إنقلاب 5/ سبتمبر1975م بقيادة المقدَّم حسن حسين عثمان الذي تمرّ ذكراه اليوم، كان حافلاً بالأسرار التي لم يُكشف النقاب عن أكثرها، فظلّ لغزاً من الألغاز. أطاح ذلك الإنقلاب بالرئيس جعفر نميري لساعات قليلة، وأذاع بياناً بالإذاعة، ريثما استردّ الرئيس نميري السلطة مرة أخرى. ما دور (الإخوان المسلمين) في هذا الإنقلاب. هل يمكن أن (يتصادف) وجود كل هذه الأعداد من كوادر قيادات الإسلاميين في الإنقلاب، دون أن يكونوا مَن خطَّطوا له أو الشريك الأكبر فيه؟. من غير عناصر (الإخوان) أو(حزب الأمة)، وردت في انقلاب 5/سبتمبر 1975 أسماء العديد من القيادات السياسية المعروفة ممن لها صلة بالإنقلاب، منهم السيد معتصم التقلاوي (المحامي) والذي استبعِد من رئاسة وزارة الإنقلاب، لزواجه من أجنبيّة. كما ورد اسم السيد عبدالمجيد إمام (المحامي) صاحب تقديم مذكرة القضاة في «ثورة» أكتوبر 1964م، والذي تعاون فيما بعد مع البرلمان المايوي ووصف الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم بأنه (أسد الثورة)، وغيرهما من الأسماء التي وردت وروداً من الدرجة الثانية. أما الأسماء التي وردت من الدرجة الأولى، فقد جاء اسم السيد عبدالرحمن ادريس (القاضي) الذي كان يعمل بالقضائية والشخصية عميقة الصمت. كان عبدالرحمن ادريس (أخ مسلم) منظَّم. فقد كان من المنتمين إلى تنظيم (الإخوان المسلمين) طوال دراسته بكلية القانون جامعة الخرطوم. وقد هرب من سجن (كوبر) بعد اعتقاله وفشل انقلاب 5/سبتمبر. أي أن هروب قتلة (غرانفيل) الأمريكي لم يكن الهروب الأول. كان عبدالرحمن ادريس الذي أسماه النظام المايوي بالقاضي الهارب أهم شخصية مدنية وسياسيّة في الإنقلاب. حيث أظهرت التحقيقات أن معظم خيوط تحرّك إنقلاب 5/سبتمبر كانت بيده. وقد أفاد الأخ حامد الفكي أحد المشاركين في حركة 2/يوليو 1976م أنه التقى عبدالرحمن ادريس بعد فشل انقلاب 5/سبتمبر في أديس أبابا ووصفه بأنه رقيق القلب إلى حد زرف الدموع. القاضي عبدالرحمن إدريس لديه الكثير من الأسرار التي تحلّ الألغاز، ولكن لا يريد البوح بها بعد. وذلك بعد مرور (37) عاماً على انقلاب 5/سبتمبر. وقد (تصادف) أن (الأخ المسلم) عبدالرحمن ادريس كان الشخصية المركزية في انقلاب 5/سبتمبر. كما جاء في المحاكمات بعد الإنقلاب أن المقدّم حسن حسين كان (عقيد مكسّر) في نظر أحد الضباط الرئيسيين في الإنقلاب، وهو النقيب محمد محمد التوم. أي أن النظام المايوي وخوفاً من الإتجاه السياسي للمقدّم حسن حسين وعدم اطمئنانه له، تعمّد عدم ترقيته إلى رتبة (العقيد) والتي يستحقها، حتى لا يصبح أبعد أثراً وأكثر خطراً. وفي لقاء صحفي أثنى القيادي في حزب المؤتمر الشعبي الأستاذ عبدالله حسن أحمد (الوزير) على المقدّم (حسن حسين) الذي زامله في مدرسة خورطقت الثانوية. كما وصف المشاركون في الإنقلاب عند محاكمتهم المقدَّم حسن حسين بأنه (إسلامي). كما ورد في أسماء المشاركين في انقلاب 5/سبتمبر اسم الدكتور أبو بكر عوض المذيع الشهير بالإذاعة السودانية، ومراسل إذاعة صوت أمريكا. حيث سعى أبو بكر عوض الذي (تصادف) وجوده في الإذاعة صباح الإنقلاب إلى حثّ المذيعين على إذاعة البيان الأول للإنقلاب، والتعاون مع الإنقلابيين. أبوبكر عوض الإذاعي والإعلامي المرموق من الكوادر الإعلامية لحركة الأخوان المسلمين، وهو (أخ مسلم) منظَّم. وهو شخصية باسمة جادّة تتسم باللطف والودّ والأفق البعيد. وهو صاحب فكرة (جامعة السودان المفتوحة) وكان ناشطاً في هذا المشروع الذي رأي النور بعد رحيله المحزن المفاجئ. هذا كما ورد في انقلاب 5/سبتمبر اسم الدكتور التيجاني أبو جديري حيث (تصادف) أن جرت مشاورات الإنقلابيين حول تعيينه وزيراً للزراعة. أبو جديري أحد قيادات (الإخوان المسلمين). حيث كان يقيم في ولاية (إنديانا) بأمريكا منذ عام 1968م. وقد استطاع د. أبو جديري لاحقاً من