جلس ضيافة (الإنتباهة) اليوم وبرفقته القائد السياسي في (الجبهة القومية) السيد/ مختار موسى ضو البيت، نلتقي مولانا القاضي عبد الرحمن إدريس العقل المفكر لانقلاب5/ سبتمبر 1975م، حيث يكشف لأول مرة عدداً من أسرار انقلاب المقدم حسن حسين. مولانا القاضي عبد الرحمن إدريس رئيس (الجبهة القومية) التي رتبَّت الانقلاب ورئيس وزراء الانقلاب وعضو مجلس ثورة 5/ سبتمبر، فلماذا لا تفيد حكومة السودان من هذه الخبرات السيّاسيَّة الكبيرة في مفاوضات أديس أبابا. حيث أن كلاً من السيد/ عبد الرحمن إدريس والسيد/ مختار موسى ضو البيت يتمتعان بخبرة سياسية وطنية كبيرة وبمعرفة عميقة بقضية جنوب كردفان. وحضر اللقاء السيد/ رئيس التحرير الصادق الرزيقي والأستاذ عبد المحمود الكرنكي نائب رئيس التحرير والصحافي خالد حسن كسلا. يتساءل الكثيرون، بأن هناك أسرار، خاصة بحركة «5» سبتمبر «1975م» لم تُكشف بعد وأنكم لا تريدون البوح بها.. نتعشم أن نجد عندكم بعض الأسرار في هذا الحوار؟ إن شاء الله سوف نكشف بعض الأسرار الجديدة لأول مرة في هذا الحوار. ولكن ليس كل الأسرار. سوف نتحدث عن بعض جوانب وأسباب الفشل لأول مرة. ما هو نوع علاقتكم في حركة «5» سبتمبر «1975م» مع حزب الأمة؟ نحن ليست لنا علاقة بحزب الأمة. وكل ما هناك. فقد حصل لنا اختراق. ونحن لا نستغرب حدوث هذا الاختراق. لأن بيئتنا السياسية، نحن وحزب الأمة واحدة. ولكن ما يمكن أن نقوله هو أن اختراق حزب الأمة لنا هو أحد أسباب فشل حركة «5» سبتمبر. كيف تفسرون ذلك؟ نفسر ذلك من جانبين: جانب مباشر وجانب غير مباشر: أما الجانب المباشر فهو أن الشهيد عباس برشم ولو أنه كان إسلامياً، لكنه في تلك الآونة كان يعمل لصالح حزب الأمة. إن الملازم الشهيد حماد الإحيمر بدلاً من أن يؤدي مهمته العسكرية في هذه اللحظات التاريخية، وهي احتلال الإذاعة وتأمينها وعدم مبارحتها إلا بعد أن تصدر له تعليمات واضحة من القيادة فإن ابن أخته عباس برشم أثر عليه، وحرَّكه إلى سجن كوبر لإطلاق سراح السجناء السياسيين بسجن كوبر. فصارت الإذاعة مكشوفة في هذه اللحظة الحاسمة فانقضّ عليها السيد الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم وضربها وأذاع بيانه بعودة مايو مما أوحى لرجالنا بأن كل شيء قد انتهى. إن مهمة إطلاق سراح السجناء السياسيين لا تخص عباس برشم، ولا حتى حماد الإحيمر بمفرده، بل نحن لا نعرف أي شيء عن عباس برشم وتحرُّكه. ومهمة إطلاق سراح السجناء تخص مجلس قيادة الثورة، في الوقت المناسب الذي يراه. ثم قامت المجموعة التي يقودها الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم بإطلاق الرصاص على حماد الإحمير الذي ظهر عائداً من بحري في هذه اللحظات وأردته قتيلاً. وبذلك كانت الربكة التي حصلت في الإذاعة وسببها عباس برشم كادر حزب الأمة، هي السبب الرئيس في فشل الانقلاب. لذلك فإن الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم، كثيراً ما يداعبني، بعد المصالحة ويقول لي يا مولانا أنا حاصرتك في الإذاعة وضربتك ضربة قاضية وأفشلت انقلابك. أما الجانب غير المباشر في إفشال الأحزاب لحركة «5» سبتمبر «1975م» وهي الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة، فإنها أي الأحزاب أثرت على الشهيد المقدم حسن حسين والشهيد الرائد حامد فتح الله فبدلاً من أن ينشغلا بمراقبة إستراتيجية معركتهما الفاصلة ويحرصا على نجاحها. صارا منشغلين بالاتصال بالأحزاب والتشاور معها مما أثر على أدائهما. أنتم طبعاً إسلاميون. فلماذا لم تبلغوا الحركة الإسلامية رسمياً بعد أن شعرتم بالاختراق؟ أجل نحن إسلاميون ومواقفنا في الجامعة من مساندة للخط السياسي للحركة الإسلامية بالجامعة. ومن المشاركة في مواقفها مثل حركة شعبان ومثل حوادث الأربعاء بالجامعة ومن تاريخنا بخور طقت حيث إن شخصي كان أميراً للجماعة بخور طقت بدءًا من نهاية سنتي الثالثة وحتى نهاية سنتي الرابعة حسب التقليد المتبع آنذاك. هذه المواقف كلها تدل على إسلاميتنا. لكن لم نبلغ الحركة الإسلامية رسمياً لأن هناك صعوبات: فحركتنا فيها شركاء غير إسلاميين. ثم إننا شعرنا بالاختراق في اللحظات الأخيرة. أيضاً فأنا بذلت جهداً في تبليغ الحركة لكنه لم يُثمر. لأننا لسنا في الصف القيادي ولا حتى في الصف الثاني، بل نحن شباب ملتزم للحركة وننفذ تعليماتها فمتى قالوا لنا اذهبوا واعملوا تظاهرة في الساعة كذا في المكان كذا ذهبنا ولم نسأل ولكنني بذلت مجهوداً فقابلت الراحل مولانا حافظ الشيخ الزاكي عليه رحمة الله وبلّغته ولكنه لم يتجاوب معي ولم يُبد حماساً ولم يعدني وعداً صريحاً بأن آتيه ويأخذني لأقابل من يرون. أيضاً الأحداث في اللحظات الأخيرة صارت متسارعة. ما رأيك في إفادات السيد بكري عديل الأخيرة؟ الأخ السيد بكري عديل، أطال الله عمره، أكنّ له الاحترام والتقدير وقد تعاونّا معه في مواقف وطنية بعد المصالحة في أعوام التعاون مع مايو، حينما صار السيد بكري عديل حاكماً مكلفاً لكردفان الكبرى. لكننا لم نكمل المشوار معه لأن مايو غدرت به في فترة تثبيت الحكام وجاءت بالفاتح بشارة. لكن فيما يختص بالتعاون بيننا في أحداث «5» سبتمبر «1975م» مع احترامي وتقديري للأخ السيد بكري عديل، فإن وجوده هو والمجموعة الحزبية من حزب الأمة كالسيد عباس برشم ومجموعة الاتحادي الديمقراطي مثل السيد أحمد زين العابدين، كان وجودهم اختراقاً، فنحن لا نعرفهم ولم ننسق معهم ولم يحصل أن التقينا بهم نحن في قيادة حركة «5» سبتمبر. أيضاً هنالك نقطة أخرى هي أنني لم أقابل الأخ السيد بكري عديل إلا بعد أن عدنا في المصالحة الوطنية، حيث ذهبت لزيارته في منزله مع مجموعة من الإخوان أذكر منهم السيد معتصم التقلاوي المحامي عليه رحمة الله فنحن لم نكن في زنزانة واحدة. ولعل الذي كان مع الأخ بكري عديل في الزنزانة معتقل آخر شبهه بي.. وحقيقة كانت اللحظات عصيبة فقد كان الحراس وهم مرابطون في أبواب الزنزانات لا يسمحون للمعتقلين بالتحدث مع بعض. كما أنني بعد اعتقالي لم أُنقل إلى أم درمان قط فأنا كنتُ بالخرطوم في زنزانات الأمن. لكن سلطات مايو دخلت في حرج حينما هربت من زنزانات الأمن. فهم الذين أشاعوا أنني كنت في سجن كوبر وهربت من هناك. لأن إفلات شخص من زنزانات الأمن نفسه وفي تلك الظروف كان ضربة صعبة على النظام كله. لقد بذل الأخ بكري عديل جهداً في حركة «5» سبتمبر بدون التنسيق معنا هو والعناصر الحزبية الأخرى مثل عباس برشم وكمال الدين عباس وعرّض الأخ السيد بكري عديل حياته للخطر. ولكن الله كتب له النجاة من حبل المشنقة. مثلما كتب لي النجاة أيضاً من حبل المشنقة، لكن بطريقة أخرى. والله هو القادر الفعّال لما يريد. هل حصل أن قابلت المحامي الأستاذ عبدالحليم الطاهر الذي دافع عن المشاركين في حركة «5» سبتمبر «1975م»؟ لم يحصل أن قابلت الأستاذ عبدالحليم الطاهر. ولكنني لاحظت من خلال إفاداته الأخيرة. أنه يقول إن حركة «5» سبتمبر «1975م» هي حركة ضباط فقط. بل هو ينفي الدور الذي قام به السياسيون في هذه الحركة. وينفي علاقة الإسلاميين أيضاً بالحركة. وهذا كله تحريف للتاريخ. بل ويتحاشى ذكر الأسماء المؤثرة في حركة «5» سبتمبر «1975م» مثل الحكمدار الطيب أحمد حسين. فالسياسيون هم الذين جاءوا بالفكرة وبدأوا يجمعون القوى التي صممت أن تُحدث التغيير. بدأت الفكرة من الجبهة القومية السودانية وهذه رجالها كثر أمثال الأستاذ محمدآدم الطيب والأستاذ معتصم التقلاوي المحامي عليه رحمة الله وغيرهم. ثم انضم إليهم الإسلاميون أمثال مختار موسى ضو البيت والقاضي عبد الرحمن إدريس وغيرهم. وأعطوا العمل العسكري دفعة قوية بضمهم للعسكريين وعلى رأسهم المقدم حسن حسين والنقيب محمد محمود والملازم عبد الرحمن شامبي. إن دور السياسيين ثابت في مضابط التحقيقات وفي مسار المحاكمات. وقد كتبت عنه الصحافة السودانية لمدة «37» عاماً من الزمان. سيما دور الإسلاميين الذي حاولنا في هذه الإفادة أن نوضحه ونميط اللثام عن الأسباب التي حالت دون فعاليته. وبذلك نضيف أن غياب مشاركة الإسلاميين هو أحد الأسباب التي أدت إلى فشل انقلاب «5» سبتمبر «1975م».. لماذا لا تفيد حكومة السودان في مفاوضات اديس أبابا من هؤلاء القادة الوطنيين الذي يتمتعون بخبرات سياسية وطنية كبيرة كما يتمتعون بخبرة واسعة بقضية جنوب كردفان.