصول، ووفق منهج وزارة التربية والتعليم يتم الحاق الطالب بالمدارس الثانوية للمبصرين وتسمى هذه العملية بالدمج، حيث يقضي فترة الثانوي ومنها إلى الجامعة. وسبق أن كانت «الإنتباهة» حاضره تبرع الأستاذة أميرة الفاضل وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي بالعصى البيضاء للطلاب المتخرجين من المعهد كخطوة تنقصها خطوات بالجملة، ولا تنتهي علاقة المعهد بالطالب بعد تخرجه. الأستاذة ست البنات محمد الحسن مديرة المعهد تقول: يتدخل المعهد واتحاد المكفوفين السودانيين لحل أية مشكلة تواجه الكفيف حتى بعد تخرجه. الكفيفات محرومات من التعليم وكيل المعهد أكد أن معظم الطلاب من الولايات بالذات طلاب الداخليات، معظمهم من ولاية الجزيرة والولاياتالغربية والولاية الشمالية وولاية نهر النيل.. وهؤلاء بالذات يحتاجون الكثير، كما شاهدنا، ومنها وسائل الترفيه داخل المعهد والنزهات والزيارات الاجتماعية وحتى الغرف أكثر من عادية والمبنى عموماً لا يعطي طفلاً محروماً من نعمة البصر حقه في الحياة الطبيعية. ولاحظنا في جولتنا أنه لا توجد داخليات للطالبات مما يعني أن الكفيفات محرومات من حقهن في التعليم. يقول أستاذ خضر وكيل المعهد للأسف هنالك الكثير من الكفيفات من كل الولايات وأطراف ولاية الخرطوم تقدمن للالتحاق بالمعهد، ولكن تم رفض طلباتهن نسبة لعدم وجود داخلية لهن، ومن المعروف أن داخلية البنات لابد أن تكون ملائمة وعلى درجة عالية من الأمان ومساحة المعهد لاتسمح بذلك . تكمن مشكلة المعهد الأساسية في المبنى حيث لا يفي المبنى الحالي باستيعاب الأعداد الكبيرة والمتزايدة للمكفوفين، وعدم توفر وسائل تعليمية متطورة للعملية التعليمية نفسها، والمتوفر في المعهد اليوم غير كافٍ ويحتاج إلى نقلة نوعية في الوسائل التعليمية، حيث يعمل المعهد حتى الآن بطريقة (بريل) فقط، وهنالك الكثير من الوسائل الحديثة والعلمية المتطورة في العالم العربي ودول الجوار، ناهيك عن الدول الغربية. كما توجد هنالك مشكلة ترحيل الطلاب من وإلى منازلهم حيث يملك المعهد حافلتين متهالكتين و(2) هايس غير الموديلات القديمة التى انتهت مدة صلاحيتها وتسببتا في تأخير الدراسة مرات عديدة نسبة للعطل الذي يتكرر باستمرار. علماً بأن المعهد يدرس المنهج الدراسي لوزراة التربية والتعليم العام وملزم بختامه في موعده المحدد، كما يوجد لدى المعهد مقر جديد بمنطقة الشعبية مصمم بطريقة علمية وعلى مستوى عالمي يراعي ظروف الكفيف، لم يكتمل فهو في المرحلة الأولى يحتاج لتسوير، كما يحتاج المعهد لتدريب معلمين خارج البلاد وهي عملية متوقفة منذ العام 1989م، معمل الحاسوب يحتاج لبرنامج إبصار وأجهزة حاسوب جديدة وتكييف!! معمل الحاسوب يحتاج لبرنامج إبصار الناطق الذي يبلغ سعرة «5»آلاف جنيه سوداني، تقول مديرة المعهد إن المعمل يحتاج للكثير وأهمها برنامج إبصار وجهاز تكييف للهواء لأن الأجهزة تحتاج للتبريد كي تعمل دون معوقات. وأحب أن أشكر منظمة (أبرار) بالرياض المملكة العربية السعودية التي أرسلت لنا برنامجاً واحداً ومنظمة (بصيص أمل) . إحصائيات عدد المكفوفين بالسودان حسب آخر إحصائيات تحصلت عليها «الإنتباهة» كانت كالآتي:«190» كفيفاً في ولاية نهر النيل، و«252» في الخرطوم، و«655» في ولاية الجزيرة و«327» في ولاية النيل الأبيض و«85» في النيل الأزرق، وسجلت ولاية سنار «158»، وشمال كردفان«391»، وجنوب كردفان «191»، وولاية البحر الأحمر «141»، وكسلا حسب إحصائيات المراكز والمدارس «1384»، والقضارف «245» والولاية الشمالية «125»، وشمال دارفور«348»، وجنوب دارفور «412»، وغرب دارفور «193». هذا هو الحال في المعهد منذ سنوات لا يتغير إلا بحركة بطيئة جداً، تحرم طالباً كفيفاً يومياً من حقوقه الطبيعية. «الإنتباهة»، كانت حضوراً لتصريحات وزير الدولة بوزارة الرعاية الذي أكد أن بند ذوي الاحتياجات الخاصة مكتمل بنسبة 100%، فهل (معهد النور) مضمن و مدرج؟