خلال علاقاته الخليجية توفير خمسين منحة دراسية في الماجستير والدكتوراه في الجامعات الأمريكية لكوادر حركة الإخوان المسلمين من المتميِّزين أكاديمياً وتنظيمياً. وقد استشهد الدكتور التجاني أبو جديري في حادث مرور فاجع في طريق القدمبلية القضارف. وكان فقداً كبيراً للحركة الإسلامية والسياسية السودانية والعمل الإسلامي الدولي. الدكتور أبو جديري هو الذي قام بتجنيد الأستاذ إبراهيم السنوسي للحركة الإسلامية. كما كان من ضمن العناصر الرئيسية في انقلاب 5/سبتمبر اسم الشهيد (عبّاس برشم) من قرية (الكاركو) بالقرب من مدينة الدلنج في جنوب كردفان، والذي تُعرف علاقته الوثيقة بحزب الأمة، ولكن لا تُعرف صلته (بالإخوان). حيث تفيد رواية موثوقة بأن عباس برشم (أخ مسلم) وكادر (إخوان مسلمين) داخل حزب الأمة. وقد أفاد الشهيد عبدالفضيل ابراهيم الذي كان برفقة عباس برشم سجيناً في (كوبر) بعد ثورة شعبان 1973م، بأن عباس برشم كان يقيم الليل ويبكي في قيامه. ثّم جاء مقتل الشهيد (الأخ المسلم) النقيب (م) طيار قاسم محمد هارون، الذي (تصادف) وجوده صباح الإنقلاب داخل القيادة العامة للقوات المسلحة، ليكون على مقربة من المقدَّم حسن حسين زعيم الإنقلاب. قاسم هارون أحد الضبّاط الوطنيين الشجعان الأفذاذ الذين كان لديهم استعداد لتحطيم جعفر نميري. وقد فصله الرئيس نميري من الخدمة العسكريّة عند شعوره بخطره السياسي. الضابط نقيب طيار قاسم هارون (أخ مسلم) منظمّ، من المنتمين إلى حركة (الإخوان المسلمين) كذلك. وتشير بعض الروايات أنه كان حلقة وصل بين القيادة (الإخوانية) السياسية وزعيم الإنقلاب المقدم حسن حسين. القيادة (الإخوانية) خارج السجن كان يمثلها الدكتور إبراهيم أحمد عمر. حيث كان الدكتور حسن الترابي في السجن (سجن كسلا). وقد التقى قاسم هارون بالدكتور إبراهيم أحمد عمر صبيحة الإنقلاب قبيل ذهابه إلى القيادة العامة، كما أفادت إحدى الروايات. قاسم هارون كان موجوداً داخل القيادة العامة للجيش وخلال تواجده مع زعيم الإنقلاب بدأت الحركة المضادة للإنقلاب وقتِل الشهيد النقيب (قاسم هارون) على الفور على مقربة من المقدَّم حسن حسين الذي أصيب بطلق ناري نزف كثيراً على إثره وتمَّ اعتقاله. الشهيد قاسم هارون شقيق الدكتور الطاهر محمد هارون المحاضر بجامعة الخرطوم والدكتورة هدى هارون اختصاصية الإطفال والقاضي أحمد هارون والي جنوب كردفان. كذلك ورد في انقلاب 5/سبتمبر اسم الدكتور (علي الحاج محمد) الذي (تصادف) أن غادر الخرطوم إلى بريطانيا قبيل يوم واحد أو يومين من الإنقلاب. كما غادر الدكتور على الحاج من بعد الخرطوم قبل أيام من وقوع ثورة الإنقاذ في 30/يونيو 1989م. هذا كما (تصادف) أن أطلق الإنقلابيون سراح القائد الطلابي أحمد عثمان مكي رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الأسبق والذي قاد حركة الطلاب في أغسطس 1973م (ثورة شعبان) كما قاد إحتلال الجامعة الشهير وهو أحد أبرز قادة الطلاب الإخوان. وكان أحمد عثمان مكي معتقلاً عند وقوع انقلاب 5/سبتمبر بسجن كوبر. كما أطلق الانقلابيون سراح بعض (الإخوان المسلمين) من سجناء كوبر مثل الأستاذ صديق إبراهيم (التَّرَس) المحاضر في الحاسوب بجامعة الخرطوم، وغيرهم. وورد كذلك بصورة أخرى اسم السيد/كمال الدين عباس من حزب الأمة والذي كتب (البيان الأول) للإنقلاب والذي لم يُقرأ في الإذاعة. حيث قرأ قائد الإنقلاب الشهيد حسن حسين (بيان أوّل) آخر. كما ورد في انقلاب 5/سبتمبر اسم السيد بكري عديل، والذي قدَّم في عدد اليوم الأربعاء 5/سبتمبر من (الإنتباهة) إفادات مهمة وأسرار تُعلن لأول مرَّة عن علاقة السيد الصادق المهدي بانقلاب 5/سبتمبر بقيادة الشهيد المقدَّم حسن حسين عثمان. لعب السيد بكري عديل دوراً خطيراً في انقلاب 5/سبتمبر وقد صدر ضده حكم بالإعدام، ولكن شاء القَدَر أن ينجو بأعجوبة من حبل المشنقة.